يشهد الطلب على الفحم ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة الحالية، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من شركات التنقيب الرئيسية من مشاكل في الإنتاج، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة.

 

ارتفعت أسعار أقذر أنواع الوقود الأحفوري، فقد أدت درجات الحرارة الشديدة في شمال آسيا إلى زيادة احتياجات تكييف الهواء، مما زاد من الطلب القوي بالفعل بسبب التعافي الصناعي من الوباء. وتقييد قضايا سلامة المناجم في الصين، وهطول الأمطار الغزيرة في إندونيسيا، والاضطرابات في كولومبيا بالإنتاج.

ويأتي ارتفاع الأسعار وسط أزمة وجودية للفحم، إذ تجعل سياسات المناخ الاستثمار في مشاريع جديدة أمراً يزداد صعوبة. وقد لا يغيِّر الضغط ذلك، لكنَّه يوفِّر لشركات التنقيب مكاسب غير متوقَّعة طالما استمر الأمر.

 

قال جيمس ستيفنسون، كبير الباحثين في مجال الفحم والمعادن والتعدين في "آي إتش إس ماركت" في هيوستن: "يمكن أن نحقق أسعاراً قوية في الربع الرابع. لكن هذا ليس طلباً قوياً من الناحية الهيكلية. من المحتمل أن يكون الاستمتاع بعائدات أعلى أفضل من استثمارها في إنتاج جديد".

وكما هو الحال غالباً مع الفحم، تبدأ القصة في الصين، التي تستخرج وتحرق نصف إمدادات العالم، كأوَّل اقتصاد رئيسي يتعافى من كوفيد 19، و كانت المصانع هناك تعمل بقوة لفترة من الوقت، وقد مثَّل ذلك مؤخَّراً على دفعة إضافية مع انطلاق الانتعاش في مكان آخر. ومع ذلك، دفعت سلسلة من حوادث التعدين القاتلة بكين إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الممارسات غير الآمنة.

 

 

 

تقليص الإمدادات


وتفاقم الانخفاض في الإنتاج بسبب ارتفاع استهلاك الكهرباء وسط صيف أكثر حرارة من المعتاد، الذي أعقب البرد القارس في الشتاء الماضي. وأدى ارتفاع الطلب إلى اضطرار العديد من المقاطعات إلى تقليص إمدادات الطاقة للمصانع في ديسمبر، وقامت أكثر من 20 مدينة في جنوب الصين بالأمر نفسه في الأسابيع القليلة الماضية.

 

كما ساعدت مشاكل من صنع بكين نفسها على الأقل جزئياً في ارتفاع أسعار الفحم. ترفض الحكومة قبول الفحم من أستراليا، التي كانت ذات يوم ثاني مورِّد لها، وسط خلاف جيوسياسي. كما سجلت العقود الآجلة للفحم الحراري القياسي في الصين رقماً قياسياً الشهر الماضي، وهي أعلى بنسبة 60% عما كانت عليه قبل عام.

 

وتعرَّضت إندونيسيا، وهي المصدر الأول للفحم حالياً لأكبر اقتصاد في آسيا، لهطول أمطار غزيرة. وقال "مورغان ستانلي" في مذكرة هذا الأسبوع، إنَّ إجمالي الشحنات انخفض بحوالي 15% عن مستويات ما قبل الوباء. كما ارتفعت العقود الآجلة للفحم الإندونيسي في بورصة سنغافورة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في مايو.

 

واجهت كولومبيا أيضاً اضطرابات، وعاد العمل في منجم "سيريجون" تدريجياً في 29 مايو بعد أن علَّقت الاحتجاجات نشاطه قبل حوالي أسبوع.

 

 

 

قفزات هائلة

وحتى مع حظر الاستيراد الصيني، ارتفعت العقود الآجلة للفحم الأسترالي بفضل عمليات الشراء من اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان. كما ارتفعت الأسعار الفورية للفحم الحراري عالي الجودة في ميناء نيوكاسل الإثنين الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011.

وامتدَّ الارتفاع الحادُّ من آسيا إلى جميع أنحاء العالم. وقفز سعر الفحم في شمال غرب أوروبا بنسبة 19% هذا العام، ووصل إلى أعلى مستوى في عامين الثلاثاء الماضي، كما ارتفع سعر الفحم الفوري في ولاية بنسلفانيا بنسبة 22% هذا العام.

 

قال ماثيو بويل، رئيس تحليلات الفحم والطاقة في آسيا في "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس" (S&P Global Platts)، إنَّ الأسعار الأوروبية ارتفعت هذا العام بسبب طقس أكثر برودة من المعتاد في القارة، وتراجع المخزونات في الموانئ.

وقال: "كانت هناك اضطرابات في الصادرات الكولومبية، وهي مورِّد كبير إلى أوروبا، في حين تمَّ تحويل الفحم الروسي نحو آسيا؛ لأنَّ أسعار البيع هناك أعلى منها في أوروبا".

 

السؤال الآن، إلى متى ستستمر؟. رفعت شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group) توقُّعاتها لعامي 2021، و 2022 لفحم نيوكاسل هذا الأسبوع بسبب قوة الطلب، وصعوبة السماح بإنشاء أو بناء مناجم جديدة في أستراليا. من ناحية أخرى، يتوقَّع "مورغان ستانلي" حدوث تصحيح في نصف الكرة الشمالي بالانخفاض، إذ يرى السوق وجود فائض عندما يبدأ العرض في الانتعاش.

حتى مع ارتفاع الطلب الصيني؛ ترى "آي إتش إس" أنَّ الاستهلاك العالمي للفحم الحراري المنقول بحراً أقل بمقدار 55 مليون طن على الأقل هذا العام بالمقارنة مع عام 2019، إذ يُحارب المستهلكون الرئيسيون مثل الهند الوباء.

وقال ستيفنسون، إنَّه في حين أنَّ السوق ستكون ضيقة على المدى القريب؛ ما تزال هناك طاقة استيعابية كبيرة في وقت لاحق من عام 2021. "هذا ارتفاع سيئ للاستثمار فيه. الأساسيات على المدى المتوسط ماتزال هابطة".