الأسد يدعم عون و«حزب الله» يستغلّ تضخم الحلم الرئاسي لإطالة الأزمة
 

كان لافتاً أن يستجمع الباسيليون شتاتهم بعد كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون عن التدقيق الجنائي، ويتجهوا إلى طريق قصر بعبدا ليهتفوا: «صهيوني، صهيوني. سمير جعجع صهيوني».

لعلّ هذه العبارات تختصر أزمة جبران باسيل في هذه اللحظات القاسية من عمر لبنان، المبتلى بسلطة توصله إلى جهنم ويتفاخر رئيسها باسمه وشخصه، فجبران بات يدرك أنّه بات يتحرك في الوقت الضائع، بعد سقوط العقوبات الأميركية عليه وانتظار عقوبات أوروبية تطاله مع مع مجمل أطراف التحالف الحاكم.

 

«رئيس المقايضات»

 

يدرك باسيل أنّه بات الآن على حافة الهاوية، وأنّ فرصه في الوصول إلى كرسيّ الرئاسة باتت ضئيلة، بقدر ما هي متاحة، وفق تطور الأحداث وتحولات المنطقة.

فالفرص شبه معدومة في المسار العربي والدولي. وبالتالي، فإنّ وصول باسيل إلى قصر بعبدا سيعني تحوّل لبنان إلى دولة مواجهة بقيادة «حزب الله» ليصبح باسيل صنماً رئاسياً يدير عمليات المقايضة السياسية والتجارية في دائرة النفوذ الإيراني الغارق بالفوضى والأزمات، من العراق إلى سوريا، ومن لبنان إلى سوريا وليس انتهاءً باليمن. ولا ندري أيّ رئاسة هذه التي ستحوّل باحة القصر الجمهوري إلى «سوق أحد»، لكنّها تبدو ضرورية لأطراف التحالف الحاكم المتورطة في ملفات فساد لا يمكن أن يطمرها سوى رئيس من «أهل بيت الفساد».

 

 

رئاسة استعباد الشعب

 

يعلم باسيل أنّه إذا وصل إلى رئاسة الجمهورية سيكون رئيس تحويل لبنان إلى دولة من دول المحور الإيراني المحاصر، لكنه بات مقتنعاً بهذا الطريق، خاصة أنّه يعتقد بإمكانية الاستمرار في السلطة والإفادة من مميزاتها، بغضّ النظر عمّا يحلّ بالبلد أو يصيب الشعب من مهالك، فهو يضع نموذج بشار الأسد أمام عينيه وهو مستعدٌ لجميع الأثمان المطلوبة للوصول، فربما يظن باسيل، وبعض الظن إثم، أنّ بإمكانه البقاء مثل الأسد بالأمر الواقع، في سدة الرئاسة أمداً غير محدود.

 

يعتبر باسيل أنّه يستطيع إخضاع الشعب اللبناني بالتدريج من خلال الأمر الواقع، وإلهاء اللبنانيين بتدبير شؤون حياتهم اليومية عن مطلبهم الأساس بإقامة الدولة، وأن يكمل سيطرته على هيكل الكيان المترنح، وامتصاص ما تبقى من إمكاناته، لصالح تشكيل قوة تشبه قوة «حزب الله» تسمح له بالاستيطان في قصر بعبدا إلى أمد غير محدّد.

 

 

الرئاسة مقابل الحكومة

 

في هذا المسار، تقع الأحداث المتلاحقة، وخاصة تلك المتعلقة بالرحلة الباريسية الملغاة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى العاصمة الفرنسية، والتي كُتب عنها الكثير، خاصة بعد النقد المباشر الذي وجهه صهر العهد إلى اللواء عباس إبراهيم، عندما قال إنّه لا يحتاج وسيطاً بينه وبين الفرنسيين، لكنّ موقفه هذا كشف حقيقة الأزمة التي يخفيها شعار الثلث المعطِّل، وهو شعار للتعطيل، وصولاً إلى استدراج البحث في الإشكالية الحقيقية، وهي مستقبل باسيل الرئاسي.

 

بدأ النقاش عند البطريرك بشارة الراعي في مسألة كسر الجليد بين باسيل والحريري عبر لقاء برعاية بكركي، لكنّه لم يلق الحماسة الكافية من صهر العهد، الذي كان يضع عينيه على باريس لإحراج الحريري بطرح مطالبه الحقيقية والحصول على مبتغاه باستغلال حاجة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إلى تحقيق إنجاز ينقذ سمعته الداخلية والخارجية.

 

كانت مبادرة مبادرة اللواء إبراهيم تقضي بجمع الرئيس سعد الحريري مع النائب جبران باسيل، لترطيب الأجواء والحدّ من آثار الخصومة الشخصية بينهما على الملف الحكومي. لكنّ باسيل فجّر الموقف عندما اشترط أن يكون تنازله عن الثلث المعطِّل مقابل حصوله على ضمانات بتأييد سعد الحريري له في ملف رئاسة الجمهورية في حال أقدم رئيس الجمهورية على التنحي في الشهور القليلة المقبلة لأسبابٍ صحية، كان عون قد بدأ يعطي مؤشرات حولها، مثل إبداء الندم على وصوله للرئاسة، وتمنيه وراثة بستان عن جده بدلاً منها.

 

هذه الشروط شكلت فرصة للرئيس الحريري الذي رفضها، وكان جوابه أنه يلتقي مع رئيس الجمهورية وحده في شأن تشكيل الحكومة، فإما أن يتنازل عون عن الثلث المعطل وإما أنه لا داعي لهذا النوع من الاجتماعات.

 

 

دعم «حزب الله»

 

كشف باسيل أوراقه أمام الجميع، وأوحى بأنه يحظى بدعم الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، منطلقاً من كلمته في «يوم الجريح المقاوم»، ليضع كل المعنيين أمام حقيقة المشكلة القائمة، من وراء التمسك بالثلث المعطل، وتفسير الأسباب التي تقف وراء تعطيل تشكيل الحكومة.

 

لا يريد «حزب الله» تشكيل حكومة الآن بانتظار البازار الإقليمي والدولي الكبير مع الولايات المتحدة، وهو يدفع باسيل، «نافخاً» حلمه الرئاسي ليكون الذريعة في التعطيل. وهذا ما عطّل عملياً رحلته الباريسية، التي كان يريد تحويلها إلى محطة تعويم سياسية له، باعتبارها خرقاً للعقوبات الأميركية، وإعادة اعتبار له بعد النبذ المحلي والعربي والدولي الذي تعرض له، وأصبح يصحّ فيه قول الشاعر «وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ الْبَعِيرِ الُمعَبَّدِ».

 

 

الأسد الداعم والنموذج

 

بعد فشل هذه المناورات، أجرى الرئيس عون اتصاله برئيس النظام السوري بشار الأسد، وجاء في الإعلام أنّ الاتصال تناول موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، لكنّ كان ملاحَظاً أن عون باشر بعد الاتصال حملة تصعيد سياسية عنيفة، أتبعها الباسيليون بتحركات في الشارع، لتصوير أنّه كان لكلمة رئيسهم صدى شعبي، وأنّه ليس معزولاً، ومن المتوقع أن تزداد وتيرة التصعيد الباسيلي، مع قرب حسم المواقف العربية والأوروبية في تحديد المسؤولية عن التعطيل في الملف الحكومي.

 

أصبح ثنائي عون ينطلق في حركته السياسية من دعم «حزب الله» والنظام السوري، وهو يبني استراتيجيته على الذهاب شرقاً، كما نصت عناوين مبادرة عون الاقتصادية، والتي أجمع الخبراء أنها ستكون سوقاً للمقايضة بين دول يخترقها الفساد الإيراني، ويجعلها أشبه بالسوق السوداء، التي تسود فيها الممارسات المافيوية، مثل التهريب والمعاملات غير الرسمية، وهذا يعني وأداً لآخر مقومات الدولة، ونقلاً «رسمياً» للبنان إلى محور إيران الذي يحول الشعب إلى متسولين والدولة إلى هيكلٍ خاوٍ في خدمة سلطة تبني استمراريتها على شقاء الناس وإرهابهم واستعبادهم على النموذج الإيراني، حيث «السادة» المعصومون، والعامة الملزمون بالطاعة العمياء عن المطالبة بالحقوق بالحياة الكريمة وبالحريات.

عقدة باسيل: جعجع الناجي

هتف الباسيليون ضدّ سمير جعجع على طريق القصر الجمهوري، لأن طريق باسيل العربي والدولي إليه مسدود مسدود مسدود، وبينما يغرق في العقوبات، يقف جعجع «على التلة» مراقباً غرق «التيتانيك» التي يبدو أنه يكاد يكون الناجي الوحيد منها من الطبقة السياسية الملتصقة بالفساد وكراسي السلطة المهترئة، وهو الذي خرج منها مبكراً نظيفاً من الشبهات ومحتفظاً بالتماسك السياسي الوطني والسيادي.