كتب وليد شرارة في صحيفة "الأخبار" تحت عنوان "أوروبا تغيّر جلدها: تعديل الاتفاق النوويّ... لمصلحتنا": "أوّل ما يلفت في الموقف الصادر عن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في مقابلته مع ««دير شبيغل» عن ضرورة تعديل الاتفاق النووي مع إيران، هو التوقيت الذي اختاره لذلك. فماس، الذي اعتبر أن «العودة إلى الاتفاق الحالي لن تكفي»، وأنه ينبغي «أن يكون هناك نوع من الاتفاق النووي مع إضافات، وهو أمر يصبّ في مصلحتنا أيضاً»، أدلى بهذا الكلام في سياق ارتفاع حدّة التوتر إلى مستوى جديد بين التحالف الأميركي - الإسرائيلي من جهة، وإيران من جهة أخرى، بعد اغتيال العالم محسن فخري زاده. هو تزامن أيضاً مع تأكيدات الرئيس الأميركي المنتخَب، جو بايدن، لـ ««سي إن إن»، أنه «لن يسمح لإيران بحيازة أسلحة نووية»، ومع توعّد وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، كل مَن لديه دور فاعل في المشروع النووي الإيراني بالموت. صدور هذه المواقف في السياق المشار إليه، وفي وقت واحد، يشي بالتناغم بين أصحابها. نحن أمام تقسيم عمل واضح، تقوم فيه إسرائيل بدور «العصا الغليظة»، بينما تحاول إدارة بايدن والأوروبيون الانطلاق من الوقائع المستجدّة الناجمة عن سياسات ترامب لمحاولة تغيير مضمون أيّ اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني، عبر ربطه بذاك الصاروخي.


ارتبط اسم وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بما اعتقده البعض توجّهاً أوروبيّاً للاستقلال عن الولايات المتحدة. الرجل لم يتردّد، في مناسبات عدّة، عن توجيه نقدٍ حادّ إلى دونالد ترامب، والردّ على تصريحاته الاستفزازية حيال الأوروبيين، والدعوة إلى اعتماد الأخيرين على النَّفس في مجال السياسة الدفاعية وعدم التعويل على استمرار الحماية الأميركية. ولو فاز دونالد ترامب بولاية ثانية، فإن العلاقات الأوروبية - الأميركية كانت ستشهد المزيد من التدهور والتأزّم إلى درجةٍ قد تدفع بعض الأطراف الحاكمة في القارة العجوز، مكرهةً، إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية نحو سياسة دفاعية وخارجية متمايزة عن تلك الأميركية. هذه الأطراف تنفّست الصعداء بعد انتصار بايدن، وأكّدت تمسّكها بالعروة الأطلسيّة الوثقى، كما جاهر وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في مقالة مشتركة نُشرت في ««لوموند». إبراز وحدة المعسكر الغربي في مواجهة القوى الصاعدة غير الغربية على المستوى الدولي، كروسيا والصين، وعلى المستوى الإقليمي، كإيران وتركيا، هو بين ثوابت غالبية نخب الغرب الأورو - أميركي، خاصة مع تسارع ضمور هيمنته ونفوذه. إصرار هايكو ماس على أن لأوروبا «مصلحة» في إدخال إضافات على الصيغة الأصلية للاتفاق النووي يتعلّق أساساً بإدخال ملاحق خاصة بالبرنامج الصاروخي الإيراني وضرورة الحدّ من تطوّره، يُظهر وجود إجماع بين قطاع عريض من نخبها، مع تلك الأميركية، على ضرورة وقف التحوّل التدريجي في موازين القوى، الناجم عن تطوّر الترسانة الصاروخية للجمهورية الإسلامية وحلفائها، لغير مصلحة إسرائيل التي تمثّل حجر الزاوية في منظومة الهيمنة الغربية على الإقليم".