الكاتب نصري الصايغ:

انها ليست نبوءة ابداً. مجرَد توقع. امر محتمل أو لا مفر منه. قد يكون الرئيس ميشال عون آخر رئيس جمهورية. وهذا الاحتمال، مبني على ما آل اليه لبنان من خراب عام، من تداع تام. من انسحاق كامل، من افلاس مبرم، من نهايات متتالية، من موت ينتظر، على قارعة الهاوية.

انها ليست نبوءة ابداً. انها من صلب السياسة، وما آلت اليه الأمور. لبنان راهنا شبه ميت. كله يعاني، وكي لا تقع في التكرار، يكفي أن يُقال أن جمهورية الفساد هي الأقوى. لا قوة ابداً، توازي ديكتاتورية الفساد، ولا سلطة تعلو سلطة الفاسدين. وسلطة الفاسدين موزعة على كل الطوائفيين. ومعروف، أن الفساد يستغل الطائفية، لا العكس. لا إله يعلو على آلهة الفساد وأديانها السافلة…

لبنان اللبنانيين، غير متوفر. اللبنانيون، عليهم أن يستعدوا للأسوأ. منذ اعوام قليلة، وزعاماته تتغَول، فساداً و …طائفياً. لا شيء له ديمومة غير هذا المسار. المواطنون والمراهنون على الدولة المدنية، وعلى الديمقراطية وعلى المحاسبة والمساءلة، وعلى سداد الديون وعلى مئة امنية… عليهم أن يكرسوا ما تبقى لهم من وقت، تحضيراً لجنازة البلد. والادلة كثيرة.

شُبًه للبنانيين أن لهم دولة. هذا حبر على ورق. الدولة حاولت أن تولد مراراً، على مدار مئة عام، فكانت النتيجة أن بلغنا المئة، ولم ننشئ إلا مزارع، عاثت فيها القيادات الطائفية المتناسلة، فساداً وتهديماً وارتهانا. اللبناني الفاسد، يجد في هذه المزرعة منافعه وحثالاته. وحده يستطيع أن ينتمي وان يعلن:

” انا فاسد، اذن انا لبناني”.

كل هذا بات معروفاً ومعلوكاً ومقرفاً، ويلزم أن نضع نقطة على السطر.

عون، آخر رئيس للجمهورية. ما دليلك أيها القلم؟ استعرض المشهد السياسي اليوم. لن تجد احداً من الطغمة قد غيَر او تغيَر. انهم سلالة اصيلة ومتأصلة في ركوب الازمات، كما يركبون الصفقات.

لبنان يعاني، ومعاناته شاملة. أي لا شيء “زابط” ابداً. وقد بلغت الازمات ابواب اللبنانيين. هل نذكرها؟ لن نفعل. اللبنانيون يعيشونها، ولا يجدون مفراً. فيما السلطة المتسلطة، بما تضم من فئات، ينطبق عليها “كلن يعني كلن”، هم ومن معهم من رعاع ينتمون إلى الحثالات البشرية. هؤلاء، مهتمون فقط، “بتأليف ” حكومة.

لبنان يغرق بالفقر، الرابع من آب دمر ثلث بيروت، الديون عار مرتكبوه هم، وهم وحدهم، وكلهم يعني كلهم، والازمات اطول من “ابجد هوز”… ومع ذلك، فإنهم يصرون على ما كانوا عليه من قبل: المحاصصة، كونها الباب المشرع للفساد.

ما أفدح اقوالهم، كلهم يعني كلهم، عندما يعلنون انهم سيحاربون الفساد.

إخس. الكذب ملح ضمائرهم، يجيدون الغصب والاغتصاب. وقد بلغ فيهم انعدام الاحساس والكرامة والضمير، أن اللبنانيين، دون الرعاع، يسمونهم بأسمائهم. يدلون عليهم بالأصبع، غير الوسطاني، يشاهدون برامج تكشف الفساد الاكبر والفساد الاعظم، ولا يرف لهم جفن. مطمئنون إلى أن يدهم فوق القضاء اللبناني، كالقدر. مجلس نواب يشبه حديقة (ضف الصفة المناسبة)، يمارسون فيها حروبهم ضد الدولة، وضد القوانين، وضد الناس، وضد الاحرار، وضد الفقراء، وضد الصادقين، وضد المؤمنين بالقدر، ويجدون المبررات القانونية لطمس الفساد والفاسدين والمفسدين.

في المجلس، تتم التبرئة والتعمية. لا أحد يجرؤ، على تبيان النهب الذي اوصل الدين إلى المليارات. ولهم من القوة، ما يجعلهم موظفين مطيعين لحاكم البنك المركزي، وقبيلته المالية والسياسية والمذهبية والاعلامية. لذا. فان حاكم لبنان، من زمان، هو حاكم مصرف لبنان وليس الجنرال عون.

يمكن متابعة احتفالات التعري السياسية بكامل فجورها. هؤلاء العراة، صادقون جداً مع زيهم. لا اخلاق تردع ولا قوانين تُحترم ولا مصالح تُصان.

هم الآن بصدد تركيب حكومة. لن يحصلوا على بدعة تأليف جديدة، برغم ماكرون وبرغم ما آلت اليه هموم الناس وشجونهم. احذروا التفاؤل: المحاصصة من اساسات النظام الطائفي. النهب من معتقدات الممارسات الطائفية. القبض على انفاس الموازنة مهنتهم. لذلك، هم لا يؤلفون حكومة للبنانيين. انهم يؤلفون حكومة لهم وتشبههم. ” توافقية”؟ طبعاً. كلن يعني كلن. ذوو اختصاص. طبعاً ايضا. يجب أن يعرفوا فن ضرب الكم. إلى آخره.

على أن اجتماعهم الآن متعذر. تماما كما تعذر منذ ما بعد الطائف. هناك رغبة لدى البعض بالاستقواء. الاستقواء بالسوري، مر زمنه. الاستقواء بالخليجي، مأزوم. الاستقواء بأميركا عبر استدراج العقوبات والترويج لها بشرط أن تطال الخصوم الفاسدين، وليس اهل البيت .. باختصار، لا سلطة واحدة موحدة في لبنان. ولا امكانية لتأليف حكومة، كما درجت العادة، حيث يحتاج التأليف إلى ما يقارب السنة، كما احتاج انتخاب عون إلى أكثر من سنتين، عاش فيها لبنان، وكأن شيئا لم يكن. وها نحن اليوم نعيش بلا حكومة، في ظل ” رئيس قوي جداً، لا قدرة له، على تحريك امر، الا إذا كان يخص “التيار القوي”.

قد تمر الشهور القادمة، بلا تأليف حكومة. ما يعني أن لبنان مرشح لبقاء هذه الحكومة المستقيلة إلى زمن الاستحقاق الرئاسي. وسوف تكون بديلاً عن رئيس الجمهورية. من يدري، فقد تؤجل الانتخابات النيابية، وهذا حصل سابقا، وقد يمتد الفراغ الرئاسي لسنوات، فالعوض بسلامتكن. لبنان خلص.

لذا، قد يكون عون آخر الرؤساء.

اذا،

قفا نبك من ذكرى حبيب وموطن،

أو،

قفا نبك على رسم درس،

واقفاً، ما ضرَ لو كان جلس.

خلاصة غبية.

هل نستحق هذه العقوبات؟

طبعا. هذا ما جنته الحشود الطائفية.

“خرجنا”.

ما حصل، لم يكن صدفة ابداً. الحكاية بدأت منذ مئة عام. لبنان الحلم يباس. لبنان الناس يأس. لبنان الطائفيين: إلى حتفنا.