تَلوَّثـوا بثيابِ الغـابِ وافترَسـوا             هَـلْ هُـمْ ذئابٌ تـوَلُّوا الحكمَ أمْ بشَـرُ

مَـنْ يحكُمُ الشعبَ لولا أنَّـهُ حَـجَرٌ           لكـانَ حـنَّ علـى آلامِـهِ الحجَـرُ.           ج. هـ.

 

الذين دمَّـروا لبنان ورمـوه على فراش الموت، يُصرّون على أنْ يحكموه، وأنْ تتكسَّر فيه النصالُ على النصالِ كمثل الذي يهوى التنكيلَ بالجُـثث.


 
 

أما لبنان الذي يكاد أنْ ينتهي، والشعب الذي يكاد أنْ يُستشهد كأنه منذورٌ للقبور، فهذا ليس من شأنهم بل من إختصاص الرئيس «ماكرون».

 

منْ غرائب الأمور، أنْ يكون الرئيس الفرنسي حريصاً على إنقاذ لبنان من الإنهيار وتأجُّـجِ النار، فيما زعماء لبنان الكبار يصبّون فوق النار زيتاً.

 

بعد هذه الجائحات الجامحات، وفي ظـلِّ حكامٍ أشـدُّ فتْـكاً من الوباء، إنْ لـمْ تكُـنْ حكومةُ إنقـاذٍ، فعلى الوطن والدولة والحكومة السلام... لا إصلاح ولا مساعدات ولا مستقبل... إفلاس فنادق وجامعات ومستشفيات ومصانع ومصارف ورجال أعمال... هجرةُ أدمغـةٍ ونُـخَبٍ وأصحاب إختصاصاتٍ ومِهَـن، وهذا يعني أنّ حكم «الأزعر» لن يسقط، وأنّ لبنان سيصبح وطناً «للزعران».

 

الذين نُشِرتْ أسماؤهم الملوّثـة على ألسنة كلِّ أمـم الأرض ولطَّخوا إسم لبنان، حتى لـمْ يكتسبْ لبنانُ شهرةً في التاريخ كمثل ما اشتهر بالفساد... هم الذين عزلوا لبنان عن التاريخ، وعن العالم العربي والعالم الخارجي وعزلوه عن نفسه، وحين التَقَـط الرئيس «ماكرون» رأسَ خيط معزول لإعادة وصـلِ ما انقطع قبّلوا اليـدَ ودعوا عليها بالكسر.

 

كأنّ هناك رهاناً على نهاية لبنان التاريخي والحضاري والرسالة الإنسانية النادرة، ليصبح وطنـاً على صورة ما نشهد من أوطانٍ تحلّل الإنسان للذبح من أجل أنْ يستمرَّ القائد على العرش.

 

هؤلاء الفقهاء، أيَّ حكومةٍ وأيَّ وزيرٍ يريدون، وبأيِّ معنىَ قاموسي وسياسي يفسِّرون مسؤولية الوزير...؟

 

كلمةُ الوزير، لفظةٌ فارسية معناها الكبير، أَيْ الذي تتوافر فيه صفات العلم والعدالة والنزاهة والأمانة.


 
 

الوزير تعرفه الطبقة السياسية عندنا بالمعنى الأمبراطوري: عندما أراد الأمبراطور الروماني «كاليغولا» الذي لُقِّـب بالمجنون، أنْ يجعل من حصانه قنصلاً ثمّ كاهناً، قيل له: إذا شئت أنْ توجِّـه إهانةً لأهل الأرض فليس من الضروري أن توجّـه إهانةً للسماء.

 

لقد عانينا على مـدى السنين الخوالي، من وزراء «كاليغولا»، والأحصنة المرهونة لركوب الفرسان، مع كلّ ما تسبّب ذلك من ويلاتٍ لأهل الأرض وإهانات لأهل السماء على السواء، وكم حَزِنّـا كما حـزِنَ الإمام علي بن أبي طالب: «أنْ يتولّى أمـرَ هذه الأمَّـة سفهاؤها وفجَّارُها...»

 

لعلّنا نستنتج: أن هذا الإستقتال على ركوب الحقائب الوزارية سبـبُه الهلَع من حكومة مستقلّةٍ مدعومة ترفع سيفَ الحساب على الرقاب، ونعرف أنّ افتضاح أمـرِ العيوبِ والجيوب ومالِ الشعب المسلوب، يشكّل نهاية مأْتميـة للطبقة السياسية وسُلالاتها، فكمْ إذا كان سلبُ الأموال مقروناً بسلب الأرواح.

 

ولكن، يبقى هناك سيفان مسلّطان لا تستطيع الحكومات أن تُدخل كلاَّ منهما إلى غمده:

 

- سيف العقوبات الدولية.

- وسيف محكمة الشعب.

 

محكمة الشعب التي لا تقبل الرشوة، نصَبتِ المشانق في الشوارع وعلى الجسور المؤدّية إلى القصور، والإعدام المعنوي أشدّ إيلاماً من الإعدام الجسدي.

 

هذا الشعب الذي كان ينتظر الفرج يوماً بعد يوم، فما كانت الأيام تخبِّـيءُ لَـهُ إلاّ المجازر، قد شكَّلت عنده الفواجع الدامية ضاغطاً عنيفاً على الأدمغة فحوَّلت التعقُّل إلى جنون، ولم يعد أمامه إلاّ الإنفجار.

 

نعم.. القصّة ليست في تأليف الحكومة، بل هي قصّـة مصير وطن وحياة شعب، فلا تتوقَّعوا من هذا الشعب المجنون أنْ يمثّل دورَ القتيل في المسرحية الهندية التي تفرض عليه الدفاع عن القاتل أمام إلـه النار.