عندما توفي الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي بشار الأسد عام 2000. اعتقد الكثير من السوريين أنهم تخلصوا من ديكتاتور تسبب في مقتل واختفاء الكثيرين. لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن خليفته مثله لا يعرف الرحمة.
وقد حكم حافظ الأسد بلاده بقبضة من حديد لما يقرب من ثلاثة عقود. وبعد وفاته في العاشر من يونيو (حزيران) من عام 2000، تولى في الشهر التالي نجله بشار، الذي كان يبلغ من العمر حينها 34 عاماً، الحكم. وكان الأسد الابن قد درس في بريطانيا وكان طبيب عيون متدرب.
وشعر المواطنون، وخاصة الشباب، بالتفاؤل في البداية. فقد ظنوا أن الأمور سوف تتحسن بالنسبة لهم في ظل الرئيس الشاب الذي عاش في دولة ليبرالية وتزوج من سيدة نشأت في بريطانيا. وقال سام داغر، الأميركي اللبناني، مؤلف كتاب «الأسد أو نحرق البلد»، إنه تم تقديم الأسد لشعبه في صورة «المنقذ»، مضيفاً: «لقد أراد السوريون تصديق ذلك. فقد أرادوا التشبث بأي أمل».
ويضيف داغر، لوكالة الأنباء الألمانية، أن النظام السوري تحت قيادة حافظ الأسد كان يسيطر على كل شيء من خلال جهاز أمني يثير الرعب. وإضافة إلى ذلك، جاءت الصدمة العميقة بعد أحداث منتصف السبعينيات وأوائل الثمانينيات، عندما قُتل عشرات الآلاف أو اختفوا ضمن حملة شنتها الحكومة ضد المعارضة، شملت مذبحة في وسط مدينة حماة. ويتابع «لقد تعين على السوريين بعد ذلك التعايش بصمت مع هذه الصدمة... ثم تم تقديم بشار لهم على أنه المنقذ، كما أنه لم يكن يشبه أبداً شخصيات النظام الأخرى. لذلك كان من الطبيعي أن يتفاءلوا».
ولفت داغر إلى أنه سرعان ما انتهى «ربيع دمشق» وأدرك السوريون أنه «لا شيء سيتغير وأن فكرة بشار المصلح كانت كذبة». ويشير «ربيع دمشق» إلى فترة زمنية شهدت فيها سوريا انفتاحاً بعد موت حافظ الأسد، عندما تشجعت شخصيات المعارضة وبدأت في تنظيم مؤتمرات سياسية. وطالب المعارضون بحريات سياسية واقتصادية. وبالفعل تم إجراء بعض الإصلاحات، التي سرعان ما تم إلغاؤها.
 
ويؤكد المحامي والناشط الحقوقي السوري أنور البني أن «الجميع كانوا متفائلين عندما مات الديكتاتور (حافظ)».
ويضيف البني، الذي يعيش حالياً في برلين، أنه بعد تولي بشار السلطة خلفاً لوالده، بدأ المفكرون والناشطون السوريون في مناقشة الإصلاحات بشكل علني، وهو أمر لم يكن مسموحاً به تحت حكم والده.
إلا أن هذا لم يدم طويلاً، فقد استخدم بشار، مثله مثل والده، الأجهزة الأمنية سيئة السمعة لقمع المعارضة وأمر بسجن عدد من رموزها، وكان من بينهم البني. وأكدت المعارضة أنه حتى «سياسة الاقتصاد المفتوح» التي اتبعها بشار لم تكن تصب إلا في صالح المقربين منه ومن أفراد أسرته. وقال مازن درويش، المحامي السوري والناشط في مجال حقوق الإنسان،: «لقد تصرف كما لو كانت سوريا هدية من والده وجزءاً من ممتلكاته الشخصية». ويؤكد داغر: «نعم، لقد قام بفتح الاقتصاد، إلا أن الأولوية كانت لجعل أفراد عائلة الأسد وأصدقائهم، بمن فيهم رجال الأعمال السنة في حلب (في شمال سوريا) ودمشق، أكثر ثراء». واعتبر أن هذا الأسلوب «كان وسيلة لشراء ولاءات السنة في المناطق الحضرية، كونهم لم يكونوا يتمتعون بسلطة حقيقية فيما يتعلق بإدارة البلاد». وتنتمي عائلة الأسد إلى الطائفة العلوية، وهي فرقة من الشيعة. أما غالبية سكان سوريا فهم من المسلمين السنة. ويشرح داغر أن سياسات بشار الاقتصادية تسببت في اتساع الفجوة بين المجتمعات الريفية والحضرية، وكذلك بين الفقراء والأغنياء. ويضيف أن كثيرين من أفراد الشعب شعروا بالتهميش، وخرج الفساد عن السيطرة.
وبدأت احتجاجات في سوريا عام 2011 مطالبة بالإصلاح، كما كان عليه الحال في دول إقليمية أخرى مثل تونس ومصر، في إطار ثورات «الربيع العربي» التي حدثت في ذلك العام. ورأى داغر أنه فيما يتعلق بسوريا، فإن الأسباب الحقيقية تمثلت في الطريقة التي تحكم بها عائلة الأسد البلاد.
وسرعان ما تطورت الانتفاضة في سوريا إلى حرب أهلية دامية. ويرى المحللون أنه رغم أن بشار نجا بعد نحو عشر سنوات من الحرب، فإن تكلفة نجاته كانت كبيرة للغاية. وخلال سنوات الحرب قُتل عشرات الآلاف من المواطنين وتشرد الملايين، وتدمرت البلاد وبنيتها التحتية واقتصادها إلى حد كبير. كما أصبحت البلاد ساحة للتدخلات الخارجية وحروب الوكالة. ويؤكد داغر أن «ثمن نجاة (الأسد) كان مدمراً».
ويرى داغر أن «النظام (الحالي) في سوريا ككل، في حقيقة الأمر، هو الأضعف على الإطلاق منذ انقلاب حزب البعث عام 1963 وانقلاب حافظ نفسه عام 1970». وأضاف داغر: «بشار مدعوم من روسيا وإيران... وإذا ما انسحب أي منهما، سوف ينهار بشار ونظامه».