أعتبرت ​جمعية المصارف​ في ​لبنان​، ان "الواجب يحتم على المصارف مصارحة المودعين بالأسباب الأساسية لأزمة السيولة وطمأنتهم على مستقبل ودائعهم، والتأكيد على التمسّك بقطاعٍ خاص حرّ مكفول في الدستور اللبناني كشرطٍ أوّل لنهضة لبنان مجدّداً".، مبدية اعتذارها على "تقطير حقوق المودعين في استيفاء ودائعهم منذ خمسة أشهر وهم في أمسّ الحاجة، ويؤسفها شعور الكثير المبرّر بأنّه يستجدي حقًّا له من مصرفه، تسبّب به عجز الدولة عن دفع ديونها، اضافة الى انها تعتذر لأنها أقرضت الدولة لدعم تطبيق إصلاحات بنيوية في القطاع العام وتعزيز قدرات ​القطاع الخاص​ ولرفع مستوى معيشة المواطن عبر فرص العمل والنمو، ولأنها اعتقدت ان الحكومات المتعاقبة، التي تعهدت مراراً وتكراراً بالإصلاح، سوف تتحمل مسؤولياتها تجاه المواطن يوماً ما.

 

ولفتت الجمعية الى ان "​السلطة​ السياسية تدعي أن أرباح المصارف ساهمت في إهدار ​المال​ العام، والحقيقة أن المصارف قد استثمرت على مدى ثلاثة عقود من الزمن أكثر من 75% من أرباحها لتقوية رساميلها في هذا القطاع الذي كان العمود الفقري لتنمية قطاعات التجارة و​الصناعة​ و​السياحة​ والسكن كل هذه الفترة، كما حرّضت السلطة على إظهار المصارف بغير صورتها وواقعها الإيجابيين متهمة إياها بالمراباة والفوائد المرتفعة، مع أن القاصي والداني يعرف أن الفوائد المصرفيّة تنخفض على المودع والمستدين أيام الرخاء السياسيكما ترتفعكلما فُقد الاستقرار السياسي الداخلي وكثرت التجاذبات وزاد ضجيج مبارزات الصراخ الفارغة"، مشيرة الى ان "الحقيقة هي أن السلطة السياسية ومن خلال الحكومات المتعاقبة هي من أساءت استعمال أموال المصارف ومن ضمنها الودائع، وبدّدت هذه الأموال، وتحاول اليوم، بعد أن قررت التهرّب من مسؤولياتها من خلال عجز الدولة عن السداد وتجريم من أقرضها لهدر حقوق المودعين، ولو لم تتحمل المصارف بمفردها مسؤولية الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي على مدى ثلاثة عقود، لما تمكّن الوطن من الاستمرار حتّى اليوم، ولقد استطاع القطاع كسب ثقة المودعين اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، والعرب والأجانب من حول ​العالم​ بالرغم من تراجع حجم ​الاقتصاد اللبناني​ وفي ظل منافسة شديدة عربية وأجنبية على استقطاب رؤوس الاموال.والأهم أنه استطاع بقدراته الذاتية، وبالرغم من التردّي المستمر للأوضاع السياسية في لبنان، استقطاب الاستثمارات الوطنيّة والأجنبية وتأمين السيولة للقطاع الخاص وللدولة ولمستلزمات المواطن على مدى عقود".

ولفتت الجمعية الى ان "الأولويّة هي لمعالجة أزمة السيولة الحادة التي يشهدها لبنان وبصورة فوريّة من خلال إجراءات لاستعادة الثقة، ما سيحتّم المحاسبة عاجلاً أم آجلاً، ومحاسبة الأصل لا الفرع فقط، استناداً على أسس قانونيّة سليمة، فالارتكابات، ضخمة كانت أم عابرة، تقع على عاتق كل من أمر أو سمح بها وعلى كل من نفذّها أو يسّرها، وما هو غريب أن أصحاب القرار يحاولون وضع أيديهم على ممتلكات الناس بدل أن يباشروا حواراً مع المودعين والمصارف المؤتمنة على هذه الودائع، للتوصل إلى حل يحافظ على حقوق المودعين، مثل تقديم مؤسسات عامّة مربحة كضمانات للمودع والمصرف، وليس من المنطقي ولا من المصلحة الوطنيّة استغلال أزمة السيولة الحادة التي يمرّ بها لبنان، بسبب سوء الإدارة السياسية، لتغيير هوية لبنان الاقتصادية ولوضع يد الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة على القطاع المصرفي، أي على أموال المودعين، إذ لا اقتصاد حرّ بلا قطاع خاص حرّ، وحجر أساسه القطاع المصرفي".

وشددت الجمعية على ان "العبث بالقطاع المصرفي سيوجّه ضربةً قاضية للاقتصاد اللبناني ككل ولمستقبل العاملين فيه وسيؤدي إلى تحويله من العمود الفقري للاقتصاد إلى نقطة ضعف مزمنة للبنان المقيم والمنتشر، وان محاولة الدولة تحت أي عنوان، وخصوصًا بذريعة أزمة السيولة التي تسبّبت بها، وضع اليد على القطاع المصرفي أو غيره بأي شكل من الأشكال، ستؤدّي إلى تدمير هذا القطاع على غرار نتائج تجربة الدولة في كافة القطاعات التي تديرها، وان فشل الدولة في إدارة هذه القطاعات وسواها، كما ترهّل وتضخّم وعدم إنتاجية وسوء إدارة وكلفة القطاع العام، يجب أن تكون جميعها حافزاً لتضافر جهود جميع مكوّنات القطاع الخاص والمجتمع المدني لمواجهة مشروع تغيير هوية الاقتصاد اللبناني وتحويله من اقتصاد حرّ إلى اقتصاد موجّهينطوي على تأميم مقنّع، فالقطاع المصرفي ليس ملكًا للمساهمين فحسب، بل هو أوّلاً ملك مودعيه الذين وثقوا به، وملك موظفيه البالغ عددهم ثمانية وعشرون ألفًا، ما يؤمّن عيشًا كريمًا لعشرات الآلاف من الأسر اللبنانية في مختلف المناطق، جلّهم من الطبقة الوسطى اللبنانية، عماد الاقتصاد الوطني وكلاقتصاد، وهو أخيراً ملك للاقتصاد الوطني ككل، وهو كان الرّافعة للازدهار اللبناني على مدى أكثر من نصف قرن، وسوف تعمل المصارف مع المودعين والمجتمع المدني على أن يبقى كذلك".

وأكدت المصارف "إصرارها على حماية كافة الودائع المصرفية، وهذا حق كرّسه الدستور لكل مودعٍ، أمّا تحرير هذه الودائع من كل قيد أو شرط فمرتبط بأساس المشكلة، وهو ضمان السلطة السياسية لديون الدولة بموازاة تنفيذ وعودها في بدء عملية الإصلاح وإعادة هيكلة جذرية للقطاع العام، بدايةً بتطبيق القوانين المرعيّة وتفعيل السلطة القضائية، لخلق بيئة مؤاتية تشجّع القطاع الخاص على اتخاذ المبادرات والاستثمار مجدّداً، شرط أن تكون هذه الإصلاحات على أسسٍ حضارية وشفافة لا يرتهن مستقبلها لعشوائيات ال​سياسة​ وبدائيتها، وعلى السلطة السياسية البدء بإصلاح نفسها أولاًقبل غيرها، ما يخوّلها التطبيق العملي لا الشعاراتيللإصلاحات الاقتصادية من أجل استعادة بعض من ثقة المودعين والمستثمرين.فإيداعات الناس، رغم تقطيرها المؤقت، يبقى وجودها حيث أودعتها أضمن لها منأن تقع في أيدي قطاعٍ عام أقلّ ما يقال فيه إنّه شديد البدائيةوفساده متجذّر لا قعر له. أوليست الأزمةأكبر دليل؟

وأعتبرت الجمعية ان "الحل لأزمة السيولة الحادّة، كما سببها، هو أولاً سياسي قبل أن يكون اقتصادياً أو مصرفياً، فمن غير المنطقي إذاً أن تتهرب السلطة، المشكلة، من المسؤولية بتشريعٍ غير دستوري قد يريحها لأيامٍ قليلة ولكنه سيغيّر وجه النظام الاقتصادي الحرّ ويقضي نهائياً على إمكانية ازدهار لبنانوعلى مستقبل الأجيال، ولا بد أن يضع الجميع خلافاتهم جانباً ويعملوا بإخلاص من أجل الوصول إلى أنجع الحلول وأسرعها تطبيقاً، ونحن أول المبادرين لمدّ اليد ومشاركة ​الحكومة​ الحاليّة في اجتراح الحلول التي تحفظ الدستور وهيبة لبنان ومصالح أبنائه وثقة المستثمرين في كل مكان وصولاً إلى غد أفضل للجميع، وهذه ليست المرّة الأولى التي يقف فيها ​اللبنانيون​، ونحن منهم، في عين العاصفة، وإن كانت هذه أعتاها وأوقحها، وسنكون، كما المواطنين، في الصفوف الأولى للمواجهة ولدعم كل محتاج، فنحن اللبنانيين، لم نصل إلى هنا لأننا تقاعسنا عن العمل، بل لأننا تقاعسنا جميعاً عن المحاسبة. هذا، متى تعلّمنا الدرس، هو بحدّ ذاته مصدر الأملبمستقبل لا يشبه ما نحن فيه اليوم، ولن نكون إلا سنداً وساعداً للمواطنين في محنتهم، وسنكون كذلك، إن أرادوا، في نهضتهم عندما يحين الوقت. وهو آت لا محالة".

ودعت الجمعية حكومة الإنقاذ الى "فتح حوار مع جمعيّتنا وجميع الفعاليات الاقتصاديّة لإيجاد الحل المناسب الذي يحافظ على أموال المودعين التي نحن مؤتمنون عليها، وليبقى لبنان منارة للإبداع المالي والاقتصادي والحضاري، فكما قال السلف: من شارك الناس في عقولهم شاركهم في حظوظهم".