​عندنا... في بلد العجائب، بالرغم مـمَّا تحمله «الكورونا» من كمَّـاماتٍ لتغطية الفساد، فلا تزال الأيام ووسائل الإعلام تكشف لنا فوادحَ الفضائح، وأدهى أساليب الإحتيال للسطوِ على المال.

وفي الوطن الضحيّة ، لم يتورّع المسبِّـبون بالمآتـم من أنْ يحصروا بأنفسهم حصرَ الإرث إحتياطاً لإعلان الوفاة.

 

​ربَّ قائل: نحن في حالةِ حربٍ، وعلينا أن نتـخطَّى ما هو دونها خطراً...


 
​ونقول: إنّ كلمة حرب هي التي تشكّل لنا عقدةً نفسية، ولا تُخيـفنا الحربُ بقدرِ ما تُرعبنا أدواتُ الحرب وأشباحُ الحرب، والمحاربون... ونخاف أن تفـرزَ لنا هذه الحربُ ما أنعمَتْ علينا بـهِ أخواتها السابقات.

 

​المحاربون عندنا، كانوا قبل الحرب فقراء جـدّاً، فأصبحوا في الحرب أغنياء جـدّاً، وأصبحوا هم حكّاماً والحكمُ كان مزاريب ذهب، في الحرب أغنياء، وفي الحكم أغنياء، وهذا الغنى حتى الفُحش هو الذي جعل الشعبَ فقيراً حتى البؤْس، والدولة فقيرةً حتى الإفلاس.

 

​العالم الذي أصابتهُ «الكورونا» يتهَّـيأ بعد الخلاص منها لحماية الشعوب من آثارها، ونحن وحدنا من بيـن أهل الأرض، كان عندنا «كورونا» قبل الكورونا، فكيف إذا تراكمت مصائب ما بعدها مع ويلات ما قبلها: و«كلما داويتَ جرحاً سال جـرحُ»

ولكن، بقدر ما أصابتنا الكورونا بالويل العظيم حقّـقت لهم الخـيرَ العميم: حجبَـتْ وجوهَهُمْ وحجبتْ أموالَهمْ الطائلة، حجزتْنا في بيوتنا وحجزتْ مدَّخراتنا المتواضعة، وحجزت الثوارَ عن الساحات، هكذا: مصائبُ قـومٍ عندَ قـومٍ فوائدُ.

 

​هل يدركُ هؤلاء، مـدى جنون الشعب الذي يعيش بلا خبـز ولا مال ولا رزقٍ ولا ارتزاقٍ ولا مستقبل ولا أمـل، كيف تكون ردّة فعله المحمومة حيال الذين تسبّـبوا بهذه الفواجع...؟


 
 

​وهل يعلمون أنّ «الكورونا» لا يمكن أنْ تطْمسَ الروح الثائـرةَ في الشعب الملهوف، ولا أنْ تهدّده بالموت...؟

 

​إنّ الذي تحتضر في حياته الحياةُ، ولا يتورّع عن تمزيق أمعائه بالسكاكين على الطريقة اليابانية، فإنْ استحالت معه ثـورةُ الساحات، فقد تقوم منه «عصاباتٌ شرعية» وعصابات، تحكم شيكاغو بواسطة آلـ«كوبوني»، وتقـتحم خـزائنَ المالِ المطمور في القصور، ولـنْ تسلم الأعناق من قطْـعِ الأرزاق.

 

​في الثورة الفرنسية عندما أعلن جان جاك روسّـو: «أنّ الحرية ليست سوى شبحٍ سخيف عندما تجـوِّعُ طبقـةٌ من الناس طبقةً أخرى... وقال أيها الجبليون أصدروا الأوامر، والشعب ينفّـذها بالمعاول...» بعدها، زحـف الشعب الفرنسي على القصر الملكي هائجاً، وبدل أنْ يتجاوب لويس السادس عشر مع مطالب الشعب، غطّـى رأسه بالقبّعة الحمراء وشرب نخْـبَ الأمّـة...

 

​إذْ ذاك، شربت الأمـةُ أيضاً نخبـه وبـدل أنْ تنـزل سـدّةُ العرشِ السكرى سليمةً على السلالم، هبطت ساقطةً فـوق الجماجم، ولكن... انتصرت الثورة وعاشت فرنسا.