نشرت مجلة الأمن العام التفاصيل الكاملة التي تُنشر للمرة الأولى عن إحباط الأمن العام اللبناني تفجير مبنى السفارة الاميركية في لبنان، وهذا ما جاء في المقال:
 
مرة جديدة نجحت المديرية العامة للامن العام في تجنيب لبنان والمقيمين في ربوعه والمصالح المرتبطة بهم، خطرا محتوما نتيجة عملها الاستعلامي وجهدها الامني الدؤوب والوسائل والتقنيات المتوافرة لديها. علما ان العقول الظلامية وايادي الاجرام لن تتوقف عن الاستمرار في ارهابها، من اجل تعميمه في كل الدول والساحات والميادين.
 
تعزز الانجازات التراكمية والنوعية حقيقة ان الاجهزة الامنية اللبنانية، وفي مقدمها الامن العام، في حربها المفتوحة على الارهاب وخلاياه النائمة، انما تشكل خط الدفاع الاول عن الدول الشقيقة والصديقة، وتمنع تمدد الارهابيين بمخططاتهم الدموية والتدميرية من الوصول الى هذه الدول وعواصمها واستهداف الامن والاستقرار فيها.
في بيان صدر عن المديرية العامة للامن العام في 15 كانون الثاني 2020 عند الساعة الاولى ظهرا، لم يتم الانتباه الى خطورة ما تضمنه نتيجة انشغال وسائل الاعلام بالتطورات الداخلية اللبنانية، تضمن الاتي:
"اوقفت المديرية العامة المدعو (ا. س) من الجنسية السورية لانتمائه الى تنظيم داعش الارهابي. في التحقيق معه اعترف بما يلي:
- بايع تنظيم داعش من خلال مشغله الارهابي عبدالله التونسي، وتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع عناصر التنظيم، وقام بتحريض اشخاص على مبايعة التنظيم وخطّط لاعداد خلايا امنية والسعي الى تأمين الاسلحة الحربية لها.
- قام بالتخطيط للقيام باعمال امنية لصالح التنظيم ضد مراكز احد الاحزاب اللبنانية الفاعلة وقتل عناصره، اضافة الى القيام بعمل تفجيري يستهدف احدى السفارات الغربية بواسطة طائرة مسيّرة.
بمداهمة منزله، تم ضبط مواد اولية لصناعة المتفجرات كان قد احضرها لتنفيذ مخططاته. بعد انتهاء التحقيق معه احيل مع المضبوطات الى القضاء المختص، والعمل جار لتوقيف باقي الاشخاص المتورطين".
من يدقق في مضمون البيان، يكتشف حجم التهديد الذي كان يشكله هذا الارهابي الموقوف. فهو عمل على ثلاثة مسارات:
- تشكيل خلايا ارهابية تعمل لصالح تنظيم داعش الارهابي.
- العمل على خلق فتنة داخلية لبنانية من خلال استهداف مراكز وكوادر احد الاحزاب الفاعلة.
- تهديد علاقات لبنان الخارجية بشكل مباشر من خلال استهداف احدى السفارات الغربية التابعة لدولة كبرى، في ظرف وتوقيت خطيرين نتيجة التطورات على صعيد الاقليم، مع ما تعنيه هذه العملية لو نفذت من توجيه الاتهام الى طرف لبناني، ما يرتب تداعيات خطيرة على لبنان تطاوله في استقراره الامني والسياسي والاقتصادي والمالي.
ماذا في المعطيات والمعلومات المتوافرة والمسموح بنشرها التي حصلت عليها "الامن العام" من مصدر مسؤول مأذون له؟
في المعلومات المحققة، استنادا الى ابرز الاعترافات، ان الارهابي الموقوف هو السوري ابراهيم السالم من مواليد بلدة عربيد في ريف حلب (1999). انتقل مع اهله الى لبنان بطريقة شرعية في العام 2013 واقاموا في محلة الاوزاعي عند المدخل الجنوبي للعاصمة بيروت، وما زالوا حتى تاريخه.
عمل السالم في شركة لاستيراد وبيع الادوات الكهربائية. وكان لا يزال يعمل فيها حتى توقيفه، براتب شهري مقداره مليون ليرة لبنانية من دون المبالغ الاضافية. هذا الراتب لا يتوافر لعدد كبير من الشباب اللبنانيين الذين لا يجد معظمهم فرصة عمل حتى براتب اقل من ذلك بكثير. الجدير ذكره، انه في خلال عمله لم يلفت اليه الانظار الى ميوله وتوجهاته.
في العام 2015، عاد الى سوريا بمفرده ومن دون اهله، بهدف زيارة عائلية لاقاربه. قصد بلدته عربيد التي كان يسيطر عليها في حينه تنظيم داعش الارهابي، والتقى رفاق الطفولة وجميعهم بايعوا داعش وحملوا السلاح وارتدوا اللباس العسكري للتنظيم الارهابي، وابلغوه انهم ينتمون الى "اشبال الخلافة" لصغر سنهم. ثم حاولوا اقناعه بالانضمام الى صفوفهم والخضوع لدورة عسكرية، وتحدثوا معه عن المغريات التي تتوافر لهم. لكن بحسب زعمه رفض ذلك، وعاد الى لبنان بعدما امضى في بلدته نحو شهر.
بعد عودته، استمر التواصل بينه في لبنان وبين ابناء بلدته في سوريا، واقنعوه بأن يحمّل على هاتفه الخليوي تطبيق (Telegram)، ففعل ذلك. بدأوا عبر هذا التطبيق الهاتفي تزويده كل اصدارات داعش من فيديوهات ورسائل صوتية وتوجيهات مكتوبة، وركزوا معه على الاسباب التي ادت الى نشوء داعش وتحديدا ظلم الجيش الاميركي في العراق. عبر هذا التطبيق تعرف الى مناصرين منتمين الى داعش. كان التركيز في المواد المنشورة على هذا التطبيق على فيديوهات عن كيفية تصنيع المواد المتفجرة واعداد المتفجرات والعبوات الناسفة من مواد عادية موجودة في الاسواق والمحال التجارية والصيدليات، وان شراء هذه المواد لا يثير الشبهة على الاطلاق.
تدرّج الارهابي السالم في تورطه، من خلال تعرفه عبر التطبيق الهاتفي على قياديين في التنظيم، منهم القيادي الارهابي عبدالله التونسي الموجود في تونس. وبحسب اعترافات الموقوف، جرى بينهما الحديث التالي:
- التونسي: اين تقيم؟
- السالم: في محلة الاوزاعي قرب بيروت.
- التونسي: لماذا لا تذهب الى طرابلس او صيدا حيث اهل السنة؟
- السالم: لا استطيع لانني اقيم مع اهلي.
- التونسي: هل ثمة مكاتب ومقار وعناصر تابعة لحزب الله قرب مكان اقامتك؟
- السالم: اكيد، واعرف احدهم قتل شقيقه في سوريا.
- التونسي: هل تستطيع قتله؟
- السالم: بالتأكيد.
- التونسي: اقتله.
بحسب زعم الارهابي السالم، لم يستطع الحصول على السلاح الذي يمكنه من قتل الكادر المشار اليه في حزب الله.
بعد هذا التحريض العلني على القتل، غيّر الارهابي عبدالله التونسي الاسلوب مع الارهابي الموقوف ابراهيم السالم، وطلب منه الاتي:
- التونسي: هل في امكانك ان تحدد لي موقع السفارة الاميركية في العاصمة التونسية عبر تطبيق (Googel maps) لانني لا استطيع ذلك، كون هذه الخدمة غير متوافرة في تونس؟
- السالم: بالطبع، ساحدد لك مكانها وارسل اليك الصور والخرائط. (عمد السالم الى تحديد موقعها وارسل اليه صورا عنها وعن خريطة موقعها).
- التونسي: هل السفارة الاميركية في لبنان قريبة من مكان اقامتك؟
- السالم: كلا، ليست قريبة.
- التونسي: استخدم التطبيق وابحث عن موقعها.
- السالم: سأفعل. (عمد الى اجراء بحث عبر التطبيق وحدد موقعها في المنطقة الشرقية من بيروت ثم صورها وارسل اليه الصور ومساحة موقعها).
- التونسي: هل تستطيع استهدافها؟
- السالم: الهدف هو السفارة الاميركية وانا جاهز.
- التونسي: قم بشراء "درون" (طائرة مسيّرة من دون طيار) وزودها المتفجرات ونفذ العملية.
بدأ السالم البحث عن شراء طائرة "درون"، لكنه ما لبث ان اكتشف ان اسعارها مرتفعة. الا انه استحصل عبر البحث على (Google) على كيفية تجميع طائرة مماثلة وتزويدها متفجرة تقتل اكبر عدد ممكن. استحصل على مواد اولية لتصنيع المتفجرات، وذهب الى احدى الصيدليات القريبة من مكان اقامته مع اهله في محلة الاوزاعي، واشترى المواد وبدأ تصنيعها قبل ايام من توقيفه.
اما خطته لتنفيذ العملية الارهابية ضد السفارة الاميركية في بيروت، فكانت تقضي بأن يذهب الى نقطة لا تثير الشبهات قرب السفارة في محلة عوكر، وان يقوم بعملية استطلاع محكمة، ثم يتحين مناسبة يكون فيها اكتظاظ داخل السفارة، فيعمد الى اطلاق الطائرة ويقوم بتفجيرها. لدى مداهمة المنزل المقيم فيه ضبطت كل المواد المصنّعة والتي هي قيد التصنيع، والخرائط والمستندات التي تعلّم عبرها كيفية تصنيع المتفجرات وبدء تركيب الطائرة.
تبين من خلال المضبوطات والتدقيق في محتوياتها ان تواصله لم يقتصر على تونس، بل شمل ايضا ارهابيين في الجزائر ومصر وسوريا. وقد حاول اعداد خلايا ارهابية وطلب الاستحصال على السلاح من مصادر عدة. وعمد احد اصدقائه من الارهابيين في بلدته عربيد في ريف حلب الى ربطه بارهابي يدعى (ابويوسف الاوروبي) ووعده بأن هذا الشخص قادر على ارسال المال اليه في لبنان. الا ان الارهابي السالم زعم انه لم يتمكن من التواصل معه لانه لا يجيد اللغة الانكليزية. وتبين ان الاتفاق بينه وبين صديقه السوري هو ان يصل المال اليه في لبنان، ثم يتم توزيعه بناء على توجيهاتهم من سوريا.
ولأن ملف الاعترافات وما تم الكشف عنه من المضبوطات خطير جدا، وبعد ان انجزت المديرية العامة للامن العام كل التحقيقات اللازمة واعدت الملف الكامل، تمت احالة الارهابي الموقوف ابراهيم السالم مع الملف الى النيابة العامة العسكرية بشخص مفوض الحكومة القاضي بيتر جرمانوس.
هذا الانجاز الجديد للمديرية العامة للامن العام، يدق ناقوس خطر لحماية الاجيال الصاعدة من خطر التنظيمات الارهابية التي تستخدم التقنيات الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي على انواعها، في عملية اجرامية خطيرة تتمثل في غسل ادمغة الاطفال وتسيطر على الوعي لديهم وصولا الى جعلهم ارهابيين خطيرين، بدليل ان الارهابي الموقوف ابراهيم السالم عندما تم تجنيده كان في سن الـ14.
تكفي الاشارة الى انها ليست المرة الاولى التي يكشف فيها عن كيفية تجنيد اطفال ومراهقين في صفوف داعش. اذ سبق واوقفت المديرية العامة للامن العام شخصا في العمر نفسه كان يحضّر عبوات لاستهداف الجيش اللبناني، وقتل اكبر عدد ممكن من ضباطه وعسكرييه.