في زمن الانهيار المُتسارع، وعدم بروز أيّ قوى سياسية جديدة فاعلة ومؤثرة، يُعوَّل على أحزاب ما زالت تحظى بثقة شريحة واسعة من اللبنانيين، انطلاقاً من ممارستها للحُكم، مثل حزب «القوات اللبنانية»، الذي لم يظهر الى الآن تورُّط أيّ من وزرائه في ملفات هدر أو فساد. إلّا أنّ المواجهة «القواتية» لمالكي مفاتيح الحكم والإدارة السياسية لا زالت «ناعمة». فهل تتحرّك لإسقاط الحكومة الحالية «غير الحيادية»؟ وهل يدعو رئيس «القوات» سمير جعجع اللبنانيين الى ثورة شاملة وعصيان مدني لإسقاط الحكم بعدما دعاهم الى «مقاومة اقتصادية»؟
 

تجلس «القوات» حالياً في مقعد المعارضة، فيما المقاعد السياسية كلّها، الموالي منها أو المعارض، مُوزّعة على طريق الإنهيار. فهل تكفي استقالة وزراء «القوات» من الحكومة السابقة وعدم مشاركتها في الحكومة الحالية أو أيّ حكومة سياسية كفعلٍ رَفضي لطريقة إدارة البلد التي أوصَلته الى الانهيار؟ وهل يكفي عدم منح «القوات» الثقة لحكومة «اللون الواحد» كممارسة اعتراضية؟ وهل ينفع تَحرّك نواب «الجمهورية القوية» الآن لفضح الفساد والهدر في بعض الوزارات؟ ألا يترتّب على حزب يحمل وكالة تمثيلية من شريحة واسعة من اللبنانيين، وتحديداً منهم المسيحيين، مسؤولية وطنية أكبر، تدفعه الى تحرّك فاعل يتلاءم مع خطورة المرحلة؟ وألا يجب على «القوات» تَصدُّر حركة اعتراضية جدّية ومتواصلة على المستويين الشعبي والسياسي لتحقيق تغيير نوعي في سبيل إنقاذ البلد؟

 

يبدو أنّ لـ«الانتفاضة القواتية» حدوداً، فعلى رغم أنّ «القوات» لن تمنح حكومة الرئيس حسّان دياب الثقة إلّا أنّها «لن تهاجم الحكومة على غير هُدى»، حسب ما أعلن جعجع، بل ستنتظر لتلاحظ ماذا ستقوم به هذه الحكومة، وسيكون تعاطيها معها خطوة بخطوة، وعندما تقوم بعمل جيّد ستؤيّده وعندما تخطئ ستنتقدها.

 

وفي حين أنّ «القوات» مقتنعة بأنّ الطريقة التي تشكّلت فيها الحكومة، فضلاً عن انطلاقتها وتركيبتها المُحاصصاتية وتبعية وزرائها لمرجعيات سياسية، مؤشرات لا تبشّر بأنّ هذه الحكومة قادرة على إخراج لبنان من أزمته، إلّا أنّ «القوات» لن تتعاطى مع «حكومة الإستثناء» على أنّها فاشلة من لحظة تكوينها، بل ستتعامل معها «بالمفرّق» و«عالقطعة» وليس «بالجملة»، فقد تنجح الحكومة من خلال بعض وزرائها بتحقيق إنجازات لمصلحة البلد. وبالتالي، ستصوّب «القوات» على أداء الحكومة حين ترى ذلك ضرورياً، وإذا أحسنت العمل ستصفّق لها، وهذا التعاطي تفرضه الأزمة المالية المتفاقمة في البلد بعيداً من أيّ حسابات سياسية ضيقة أو ممارسات كيدية واستغلالية.

 

موقف جعجع يُدرَج، حسب البعض، في خانة مُهادنة الحكومة، انطلاقاً من إشارات خارجية أو قراءة لمواقف الدول المؤثرة، التي تراوح بين اللامبالاة والانتظار، أو لأسباب داخلية «سلطوية» للحفاظ على خيط رفيع مع هذه الحكومة ومن تُمثّل، استباقاً لأيّ عزل مستقبلي لـ«القوات». إلّا أنّ مصادر «القوات» تؤكّد أنّ موقفها لا ينطلق من قاعدة مُهادنة الحكومة أو التهجّم عليها، بل إنّه مرتبط بنظرة واقعية الى الوضع الراهن، إذ إنّ أيّ مقاربة تنطلق من أنّ «الأولوية في هذه المرحلة للأزمة الإقتصادية - المالية التي تعلو ولا يُعلى عليها».

 

هذا التوجّه «القواتي» غير مرتبط بأيّ موقف خارجي، بل نابع من قراءة «القوات»، حسبما تؤكّد المصادر، مشيرة إلى أنّ المواقف الخارجية متعاونة شكلاً مع هذه الحكومة لا مضموناً. أمّا نظرية العزلة الداخلية فليست واقعية بالنسبة الى «القوات»، إذ إنّها غير مُستفردة وكأنّ كلّ الطبقة السياسية في مكان و«القوات» في مكان آخر، فـ«الحزب التقدمي الإشتراكي» وتيار «المستقبل» غير مُشاركين في الحكومة أيضاً، أمّا على المستوى الشعبي، فإنّ المنتفضين جميعاً هم ضد الحكومة.

 

إذاً، لن تعتمد «القوات» المعارضة الشاملة، أمّا دعوة اللبنانيين الى العصيان فغير مطروحة لديها حالياً، فهي لن تستبق إرادة الناس، وسينحصر عملها التغييري ضمن المسارات والمؤسسات الدستورية.

 

هذا يدلّ، حسب البعض، إلى أنّ «الإنتفاضة القواتية» الجدية لم تحصل بعد، فيما يرى آخرون أنّ هذه الإنتفاضة كانت موجّهة فقط لإسقاط الحكومة السابقة و«تَحجيم» موقع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ودوره. ويرى البعض أنّه كان على «القوات» التحرك قبل سنوات وبطريقة أكثر فاعلية. أمّا الرؤية «القواتية» فمختلفة، فـ«القوات» تعتبر نفسها أنها لم تشكّل جزءاً من حالة القرار في البلد وليست من مكوّنات السلطة المُمسكة بتفاصيل اللعبة، على رغم من أنها شاركت في الحكومات السابقة.

 

وتذكّر المصادر القواتية بأنّ «القوات» كانت تحذّر وتنبّه ممّا وصلنا اليه، في وقتٍ كانت الأطراف المُمسكة بالحُكم (الثنائي الشيعي، العهد و«التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل») تتهكّم على معارضة «القوات» و«تَستلشِق» بالوضع الإقتصادي والمالي.

 

وتعتبر المصادر أنّ «القوات» أدّت واجبها، إلّا أنّ الأكثرية الحاكمة رفضت التجاوب مع دعواتها. وتقول: «ماذا تستطيع «القوات» أن تفعل أكثر من ذلك؟ لقد حذّرت ونبّهت ودعت وطالبت وصَعّدت وعارضت».

 

واستكمالاً لـ«مسار المقاومة» دعا جعجع أخيراً الى «مقاومة اقتصادية». وتأتي هذه الدعوة، حسب ما توضِح مصادر «القوات»، في «مرحلة خطيرة تشهد هجرات كثيفة، فعلى المواطن اللبناني الذي قاوم خلال الحرب وفي مرحلة الوصاية السورية، وناضَل في سبيل قيام دولة حقيقية وفعلية ولبنان الحرية والإستقلال، أن يقاوم الآن اقتصادياً بغية البقاء والصمود، ودفاعاً عن الدولة ومؤسساتها. إلّا أنّ الدعوة الى مقاومة اقتصادية لا تعني أنّ «القوات» توافق على تحميل الناس مزيداً من الإجراءات القاسية، خصوصاً في ظلّ الإدارة السياسية القائمة نفسها».

 

وماذا عن الخطوات الآتية؟ تجيب مصادر «القوات»: «سنواصل العمل، هناك مؤسسات ومسارات دستورية ولا يُمكننا التعاطي بطريقة انقلابية».

 

أمّا التغيير المنشود بالنسبة الى «القوات» فقد يتحقّق من خلال انتخابات نيابية مبكرة، في حال لم تتمكن الحكومة الحالية من مواجهة الأزمة. وستتعاطى «القوات» مع كلّ مرحلة وحقبة بحسب أولوياتها، وبالتكافل والتضامن مع الناس والتكامل مع خطواتهم.