كتاب جديد للدكتور عماد شيا، يستعرض من خلاله ابراز تاريخ كمال جنبلاط بطريقة اكاديمية وعلاقته بالصحافة بطريقة علمية جديدة الذي ظهر تحت " كمال جنبلاط والصحافة "تاريخ متفاعل مع الاحداث"،  من الحجم الكبير،230 صفحة، صادر عن الدار العربية للعلوم والنشر للعام 2019.

 


يحاول د. عماد شيا في هذا الكتاب من خلال مقدمة واربع فصول وخاتمة ، مقسماً فصول الكتاب على مفاهيم تاريخية عمل على اساسها الكاتب لاستعراض تجربة سياسية وفكرية للراحل الكبير كمال جنبلاط .
لقد تميز كتاب المؤلف بانه استعراض تاريخي بحث من خلاله مفاصل مهمة من حياة الشهيد كمال جنبلاط الذي بنى فكره وتاريخه السياسي، وفقا لتجربة خاصة ابتدئها الرجل من خلال بيته ودور والدته الست نظيرة ، حيث عمل على بناء تجربة خاصة انطلق بها من خلال دراسته  للحقوق في فرنسا حيث حصل على شهادته الجامعية في القانون مما ساعده بالتعرف على القوانين وعلى الافكار الغربية حيث كانت تلك الافكار قد تركت في داخله نفحة ثورية وطنية لعب الفكر الاشتراكي دورا مميزا في توجيه افكاره نحو قضايا فكرية وسياسة كبيرة استطاع حملها الى بلده من بعد عودته.

 


ينطلق المؤلف في كتابه من تحول فكري كبير لدى القائد المعلم في تبنى قضايا الفقراء حيث كانت عناوين معاركه القادمة في تجربته السياسية والقيادية والبرلمانية والحزبية طوال صراعه منذ دخوله للندوة البرلمانية التي كانت  محطات صراع في داخل البرلمان اللبناني ابتدأت مراحلها منذ تزوير الانتخابات  من قبل مساعدي الرئيس يومها، مما دفعه للوقوف بوجه الرئيس بشارة الخوري حيث انتهج نهجاً  معارضاً ، وهنا بتنا امام رجل برلماني يدخل الندوة البرلمانية  ببرنامج سياسي كامل يطرحه في الندوة البرلمانية.

 

 

لقد وقف بوجه الاجنبي (الانكليزي والفرنسي والامريكي،) وبدأ بالخطى السريعة نحو الاتحاد السوفياتي حيث عارض اعتقال الشيوعين واغلاق صوت الشعب وحل جمعية الصداقة اللبنانية السوفياتية.
لكن نجم المعلم كمال جنبلاط بدأ يسطع منذ حرب 1958 حيث وقف علنا بوجه اعادة التمديد للرئيس كميل شمعون، حيث اطلق على كمال جنبلاط تسمية الصحافي المعارض،  من خلال كتابة سلسلة مقالات تحت عنوان الدعوة الى ثورة اخلاقية" والتي تقوم على عدم الاستسلام لسياسة الرئيس شمعون.

 


ففي مقالاته التي كانت تنشر باللغتين الفرنسية والعربية الدعاية لأنشاء حزب  يحمل مفهوم الديمقراطية  العالمية  وديمقراطية لبنان، حيث هاجم فيها كل المعادين للديمقراطية والسياسة المعادية للشعب.
لقد تم تأسيس الحزب الاشتراكي في العام 1949 والتي كانت ابرز شعارته اصلاح النظام السياسي المتعثر.

 


وقد علقت الصحافة على انشاء هذا الحزب بان البرجوازية الصغيرة في لبنان اسست حزبا للفقراء، ويشدد عزت صافي رئيس تحرير الانباء التي اسسها كمال جنبلاط بان غسان تويني قال بان النهار لم تدلل سياسي كما دللت جنبلاط التي كانت تنشر على صفحاتها كل مقالات جنبلاط  لان افكاره كانت ثورة بحد ذاتها.

 


بالرغم من أن كل الصحف كانت تفتح صفحاتها وابوابها لمقالات جنبلاط لكنه اصر على تأسيس جريدة حزبية ملتزمة تكون منبراً سياسيا وفكرا يستطيع  من خلالها اطلاق افكاره المعارضة التي ستكون الصورة الاعلامية للمعارضة التي انبثقت بظهور حزب كمال جنبلاط وكتلته النيابية وتوجهاته السياسية التي كانت الصورة الصحيحة لتأسيس معارضة حقيقة.
ففي الفصل الثالث يحاول الكاتب التوقف امام المعارضة الحقيقية التي اطلقها كمال جنبلاط من خلال الوقف بوجه السلطة وتوجهاتها الغربية، حيث افتتحها بمعارضة الرئيس شمعون حيث اعلن موقفا مشرفا دعا فيه الرئيس شمعون إلى الرحيل مع الاجنبي والوقوف بوجه حلف بغداد والمستعمر الاجنبي ،ومن خلال منبر الانباء كان يتوجه بمقالته لمخاطر الثقافة الغربية واهدافها وتوجهاتها الاستعمارية نحو المنطقة.

 


فجنبلاط كان دوما من خلال توجهاته وحزبه ومعارضته الوطنية مع القضية الفلسطينية التي كانت لا تبتعد عن طرحه وكتاباته التي ربط نفسه بها منذ اليوم الاول لاغتصابها نتيجة ارتباطه بالقضية الفلسطينية حيث كانت القضية الفلسطينية القبلة الحقيقية لتوجهات جنبلاط منذ حرب 1967 والنكسة وصولا للبرنامج المرحلي الذي كانت فيه القضية الفلسطينية جزءا اساسيا من الحل للازمة اللبنانية التي اندلعت وكان جنبلاط صاحب مشروع تم بلورته بالبرنامج المرحلي للإصلاح اللبناني والداعم للقضية الفلسطينية وكانت له مقاله شهيرة على صفحات جريدة الانباء عندما قال اذا ضربنا الفلسطيني سيلعننا التاريخ بالعديد من الصفحات واذا وقفنا مع الفلسطيني سوف يكتب عنا التاريخ بسطر واحد، فالأفضل لنا ان يكتب عنا بسطر افضل من الاف السطور وربما هذا الموقف الذي ادى الى اغتيال كمال جنبلاط نتيجة التناقض مع حافظ الاسد بهذا الخصوص.

 


اما بخصوص التاريخ النيابي الذي عاشت الندوة البرلمانية اللبنانية بعهد المعلم يروي الكاتب بانه كان عهد معارضة بامتياز من خلال مواقف سياسية وبرامج واضحة قاد من خلالها المعارضة حيث كان يُعرف جنبلاط بالنائب المعارض دائما وبالتالي كانت المعارضة ترى بجنبلاط قائدا لها بظل وجوده في داخل او خارج الندوة.
لكن لابد من القول بانه كان لكمال جنبلاط اثناء وجوده في الوزارات  كان له البصمات الكبيرة التي تركها في وارة التربية لجهة بناء المدارس في كافة المناطق اللبنانية ، حيث وصلت المدارس الرسمية الى كافة المناطق اللبنانية النامية.

 


اما اثناء وجوده في وازرة الداخلية استطاع جنبلاط ان يسمح  للجميع بممارسة العمل الحزبي والنقابي بصورة قانونية من خلال اعطاء الرخص للجميع ، ولم يقتصر ذلك بل قاد جنبلاط المعارضة اللبنانية في العام 1972  في عز النضالات المطلبية للطلاب والعمال والفلاحين والمعلمين حتى توصل الى تأسيس الحركة الوطنية اللبنانية التي طرحت البرنامج الاصلاحي للبنان وخاضت حرب السنتين من اجل التغيير المطلبي . ويشهد جميع الخبراء والمحللين والباحثين في الشأن اللبناني بانه لا امكانية لخروج لبنان من ازمته الحالية دون اعتماد البرنامج الاصلاحي المطلبي. 

 


الفصل الرابع يحاول الكاتب في تقديمه لحياة كمال جنبلاط والوقف امام النقاط التاريخية لتطور فكره وحياته السياسية من خلال اعتماده على الصحافة الفكرية التي بلورت افكار الشهيد جنبلاط لان جنبلاط تميز بكونه كاتب مقالة فكرية يترجم مواقفه واعتراضه من خلال مقاله اليومي الذي يحاول طرح قضايا الناس الاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل يومي.

 


يعتبر كتاب الدكتور عماد شيا من الكتب المهمة الذي جمع ارشيف كبير للشهيد كمال جنبلاط استطاع تقسيمها بالفصول الاربعة التي عرضناها لتكون عملية اختصار لنقاط وعناوين تاريخية يتوقف امامها الكاتب بعرض تاريخ ومواقف كمال جنبلاط النضالية والسياسية طوال وجوده في الندوة البرلمانية والمعارضة السياسية اللبنانية

 

.
فالسؤال الذي يطرح نفسه بعد قراءة الكتاب هل يمكن ان تكون افكار كمال جنبلاط نقطة ارتكاز لعملية الاصلاح الحالية بطريقة جديدة كخطاب وطني جامع للجمهور اللبناني المعارض.
لذلك يمكن اعتماد الكتاب كمرجع سياسي وتاريخي يساعد الطلاب والباحثين والمطلعين في الجامعات ودور البحث على الاستفادة من تاريخ ومواقف كمال جنبلاط السياسية والاعلامية والفكرية والحزبية .