رئيس وزراء بالمواصفات التي يريدها حزب الله نكاية بالمحتجين هي وظيفة لا تشرف مَن يقوم بها. وهي على مستوى آخر أشبه بالانتحار السياسي في ظل الرفض الشعبي المعلن.
 

حسنا فعل الرئيس سعد الحريري حين رفض أن يكون مرشحا لرئاسة الحكومة اللبنانية القادمة.

للرجل أسبابه وهي تلتقي وتتقاطع مع الأسباب التي تدعو المتظاهرين إلى رفض عودته إلى المنصب الذي غادره قبل أكثر من شهر ونصف الشهر.

لم يكن سقوط حكومته مطلبا رئيسا للمتظاهرين غير أنه كان بالنسبة لهم ثغرة في جدار، يطمحون من خلال هدمه إلى رؤية لبنان جديد.

ما فعله الحريري حين استقال أعاد الثقة به شعبيا وهي ثقة يمكن أن يفقدها فيما لو قبل بالعودة إلى منصبه حتى لو تحققت شروطه من خلال تلك العودة.

فشلت حكومة الحريري المستقيلة وكان ذلك متوقعا. ذلك الفشل لا يُحسب على الحريري نفسه، غير أن استقالتها يمكن أن يُحسب له انتصارا.

في الحسابات الدقيقة فإن عودته إلى الحكم انطلاقا من ترشيحه من قبل الطائفة السنية يمكن أن تعتبر ضربة مسيئة إلى الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها لبنان منذ أشهر.

ليس لدى المحتجين اعتراض مبيت على شخصية الحريري ولا على رئاسته للحكومة، لكن اعتراضهم ينصب على كونه ممثلا لطائفة بعينها، بما يعني أن وجوده رئيسا لحكومة جديدة لا يمكن أن يُعتبر مخرجا من الأزمة التي يعتقد المحتجون أن واحدا من أعظم أسبابها يعود إلى طبيعة النظام الطائفي الاستحواذية والتمييزية بما يؤدي إلى انتشار الفساد والتستر عليه.

ولأن الحريري صار خبيرا بكل المخاطر التي تنطوي عليها اللعبة الطائفية فإنه قرر أن يكتفي بأن يكون زعيما سياسيا.

يعرف سعد الحريري ما يدور من حوله جيدا. وهو يدرك أن إنقاذ النظام الطائفي من السقوط التدريجي لم يعد ممكنا. لذلك فإنه حين تقدم باستقالته لم يكن يفكر إلا في أن يقف خارج عملية الإنقاذ التي يتبناها حزب الله وأتباعه من التيارات السياسية الأخرى تحت مسمى “المقاومة”.

في حقيقة الأمر فإن خصوم النظام الطائفي من اللبنانيين هم المقاومون.

فالصراع إذا بين جبهة ترفع شعار المقاومة غير أنها في حقيقة ما تفعل إنما تسعى إلى تكريس وترسيخ النظام الطائفي وجبهة تقابلها لا تزعم أنها تمثل أحدا، غير أنها واقعيا تمثل روح الشعب اللبناني المقاومة التي لم يعد في إمكانها الاستمرار في الوقوف بين نيران الطائفيين وفسادهم كما لو أنها رهينة كل الدهور. لذلك قرر الحريري أن يترك المهمة لسواه.

تلك مهمة ليست سياسية مشرفة بقدر ما هي خدمية وضيعة.

فرئيس وزراء بالمواصفات التي يريدها حزب الله نكاية بالمحتجين هي وظيفة لا تشرف مَن يقوم بها. وهي على مستوى آخر أشبه بالانتحار السياسي في ظل الرفض الشعبي المعلن لكل محاولة تهدف إلى تدوير النظام الطائفي الذي صار المحتجون الشباب ينظرون إليه باعتباره جزءا من الماضي الذي خرجوا من بيوتهم من أجل دفنه.

ما لا يصدقه حزب الله وأعوانه أن مرحلة جديدة من تاريخ لبنان كانت قد بدأت في اليوم الأول من الاحتجاجات. لا لأنهم لا يرون ما يحدث بل لأنهم لا يريدون أن يروا. لذلك فقد انصبت لغتهم على التحذير من إمكانية انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، كما لو أن لبنان لا يقف بسبب هيمنة حزب الله غير الشرعية على السلطة على حافة تلك الحرب منذ سنوات.

ولقد بات واضحا أن مهمة أي رئيس وزراء قادم إنما ترتكز بشكل أساس على إقناع الشعب من خلال المتظاهرين بأن وجوده هو الضمانة الوحيدة لمنع قيام تلك الحرب. ذلك الدور لا يليق بالحريري الذي مر عبر سنوات عمله الرسمي بالعديد من الأزمات التي كادت أن تطيح بمستقبله السياسي.

حسنا فعل سعد الحريري حين اختار ألا يكون مطية حزب الله التي يرجمها اللبنانيون.