ما تفكر فيه الطبقة السياسية اليوم لن يكون ممكنا غدا. ذلك لأن الأزمة بالرغم من كل ما أحاط بها من التباسات إقليمية ودولية كانت ولا تزال عراقية ولم تتعرض لأي محاولة للتدويل.
 

لا تزال هناك صفحات لم تُفتح من الوصفة الإيرانية لحل الأزمة العراقية. غير أن تلك الصفحات لا تخرج بعيدا عن نطاق استعمال العنف بطرق مختلفة ضد المتظاهرين من أجل إنهاء التظاهرات.

يصرّ المتظاهرون على سلمية احتجاجاتهم في مواجهة غزوات مسلحة قامت بها ميليشيات موالية لإيران. ذلك الأسلوب نجح، حتى هذه اللحظة، في إفشال الحلقات الأولى من الوصفة الإيرانية.

يراهن البعض على أن الاستمرار في ذلك الأسلوب سيؤدي بالضرورة إلى أن تتوقف الأحزاب عن الدفع بالميليشيات إلى قمع المتظاهرين بالطريقة التقليدية التي صارت محطّ استهجان عالمي.

شيء من هذا القبيل قد يحدث. غير أن الأحزاب لا تملك السيطرة كاملة على الميليشيات. هناك ميليشيات مستقلة عن أي ارتباط سوى ارتباطها بالحرس الثوري من خلال زعيم فيلق القدس قاسم سليماني.

عصائب أهل الحق هي واحدة من تلك الميليشيات. لذلك فإن زعيمها قيس الخزعلي لم يستند على مرجعية حزبية محلية حين أطلق تهديداته ضد المتظاهرين. كانت إيران هي مرجعيته الوحيدة.

وإذا ما كان زعماء عدد من الأحزاب والميليشيات التابعة لها قد لاذوا بالصمت أو اكتفوا بتعليقات باردة حول حق العراقيين في التظاهر، فإنهم قد وجدوا في الخزعلي وسواه من ذوي السوابق الذين احترقت أوراقهم واجهة يختبئون وراءها من أجل تنفيذ رغباتهم الحقيقية.

وكما اتضح من محاولات حل الأزمة من قبل الطبقة السياسية، سواء في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية، أن أحدا لا يملك أفكارا تقع خارج دائرة النظام القائم على أساس طائفي.

فعلى سبيل المثال لم يتم تداول اسم لشخصية غير شيعية ليكون مرشحا لمنصب رئيس الوزراء.

كما أن تلك الطبقة لا تزال تنظر باستعلاء إلى المتظاهرين الذين تعتبرهم مجرد مراهقين صبيان حالمين لا يفهمون شيئا من المعادلات التي أقيم العراق الجديد على أساسها.

وليس صعبا على أي شخص متابع للشأن العراقي أن يدرك أن العلاقة العضوية بإيران هي واحدة من تلك المعادلات التي يجب الحفاظ عليها وتطويرها على حساب مصالح الشعب العراقي.

غير أن ذلك كله لا ينفي شعور الكثير من المستفيدين من بقاء النظام الطائفي بالخطر من جراء استمرار التظاهرات وإصرار الشباب على رفض الحلول الشفاهية التي تتقدم بها السلطة من غير أن تكون جادة في تطبيقها.

فليس مستبعدا أن تنقلب المعادلات فيكون الحالمون هم سادة الموقف إذا ما عجزت الميليشيات عن تنفيذ ما تبقى من الوصفة الإيرانية خشية أن تستفز المجتمع الدولي، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من شخصيات النظام.

سيكون من الصعب على إيران أن تفرض حلها إذا ما تمكن الخوف من الطبقة السياسية من مواجهة محتملة مع المجتمع الدولي الذي يمكن أن يخرج عن صمته في أية لحظة، ليقف مع حق الشعب العراقي في اختيار النظام السياسي الذي يناسبه.

في تلك الحالة لا تملك إيران القدرة على مواجهة العالم. ذلك لأن العراق ليس محافظة إيرانية، كما أن الشعب العراقي من خلال شبابه قد خرج إلى الشارع رافضا الهيمنة الإيرانية.

ما تفكر فيه الطبقة السياسية اليوم لن يكون ممكنا غدا. ذلك لأن الأزمة بالرغم من كل ما أحاط بها من التباسات إقليمية ودولية كانت ولا تزال عراقية ولم تتعرض لأي محاولة للتدويل.

ذلك ما دفع الشباب الذين فتحوا أعينهم على تلك الأزمة إلى أن يلتقطوا الخيوط التي يتمكنون، من خلال الإمساك بها، من التوصل إلى حل يكون عراقيا بامتياز، بغض النظر عن موقف الطبقة السياسية التي لا تملك فكرة عن حل ينقذها من الفراغ الذي وقعت فيه.

كان الحل بالنسبة إلى تلك الطبقة إيرانيا، في حين يملك الشباب حلا لأزمتهم العراقية.