عقد النائب السابق بطرس حرب مؤتمرا صحافيا، في مكتبه في الحازمية، تناول فيه اقتراح القانون الذي قدمه النائبان حسن فضل الله وهاني قبيسي حيال رفع الحصانة عن الوزراء، استهله بالقول: "دعوت إلى هذا المؤتمر لطرح موضوع دستوري وقانوني خطير لئلا يلتبس على أهل الثورة بعض الطروحات والمشاريع التي ترفع شعارات الإصلاح في وقت لا تلاقي مطالب الشعب الثائر.

يهدف هذا المؤتمر إلى إلقاء الضوء على مسؤولية الرؤساء والوزراء والنواب الجزائية، عند ارتكابهم أفعالا منطبقة على أحكام المواد 351 إلى 378 من قانون العقوبات، والتي تنص على جرائم الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة والتعدي على الحرية وإساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة، وطريقة إخضاعهم لأحكام القانون، بحيث لا يتفلت أي منهم من العقاب، كما حصل مرات عدة في الماضي، وهو ما شجع الفاسدين على ارتكاب هذه الجرائم، مستفيدين ومستغلين الخلاف القانوني حول تفسير بعض النصوص.

ويرمي هذا المؤتمر إلى عرض مراحل محاولات سد الثغرات القانونية، التي باءت بالفشل، ما حوّل معظم الإدارات والمؤسسات العامة، التابعة للوزراء المتعاقبين على السلطة، إلى بقرة حلوب يتوزع الفاسدون من الوزراء ما تدر من خيرات، موقعين الخسائر الفادحة بالخزينة العامة، حارمين المواطنين عائدات الدولة ومشاريعها وحاجاتهم الأساسية".

وأضاف: "لقد حذرنا سابقا، وبصورة شبه مستمرة، من استمرار الحال على ما هي عليه، وتقدمنا باقتراحات قوانين عديدة لمعالجة الثغرات وردع الفاسدين ومعاقبتهم. إلا أن سكوت المواطنين عن هذه الممارسات وتجديد البيعة للفاسدين، كرس إنحراف الدولة عن مسارها، كدولة قانون ومؤسسات، تمارس فيها آلية المساءلة والمحاسبة، وحوّلها إلى مزرعة تقاسمها النافذون، غير آبهين بانهيار النظام السياسي وسلطاته ومؤسساته، وبدفع البلاد إلى الإفلاس، والشعب إلى المجاعة، ما أدى إلى إنفجار الوضع بشكل غير مسبوق، وإلى تدفق ملايين اللبنانيين، من كل الطوائف والمذاهب والمشارب، إلى الشوارع، مطالبين بإسقاط النظام ومحاسبة المسؤولين واسترداد الأموال المنهوبة، فاستقال رئيس الحكومة، وسقطت الحكومة، فدخلت البلاد مرحلة تاريخية، وقف فيها الشعب موحدا بعدما جمعه الجوع والقلق على المصير، بالإضافة إلى الكفر بالطبقة السياسية بكاملها، ومن دون تمييز.

وانصرف المسؤولون يفتشون عن آلية لإرضاء الشعب الثائر، ويتسابقون على تبني المطالب الشعبية، ولا سيما المتعلقة بمحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.
وتقدم البعض بمبادرات جيدة وبريئة، ومنها اقتراح القانون المعجل الذي وقعه النائبان حسن فضل الله وهاني قبيسي لرفع الحصانة عن الوزراء الحاليين والسابقين، منذ عام 1992 حتى اليوم، ومنح القضاء العدلي استثنائيا صلاحية ملاحقتهم في دعاوى هدر المال العام والفساد المالي، على أن يسري هذا القانون على النواب في حال توليهم الوزارة.
فمع تقديري واحترامي وتأييدي لغاية مقدمي الاقتراح لجهة ملاحقة الوزراء الفاسدين الذين تولوا السلطة منذ عام 1992، رأيت من واجبي أن أبدي الملاحظات القانونية الآتية:

- تفاديا لتوفير حصانات للوزراء، وهي حصانات غير موجودة أصلا في الدستور، ولعدم تكريس مبدأ عدم صلاحية القضاء العادي في ملاحقة الوزراء المرتكبين الجرائم الجزائية، من خلال القول إن الصلاحية التي يمنحها إياها الاقتراح ممنوحة للقضاء استثنائيا، في وقت لا جدل في أن صلاحية القضاء الجزائي العادي شاملة لكل الجرائم ولكل مرتكبيها على الأراضي اللبنانية، أيا كان موقعهم أو مركزهم في السلطة، باستثناء رئيس الجمهورية، الذي منحته المادة 60 من الدستور حصانة استثنائية، بحيث حصرت حق إتهامه بخرق الدستور أو الخيانة العظمى، وحتى في الجرائم العادية، بمجلس النواب، بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي مجموع أعضائه، على أن يحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أود أن ألفت إلى أن المادة 70 من الدستور قد نصت على أن:

"لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء "بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة "عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من "مجموع أعضاء المجلس ..."

نصت المادة 71 على ما حرفيته: "يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم أمام المجلس الأعلى".
ما يؤكد بشكل واضح أن لمجلس النواب أن يتهم الوزراء ورئيسهم، وهو حق إختياري وليس إلزاميا، كما له الحق في الاتهام، فله الحق في أن لا يتهم، وفي كلا الحالين، لا شيء يمنع القضاء الجزائي العادي من ملاحقة الوزراء ورئيسهم، في حال ارتكابهم أفعالاً جرمية ينص عليها قانون العقوبات، وهو ما يختلف مع دور القضاء الذي لا خيار له إلا استقصاء الجرائم، وملاحقة المرتكبين والإدعاء والتحقيق والحكم، وهو يعتبر مسؤولاً إذا لم يتحرك.

إلا أن اختلاف وجهات النظر بين المحاكم العادية حول صلاحيتها للنظر في هذه الجرائم أو عدمها، بحيث قررت محكمة إدانة وزير (الوزير السابق علي عبدالله) وقررت محكمة أخرى عدم صلاحيتها لمحاكمة وزير آخر (الوزير السابق شاهيه برصوميان) وطلب محاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء، الذي لم يتهمه، ما حال دون إحقاق الحق، لا يجوز أن يؤدي إلى تعديل ضمني للدستور الذي لم يمنع السلطة القضائية من ملاحقة الوزراء واتهامهم وإدانتهم عند ارتكابهم جرائم جزائية.

فالمبدأ العام هو المساواة بين اللبنانيين، كل اللبنانيين، أمام القانون من دون فرق بينهم، والاستثناء الوحيد، لهذا المبدأ العام، هو ما نصت عليه المادة 60 من الدستور، التي حصرت صلاحية إتهام رئيس الجمهورية في كل الجرائم التي ارتكبها، ولعلتي خرق الدستور والخيانة العامة، بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

أما بالنسبة الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، فلم يرد أي استثناء يحصر محاسبتهم بالمجلس الأعلى عند ارتكابهم جرائم جزائية، بل أعطت المادة 70 من الدستور مجلس النواب حقا غير ملزم باتهام الوزراء لارتكابهم الخيانة العظمى أو إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم. إذ ورد فيها " أن لمجلس النواب أن يتهم " وليس على مجلس النواب أن يتهم، ولم تنص على حصر صلاحية محاكمتهم في المجلس الأعلى، بعكس رئيس الجمهورية.

أما لجهة ما ورد في المادة 71 من الدستور التي تنص على "أن يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم أمام المجلس الأعلى"، فهي نصت على أن رئيس الوزراء والوزير المتهم يحاكم أمام المجلس الأعلى، أي الذي يتهمه مجلس النواب، وفقا لنص المادة 70 التي تسبقها، وهي لا تشمل الوزير الذي يتهمه القضاء العادي الجزائي، وهو يجب أن يحاكم أمام هذا القضاء.

ومن هنا ملاحظتي على اقتراح القانون الذي تضمن عبارة "ترفع الحصانة عن الوزراء الحاليين والسابقين... " وكأن لهم حصانة يرفعها اقتراح القانون، وهم لا يتمتعون بأي حصانة لترفع عنهم.

- أما الملاحظة الثانية، فهي ورود عبارة في الاقتراح عن أنه يمنح القضاء المختص استثنائيا صلاحية ملاحقة الوزراء المرتكبين، ما يشكل إقرارا ضمنيا بعدم صلاحية القضاء العادي لملاحقة الوزراء المرتكبين، وهو ما يناقض مبدأ شمولية صلاحية القضاء لملاحقة أي جرم جزائي يرتكبه رئيس مجلس الوزراء والوزراء.

3- أما تبرير ذلك بأن للنواب، الذين تولوا الوزارة، حصانة لا تسمح بملاحقتهم وفقا لنص المادة 39 و40 من الدستور، فهو غير مقنع، ويفسح في المجال أمام التباسات نحن في غنى عنها، لأن المادة 39 من الدستور تمنع إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء مجلس النواب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته، وهي حصانة لا تطاول الأفعال الجرمية للنائب، بل تنحصر في عدم جواز ملاحقته جزائيا بسبب آرائه وأفكاره فقط.


أما المادة 40 من الدستور، فهي تنص على حصانة للنائب لجهة إتخاذ إجراءات جزائية بحقه أو القبض عليه أثناء دورات إنعقاد مجلس النواب إذا اقترف جرما جزائيا، إلا بإذن من المجلس، شرط ارتكاب الجرم الجزائي، أي بين يوم الثلاثاء الذي يلي 15 آذار حتى نهاية شهر أيار، وبين الثلاثاء الذي يلي 15 شهر تشرين الأول حتى آخر كانون الأول، هذا إذا لم يكن الجرم الذي ارتكبه جرما مشهودا، وهذه الحصانة تنعدم خارج هذه الدورات، هذا مع العلم أن رفع هذه الحصانة يستدعي تعديلا للدستور من جهة، وهو غير ضروري من جهة أخرى، إذ يجوز ملاحقة النائب (الوزير) عند ارتكابه جرما جزائيا عند انتهاء عقد مجلس النواب، أي عندما تسقط الحصانة المنحصرة في فترات دورات مجلس النواب.

- إنني، إذ أعلن تأييدي لاقتراح النائبين فضل الله وقبيسي، ولأهدافه الرامية إلى محاسبة الوزراء الحاليين والسابقين والنواب الذي تولوا الوزارة، إلا أنني أتحفظ عن صياغته القانونية خوفا من إنعكاساته السلبية مستقبلا على إمكان محاسبة ومحاكمة الوزراء الذين يقترفون جرما جزائيا، وأدعوهما إلى التلطف بأخذ ملاحظاتي الدستورية والقانونية البحتة بالاعتبار، تفادياً لذلك.

وإسهاما مني في تحسين فرص إقرار المبادئ التي يستند إليها الاقتراح، والأهداف التي يرمي إلى تحقيقها، أقترح عليهما العودة إلى اقتراح القانون، الذي كنت تقدمت به شخصيا في 8/1/2009، والمسجل في قلم مجلس النواب تحت رقم 78، والمتعلق بتعديل بعض أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وخصوصا المادة 18 منه، والتي تنص على ما حرفيته: "لا يمكن إتهام رئيس الجمهورية لعلتي خرق الدستور "والخيانة العظمى، أو بسبب الجرائم العادية، إلا من قبل "مجلس النواب وفق المادة 60 من الدستور. ولمجلس "النواب، وفق أحكام المادة 70 من الدستور، أن يتهم "رؤساء الحكومة والوزراء لارتكابهم الخيانة العظمى، أو "لإخلالهم بالموجبات المترتبة عليهم والمتصلة مباشرة "بمهماتهم والتي تدخل ضمن صلاحياتهم القانونية والتي "تستمد مفهومها من الطبيعة السياسية لعمل رئيس مجلس "الوزراء والوزراء.

"تبقى خاضعة لصلاحية القضاء الجزائي من دون مجلس "النواب الأفعال الجرمية المنطبقة على أحكام المواد 351 إلى 378 من قانون العقوبات والتي يرتكبها رئيس "الوزراء والوزراء في معرض ممارستهم لمهماتهم، أو تلك "المرتكبة في حياتهم الخاصة".
وهو اقتراح مبني على موقف محكمة التمييز الجزائية اللبنانية بغرفها المجتمعة، والذي ميز بين الموجبات المترتبة على رئيس مجلس الوزراء والوزراء المتصلة مباشرة بمهماتهم، وبين الأفعال الجرمية التي يرتكبها رئيس مجلس الوزراء والوزراء في معرض ممارستهم لمهماتهم.

بل أكثر من ذلك، وتسهيلا لإقرار هذا الاقتراح أضع بين يدي النائبين الكريمين صيغة جديدة لاقتراح بمادة وحيدة، يمكن إعطاؤه صيغة اقتراح قانون معجل، تنص على ما يلي:
مادة وحيدة: "مع مراعاة أحكام المواد 40 و70 و71 من الدستور،
"تخضع لصلاحية القضاء الجزائي العادي الأفعال الجرمية "المنطبقة على أحكام المواد 351 إلى 378 من قانون "العقوبات، والتي يرتكبها رؤساء الحكومات والوزراء الحاليون "والسابقون في معرض ممارستهم لمهماتهم أو تلك المرتكبة في "حياتهم الخاصة. "يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية".

وختم: "بعد الممارسات الشاذة التي سادت في مراحل متعددة، والتي نشرت الفساد وتسببت في هدر الأموال العامة، وبعد إندلاع الثورة ضد الفساد، لم يعد من الجائز تقديم إنصاف الحلول، إذ لا يكفي رفع الحصانات لإحقاق الحق ومعاقبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، بل يقتضي من أجل ذلك، وقبل ذلك، رفع يد السلطة السياسية عن القضاء، بعدما سخرت معظمه لخدمة مصالحها السياسية والمادية، وزرعت محاسيبها وأزلامها من القضاة ليكونوا في خدمتها، بإجراء تشكيلات قضائية فورية لإبعاد بعض القضاة الفاسدين أو المستلزمين عن مراكز القرار ومحاسبتهم، واستبدالهم بقضاة أحرار مستقلين نظيفي الكف، يتمتعون بالجرأة والشجاعة لردع أي تدخل سياسي في عملهم لإحقاق الحق، والعودة إلى دولة الحق والعدالة، والحمد الله أن جسم القضاة يزخر بهؤلاء، ثم إقرار إقتراح قانون استقلالية السلطة القضائية، الذي تقدمت به مع بعض الزملاء الكرام منذ عام 1997، ولا يزال حتى اليوم دون إقرار. وإذا لم نسارع إلى ذلك فعبثا نحاول الإصلاح".