الكاتبة: عزّة الحاج حسن
 
فضحت ثورة 17 تشرين الأول، أو "الحراك" أو "تظاهرات" تشرين الأول، لا يهم اختلاف التسميات والتوصيفات، الأهم أن تلك الانتفاضة فضحت جَور وتواطؤ قانون العمل مع أرباب العمل ضد العمال المستضعفين، وفضحت استغلال بعض المؤسسات للظرف الاستثنائي لتقضم مزيداً من حقوق عمالها المتآكلة أصلاً، وقبل كل ذلك فضحت الانتفاضة الشعبية منذ أيامها الأولى هشاشة الاقتصاد اللبناني، وما يدور في فلكه من قطاعات إنتاجية ومؤسسات تجارية لم تقوَ على المواجهة بعد ان أنهكتها السياسات الاقتصادية الريعية على مدى أعوام.
لا يخفى على أحد أن الأزمة الاقتصادية سبقت انطلاقة الثورة بأشهر، هيأت لها الطريق وأمّنت التغطية الشرعية "غير القانونية" للمؤسسات لاتخاذ إجراءات تقشفية تراعي المرحلة. فقد شهدنا قبل انطلاق الثورة عمليات صرف تعسفي عديدة وإقفال مؤسسات وفروع أخرى. ومع انطلاق الثورة استحدثت غالبية المؤسسات أساليب جديدة لخفض نفقاتها، يأتي على رأسها عمليات صرف موظفين على خلفية مشاركتهم في التظاهرات، أو حسم نسب مئوية من رواتبهم وحرمانهم في كثير من الأحيان من إجازاتهم السنوية، لتعويض الأيام التي تخلّفوا فيها عن العمل.
 
إجراءات مختلفة
تختلف أوضاع المؤسسات باختلاف مستوى أعمالها وقدرتها على الصمود، لكنها تلتقي في غالبيتها حول إجراءات غير قانونية لمعالجة أزمة الركود الاقتصادي، التي بدأت مع أزمة شح الدولار مطلع أيلول الفائت، وتفاقمت مع انطلاق الثورة في تشرين الأول. وفيما لجأت العديد من المؤسسات، التي لم تتأثر بشكل مباشر بالأزمة، إلى حسم نسبة مئوية من رواتب موظفيها بشكل غير مبرّر.. عمدت مؤسسات أخرى، تعرّضت لتراجع كبير في أعمالها، إلى خفض عدد ساعات العمل بالتوازي مع خفض الرواتب، في سبيل تعويض بعض التكاليف والحد من الخسائر في ظل جمود النشاط الإقتصادي. وبين هذه وتلك هناك مؤسسات هدّدت عمالها بصرفهم من العمل في حال مشاركتهم في التظاهرات، وتعاملت مع الوضع إنطلاقاً من موقفها السياسي البحت من دون أي مراعاة لحق العامل في التعبير عن توجهاته وخياراته.
 
عيّنة من الشركات
 
هذه عيّنة من الشركات على مختلف إجراءاتها:
 
قناة LBC عمدت إلى حسم 50 في المئة من رواتب العاملين لديها، كذلك فعلت قناة OTV على الرغم من أن غالبية رواتب العاملين فيها تتراوح بين 900 دولار و1500 دولار. وتركت قناة OTV قرار استمرار الحسم معلّقاً. وكانت "المدن" قد نشرت في وقت سابق آلية الحسم في قناة الجديد التي تراوحت بين 5 في المئة و30 في المئة بحسب حجم الراتب.
 
هذا وعمد عدد من المصارف، بينهم أحد أكبر المصارف في لبنان، إلى خفض ساعات العمل إلى الثانية بعد الظهر، وإلغاء بدل ساعات العمل الإضافية (Over Time) وبعض البدلات والإمتيازات التي قاربت نصف الرواتب.
 
جامعة AUST عمدت إلى حسم 50 في المئة من رواتب العاملين لديها.
 
Achour Holding ألزمت الموظفين بأخذ إجازات غير مدفوعة.
 
شركة جهاد العرب للتجارة والمقاولات حسمت 50 في المئة من رواتب الموظفين.
 
فنادق، بينها Phoenicia، ألزمت الموظفين بأخذ إجازات غير مدفوعة، وحسمت أيام الأعطال من الإجازات السنوية.
 
Golden tulip حسم 50 في المئة من الرواتب.
 
Aïshti حسمت 50 في المئة من رواتب العاملين لديها.
 
Abed Tahan حسم 50 في المئة من رواتب الموظفين في مقابل اقتصار العمل على 3 أيام فقط.
 
Gallery Matta اقتصرت الإجراءات فيها على حسم أيام من الإجازات السنوية، بدل الأعطال التي لحقت بالموظفين بسبب قطع الطرقات في الفترة السابقة.
 
Zoughaib & Co Jewelry فرع Downtown حسم 50 في المئة من رواتب العاملين لديه.
 
EKT KATRANGI حسمت من وراتب الموظفين بدل الأيام التي لم يتمكنوا فيها من الوصول إلى عملهم، واستكملت الإجراءات بحسم 50 في المئة من الرواتب، مع خفض ساعات العمل على مدار الأسبوع.
 
L’abeille D’or حسمت 50 في المئة من رواتب جميع الموظفين، كما عمدت إلى صرف عدد من الموظفين على خلفية مشاركتهم في التظاهرات.
 
Cello Restaurant و Captain Seafood Restaurant وغيرهما العديد من المطاعم حسمت 50 في المئة من رواتب الموظفين.
 
Babel Restaurants حسم 50 في المئة من رواتب الموظفين.
 
مطعم Paul حسم 40 في المئة من رواتب الموظفين.
 
Gemmayze Urbanista حسمت 50 في المئة من رواتب الموظفين.
 
قانونية الإجراءات
على الرغم من عدم قانونية "حرمان الموظف من إجازاته السنوية"، غير أن هكذا إجراء من الممكن أن يعوّض المؤسسة عن انقطاع الموظفين عن أعمالهم خلال مشاركتهم في التظاهرات، أو في حال تعذّر وصولهم إلى مؤسساتهم بسبب قطع الطرق. ويبقى أقل ضرراً من صرفهم من أعمالهم او الحسم من رواتبهم. وحسب رئيس قسم التحرير والدراسات في المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أسعد سمور في حديث إلى "المدن"، فإن الموظف غالباً ما يدفع ثمن حقه في التعبير عن مطالبه وعن رأيه في ظل قانون عمل غير عادل تماماً بحق العمال، ولا يحميهم بشكل وافٍ. كما أن التشريعات القانونية قاصرة لجهة الحريات وحق الناس بالتظاهر.
 
أما بالنسبة إلى المؤسسات التي خفضت رواتب العاملين لديها، أو عمدت إلى صرف موظفين تأثراً بالأزمة الإقتصادية وتراجع مستوى الأعمال لديها، يؤكد سمّور بأنه لا يحق للمؤسسات حسم الرواتب بشكل عشوائي، ولا يمكن تفسير الاقتطاع من الرواتب سوى بنوع من أنواع الطمع وابتزاز الموظف. فالأجور قبل اقتطاعها لا تكفي معيشة شهر لتراجع القدرة الشرائية فكيف يمكن الاقتطاع منها؟
 
وقد لجأت بعض المؤسسات إلى خفض معدّل الرواتب بنسب مئوية معينة، بالتوازي مع خفض عدد ساعات العمل، الأمر الذي يضطر الموظفين إلى الخضوع والموافقة لعدم توفر بدائل، إلا أن ذلك لا يبرر عدم قانونية الإجراء.
 
ولأن القانون قاصر عن حماية الموظفين، ونظراً إلى أن المسار القانوني طويل جداً في مجالس العمل التحكيمية، عمدت مجموعة من المحامين إلى تشكيل لجنة للدفاع عن المتظاهرين ودعمهم، في حال تعرّضهم لأي ممارسات ظالمة من قبل رب العمل. ولفت سمّور إلى أن هناك بوادر لظهور أطر قانونية وعمالية تضامنية، لمعالجة المشاكل التي يواجهها العامل، مشدّداً على أن التضامن والتكافل بين العمال والجمعيات الحقوقية والإعلام في كثير من الحالات يؤمن حماية للعامل، أفضل من تلك التي يعجز القانون عن توفيرها في ظل الظروف الحالية.