إذا ما كان المنادون بالتطبيع مع إسرائيل في الوقت الذي لا يزال الشعب الفلسطيني محروما من حقوقه التاريخية مجرد عملاء، فإن الساعين إلى تمهيد الأرض أمام الزحف الإيراني هم أعداء من طراز لم تر البشرية أكثر خطورة منهم في تاريخها.
 

ابتلي العالم العربي بإيران مثلما هو أصلا مبتلى بإسرائيل.

فرضت إسرائيل نفسها عبر عقود من طريق الاغتصاب والاحتلال، فصارت تتفاوض بإنهاء الاحتلال مقابل الاعتراف بالاغتصاب. أما إيران فإنها مزجت الاغتصاب بالاحتلال، فما عاد بإمكان أحد أن يفصل بينهما وما عادت هناك إمكانية للتفاوض.

ليست إيران مستعدة للاكتفاء بما نالته إسرائيل من خلال التطبيع. وما كانت إسرائيل توصف به على مستوى الأطماع التوسعية صار بالإمكان تطبيقه على إيران لكن بآلاف الأضعاف.

إيران دولة توسعية لا تكتفي بالأرض بل تضم الشعب إلى تلك الأرض وتعتبره جزءا من ممتلكاتها. لا تفقد الآخرين جزءا من ممتلكاتهم بل تسعى إلى الاستيلاء على كل ما يملكونه. قرارها لا يتوقف عند الحدود التي يفقد الآخرون عندها حريتهم السياسية، بل يتجاوز ذلك إلى عقولهم وهي التي تتاجر بالعقيدة الطائفية والمخدرات بالقوة نفسها.

حين تظاهر الشباب في العراق محتجين على تدهور الأوضاع العامة في بلادهم وانهيار منظومة الحكم لم تعتبر إيران المسألة شأنا داخليا عراقيا، بل سارعت إلى التدخل دافعة بمجاميعها المسلحة إلى ممارسة أقصى مستويات العنف فكان القتل رسالتها إلى المجتمع العراقي.

وهو ما كان رئيس الوزراء العراقي مطمئنا إلى وقوعه لأنه يعرف أن الاحتجاج على حكومته لا يمكن فصله عن الاحتجاج على الاحتلال الإيراني الذي لم يعد مبطّنا. وهو الشعور نفسه الذي يمكن تلمّسه في خطاب حسن نصرالله تعليقا على التظاهرات التي يشهدها لبنان. ذلك لأن جزءا كبيرا من الأزمة المالية التي يعيشها لبنان يصدر عن وقوعه في فخ العقوبات التي سببها ارتهانه للقرار الإيراني، بما يجعل منه بلدا محتلا.

ليست إيران قوة احتلال خفية. فهي اليوم تتباهى بأن خيوطا مصيرية كثيرة صارت في قبضتها. وهي لا تعرض التفاوض إلا من أجل الاعتراف بها قوة عظمى في المنطقة، وهو ما لم تسع إليه إسرائيل يوما.

الفرق بين إسرائيل وإيران أن الأولى لم تحكم على شعوب المنطقة بالموت كما فعلت الثانية. بمعنى أن شعوب المنطقة يمكنها الاستمرار في البقاء وبناء حياتها والتطور واستعمال ثرواتها في برامج التنمية بعيدا عن الصراع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي يُعدّ صعبا في حالة إيران.

ذلك فرق جوهري يجعل من إمكانية التعايش مع المشروع الإيراني أمرا مستحيلا. فالعقيدة الصهيونية وإن كان شعارها المرفوع هو “من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل” لم تدعُ عمليا إلى إزالة دول وحرمان شعوبها من حق العيش الحر الكريم. عكس ذلك يمكن تلمسه في العقيدة الإيرانية المغطاة بعباءة التشيّع.

إن كل الهزائم التي مني بها العرب لن يشكل تأثيرها إلا جزءا بسيطا من تأثير المشروع الإيراني الذي هو عبارة عن اقتلاع الإنسان العربي من تاريخه وتجريده من ثقافته وإفقاره من خياله وتجهيله بأسباب حياته وتدمير قدرته على الاستمرار في الحياة حرا كريما.

وهكذا يصغر المشروع العدواني الصهيوني أمام هذا البلاء الأعظم.

وإذا ما كان المنادون بالتطبيع مع إسرائيل في الوقت الذي لا يزال الشعب الفلسطيني محروما من حقوقه التاريخية مجرد عملاء، فإن الساعين إلى تمهيد الأرض أمام الزحف الإيراني هم أعداء من طراز لم تر البشرية أكثر خطورة منهم في تاريخها.

وكما يفعل حسن نصرالله فإن أولئك الأتباع وضعوا إسرائيل في مقدمة برنامجهم لغسل الأدمغة الذي يهدف إلى “نسيان إيران” كما لو أنها ليست السبب في ما يشهده العالم العربي من تراجع هو انعكاس للفوضى التي يشيعها تدخلها في شؤونه الداخلية، إما كقوة احتلال كما هو الحال في العراق، وإما كونها داعمة للفتنة وممولة للاحتراب كما هو حالها في اليمن.

ليست إيران مشكلة في المنطقة بل هي مشكلة المنطقة. هي المرض الذي صار على المجتمع الدولي أن يعالجه مرغما.