عندما وقعت على عنوان «الطريق إلى عدن» للرئيس علي ناصر محمد، سارعت طبعاً إلى اقتناء الكتاب. كان في ظنّي أن هذا المؤلَّف يتضمّن شهادته في حروب اليمن الجنوبي. ومع أنني لا أحب حروب العرب مع العرب، ولا بطولاتها، ولا شهداءها، ولا مبرّراتها، فقد تهيأ لي أنني سوف أكون أمام الشهادة الأكثر موضوعية في أحداث تلك المرحلة. غير أن المفاجأة كانت أكثر متعة وفائدة بكثير. فـ«الطريق إلى عدن»، (دار المدى)، هي هنا انتقال الطالب اليافع علي ناصر من قريته في محافظة دثينة إلى العاصمة الجنوبية، ومشاهداته وانطباعاته وذكرياته، وأقوال الرواة، ووصف العادات، وتدوين الأحداث القبلية وطباع القبائل، وأسباب التقاتل، وطرق الحياة، ومداعي الافتخار والاعتزاز، وأنواع الطبابة... وكل ما يغطي ذلك المجتمع القديم يوم كان اليمن الجنوبي لا يزال مجموعة سلطنات في ظل الاستعمار البريطاني.

 


يقع الكتاب في 422 صفحة. وعلى من يرد أن يعرف أهمَّ فصوله، أن يعيد نقل 422 صفحة أيضاً. ولعل الملايين من اليمنيين عايشوا تلك المرحلة مهما تفاوتت أعمارهم، ولست أدري ماذا بقي من ملامحها إلى الآن، لكن يُخيّل إليَّ أن الباقي كثير. فلنقرأ معاً هذه الأسطر: «يُقال إن الجراد آفة الزراعة في بعض البلدان، وآفة الجراد اليمنيون، حيث ينتظرون وصوله إلى أراضيهم بشغف، ولا يدّخرون جهداً من أجل الحصول على أكبر قدر منه، فهم يصطادونه ويشوونه، وأحياناً يغلونه ليخزّنوه ويأكلوه لفترات طويلة كالجمبري لدى سكان الساحل. وأحياناً يُعرض الجراد المجفف في الأسواق لبيعه كأي سلعة، ولهم في ذلك عادات وتقاليد، وفنون طهي أيضاً.

 

فقد جرت العادة في الأرياف حين يعلم أحدهم بالمكان الذي توجّهت إليه أسراب الجراد، أن يخبر باقي عشيرته وأهله، فيجهّز الأهالي الفوانيس والشوالات الفارغة، وتنطلق إلى مكان نزول الجراد، وتحرص أغلب الأسر على المشاركة بأكبر عدد ممكن من أفرادها - رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً - فيسيرون في موكب احتفالي حاملين الفوانيس معهم، حتى إذا بلغوا المكان، فتحوا شوالاتهم، وباشروا بصيد الجراد بأكفّهم، ليعودوا بعد ساعات محمَّلين به، فتتولّى النساء في اليوم التالي تجهيزه للأكل».


إلى اللقاء...