لطالما تباهى أمين حزب السلاح بأن مقاتليه في سوريا كانوا يحاربون الارهاب ليحموا لبنان من زحفٍ تكفيريّ إن وصل الينا "سيذبح ابناءنا ويستحيي نساءنا"، ولكنه لم يتردد في قتلنا حين خاف على صورته، فارتكب بحقنا مجزرة موصوفة في بلدة الحمودية يندى لها الجبين.
كثيرون هم من سحرهم أمين حزب السلاح بخطابات النفاق، وهو صاحب الماكينة الاعلامية الامنية المحترفة التي استثمرت شعارات الدين والعقيدة وكربلاء والمهدي وسبي زينب لدغدغة مشاعر الجمهور الثمل.
أما نحن ومثلنا كثيرون ممن اكتووا بظلمه فإننا ندرك ما حلّ بكلّ اولئك الذين قُتلوا باسم الدين ليقيننا بأن النفاق واحد وأن الظالم ما زال مسهبا في ظلمه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

أنا ابنة الشهيد المظلوم زيد اسماعيل الذي قتله حزب السلاح في حوزة عين بورضاي ليل الأول من شباط عام ١٩٩٨.
كان أبي في ذلك اليوم برفقة الشهيد الشيخ خضر طليس حين ذهب الى حوزة الامام المنتظر للحؤول دون وقوع فتنة طاحنة بعدما حاصرها عناصر حزب السلاح والجيش اللبناني من كل جهاتها بهدف منع الشيخ صبحي الطفيلي من مغادرتها.
يومذاك تمكن الشيخ خضر بدبلوماسيته المعهودة من اقناع الجيش بفتح طريق لخروج موكب الطفيلي دون حصول توترات واحتكاكات وما لا تحمد عقباه، ولكن حزب السلاح كان له رأي آخر، فالحوزة هي افضل مصيدة لمن دخلوها، ولن يفوت فرصة ذهبية للقضاء عليهم.
علم الحزب باتفاق الشيخ خضر مع الجيش، فانبرى على عَجَل شمر من صفوفه لينفذ قرار قيادته ويطلق من مسافة متوسطة رصاصات الغدر باتجاه الشيخ خضر وضابط الجيش فسقطا شهيدين على الفور، فيما أصيب أبي في حوضه فزحف تحت زخات الرصاص حتى وصل الى باب منزل الحاج نايف طليس بالقرب من الحوزة، تلك الحوزة التي دمرها الجيش بعدما رفع الحزب الغطاء عنها.
كان قد حل الليل حينما سمع اهل المنزل صوت أنين في الخارج ففتحوا الباب وسحبوا أبي الجريح الذي نزف كثيرا. في تلك الأثناء اتصل اصحاب البيت بمستشفى الخميني التابع لحزب السلاح لكي يرسلوا سيارة اسعاف تنقله الى المستشفى ولكن ادارته الحزبية رفضت طلبهم بذريعة المعركة المحتدمة (علما انها كانت معركة من طرف واحد)، عندها اتصلوا بالمستشفى الحكومي في بعلبك الذي تجاوب سريعا وارسل سيارات الاسعاف الى عين بورضاي، الا أن عناصر حزب السلاح قطعوا طريقها واطلقوا عليها الرصاص لمنعها من الوصول الى مكان الجرحى.
بقي ابي ينزف حتى الفجر حيث صلى صلاته الأخيرة واسلم الروح الى بارئها.
في تلك الليلة كنا ننتظر عودته ولكنه لم يعد، وبعد أيام استلمنا جثته لنودعها في التراب.
لقد اطفأ أمين حزب السلاح شمعة بيتنا وبقينا انا واخوتي ايتاما في رعاية أمّنا التي استكثر علينا وجودها فقتلها بعد سنوات.
غياب الأب ترك اثرا كبيرا في بيتنا فابتُلي اخي بتجارة المخدرات، وكان يحظى برعاية الحزب ويستضيف على مائدته عددا من مسؤوليه ونوابه، وكان رافعة لهم في الانتخابات النيابية الاخيرة في بلدة الحمودية، الى أن حلت علينا لعنتهم مجددا حين بدأ بزيارة اخي ابن أحد الشهداء القادة في حزب السلاح ليشتري منه المخدرات.
وفي يوم من الايام تم القاء القبض عليه وهو في طريقه من البقاع الى بيروت، فاعترف بمصدر المخدرات.
سعى الحزب سريعا بقرار من امينه العام وبمتابعة مباشرة من وفيق صفا الى تطويق ذيول الحادث واطلاق ابن المسؤول ونقله الى سوريا، فيما أعطى تعليماته لأجهزة الدولة بتصفية أخي حتى لا تنكشف فضائحهم خصوصا أن أخي كان يزرع الكاميرات في كل مكان من منزله ومحيطه، والتسجيلات تظهر كل من زاره من مسؤولي الحزب وعناصره.
أرسل لنا الحزب يومها قوة مؤللة من الجيش اللبناني فحاصرت بلدة الحمودية في الصباح الباكر وزرعت الطرقات بالعبوات منعا لهروب احد، فيما كانت المروحيات تحلق فوقنا في مشهد هوليوودي مخيف، وكأن القوم جاؤوا لتحرير القدس.
يومها نفذ الجيش مجزرة قتل فيها اخوَيّ وأمي وعمي وابنه وآخرون كانوا في المكان بينهم اطفال، واستهدف الجيش يومها سيارة أمي بالمروحية حين كانت متوجهة الى بيت اخي لتلبي نداء استغاثته.
كان كل اهتمام القوة المهاجمة منصبّا على مصادرة تسجيلات الكاميرات وهواتفنا منعا لانتشار الفضيحة.
يومها أعاد أمين الحزب كرّة القتل ولكنه هذه المرة أبادنا دون أن يرف له جفن، بل خرج علينا في احد خطاباته بوقاحته المعهودة ليخبرنا بأن بعض الاخطاء من قبل ضباط الجيش قد تحصل، وانه يجب التغاضي عنها حفاظا على معنوياتهم لاستكمال خطتهم الامنية في المنطقة!!
هذا الرجل يفعل اليوم بشيعة لبنان كما فعل السامري بقوم موسى حين عبّدهم العجل من دون الله، وما زال ممعنا في ظلم أهل البقاع وتجويعهم ليضمن بقاءهم اداة طيعة في يده لأنهم برأيه ان شبعوا لن يرضوا بأن يكونوا خزانا للمقاتلين، فلعنة الله على الظالمين.

رشا زيد اسماعيل