أظهرت الأبحاث العلمية أنّ 20 إلى 50 في المئة من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين عامين إلى 6 سنوات يصفهم أهلهم بالمتذمّرين في الأكل، أو ما يُعرف بالـ«Picky Eaters». فلمَ يتصرّفون على هذا النحو، وما إشارات ذلك، وكيف يجب التعامل؟
 

أشارت إختصاصية التغذية، عبير بيضون، لـ«الجمهورية» إلى «وجود إشارات عدة يمكن أن تُنذر بأنّ الطفل مُتذمّر في الأكل، مثل إزاحة الملعقة، أو إدارة وجهه، أو إغلاق فمه، أو بصق الطعام، أو البكاء. غير أنها تُشير أيضاً إلى أمور أخرى مثل عدم شعوره بالجوع، أو تشتّت ذهنه بأشياء معيّنة مثل التلفزيون، أو الانزعاج بسبب المرض، أو ظهور الأسنان، أو وجود إلتهاب، أو حساسية على طعام معيّن».

 

وتابعت حديثها قائلة: «عندما يتصرّف الطفل بشكل سيئ مع الطعام، يجب على الأهل البحث عن السبب الحقيقي، وعدم تحويل وقت الأكل إلى معركة لأنّ الطفل يجب أن يأخذ وقته ليقرّر إذا كان مستعداً فعلاً لتذوّق الطعام. يجب دائماً وضع مقاربة للولد وعدم تشكيل ضغط عليه وإلّا زاد احتمال عدم تقبّله إطلاقاً. فإذا لم يحب الطعام يمكن تكرار المحاولة لربما سيتقبّل المذاق، أو تقديم له صنف آخر».

 

عدم تقبُّل الخضار

وتطرّقت بيضون إلى مشكلة رفض الأولاد للخضار، مثل البروكلي أو الهليون، فوصفت هذا الأمر بـ«الطبيعي حتى لو كانت مسلوقة أو مطبوخة على البخار لأنها تملك مذاقاً قوياً ورائحة شديدة. المطلوب في هذه الحال تقديم خيارات عدة له، فإذا كانت الخضار الخضراء اللون هي المشكلة، يمكن إدخال تلك التي تتمتع بأصباغ أخرى مثل الفلفل الأحمر بدلاً من الأخضر، أو تقديم خضار مع الصلصة له مثل الجزر مع الحمّص. من خلال هذه الطريقة يتمّ تشجيعه على تناولها بعيداً من شعوره بأنه مُرغم على ذلك».

 

ولفتت إلى أنّ «طحن الخضار بهدف إخفائها لا يشكّل أبداً الحلّ الأمثل، إنما سيؤدي إلى خلق مشكلة ثانية تتمثّل بعجز الأهل عن معرفة إذا كان طفلهم قد أحبّ فعلاً هذا الطعام من جهة، وكيف عليه التعامل معه من ناحية أخرى».

كالوريهات السوائل

وبالنسبة إلى الأولاد الذين يستهلكون كل سعراتهم الحرارية من السوائل، كالعصير أو الحليب، اعتبرت خبيرة التغذية أنّ «هذه مشكلة كُبرى لأنّ تقديم المشروبات لهم سيُفقدهم الشهيّة عندما يحين موعد وجبة الطعام. من الطبيعي ألّا يحصل الطفل دائماً على كل الوجبات الرئيسة الثلاث، ولكنّ المطلوب السيطرة على كالوري السوائل من خلال الاكتفاء بـ0,5 إلى 1 كوب من العصير الطازج يومياً وتفادي الأنواع المُضاف إليها السكر الصناعي، و2 إلى 2,5 كوب من الحليب في اليوم. علماً أنّ الولد فوق العامين الذي يتمتع بوزن وطول طبيعيين وينمو بشكل صحيح لا يحتاج إلى استهلاك حليب كامل الدسم، إنما يمكنه الانتقال إلى النوع الخالي من الدهون أو الذي لا يحتوي سوى على 1 في المئة منها».

 

الحلويات

أمّا في ما يخصّ الحلويات على أنواعها التي تجذب الصغار بشدّة لدرجة أنهم يريدون أحياناً الامتناع عن الوجبة الأساسية بهدف تناول الشوكولا والسكاكر والبسكويت، أفادت بيضون أنّ «أول خطوة تتمثل بعدم حرمانهم من أيّ شيء، إنما السماح لهم باختيار لوح واحد يحبّونه في اليوم، شرط تقديم سناكات أخرى بديلة لهم مثل اللبن مع الفاكهة، أو بوظة محضّرة في المنزل من البطيخ أو الفريز أو الموز تكون في الوقت ذاته صحّية وخالية من السكر المضاف والمواد الصناعية. كذلك من الضروري عدم تخصيص أيّ مكان في المنزل لتخزين الشوكولا والسكاكر لأنه كلما توافرت فإنّ العين سترغبها أكثر ولن يتمكن الولد من السيطرة على ذلك».

 


وشدّدت على «ضرورة عدم استخدام الحلويات كنوع من المكافأة إطلاقاً لأنّ الولد لن يُدرك قيمة الطعام بحدّ ذاته والفوائد التي سيستمدّها منه، إنما سيأكل سريعاً فقط بهدف الحصول على الشوكولا».

إجراءات لا غِنى عنها

وقدّمت بيضون باقة من الإرشادات القيّمة التي يجب على الأهل الالتزام بها:

• توفير تربية غذائية للولد لتعليمه أصول التعامل مع الأكل لأنّ تعرّضه لمشكلة غذائية معيّنة، أو كرهه لوجبة طعام، أو تقديم الحلوى له كلما بكى وحزن، سيدفعه إلى التصرّف بالمِثل عندما يكبر، وبالتالي سيشكو تلقائياً من الوزن الزائد الذي يُعرّضه للأمراض.

• وضع جدول غذائي للإلتزام بتوقيت الفطور، والغداء، والسناك، والعشاء. من الطبيعي أن يتقلّب قليلاً هذا الجدول، ولكنه أساسي لأنه يمنع اللقمشة طوال اليوم وينظّم الوجبات.

• يجب على الأهل أن يعلموا أنّ الولد بدءاً من 4 سنوات يتعلّم أن يكون مستقلّاً ويستمع قليلاً لجسمه ويدرك نوع الطعام الذي يستمتع به، لذلك يجب إعطاؤه قليلاً من الحرية لأنه يكتشف ذاته.

• لا للمبالغة في التصرّف إذا كان الولد قد شبع ولم يُنهِ طبقه طالما أنه يكتسب الوزن والطول بطريقة صحّية وطبيعية.

• من المهمّ جعل وقت الطعام مُسلّياً والسماح للولد بالمشاركة في تحضير الأكل، فيشعر بالاستقلالية والفرح ويتشجّع أكثر على تناوله. يمكن أيضاً ابتكار أشكال معيّنة لفتح شهيّته أكثر.

• من المهمّ أن يكون الأهل المِثال الأعلى لأولادهم لأنهم يقلّدونهم كثيراً، وبالتالي لا يمكنهم التصرّف بشكل غير صحّي أمامهم وفي المقابل حثّهم على تناول الخضار واليخاني...

وأنهت حديثها قائلةً إنّ «الـ«Picky Eater» تكون عموماً مرحلة موقتة عندما يصبح الولد مستقلّاً قليلاً وعلى علمٍ باحتياجات جسمه. وخبراء التغذية يلعبون دوراً كبيراً في معالجة هذه المسألة، خصوصاً أنّ وجود طرف ثالث قد يؤثر في الأولاد أحياناً أكثر من الأهل».