الأجواء التي سادت البلاد اعتباراً من بعد ظهر امس، عكست توجّهاً لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء بعد ظهر اليوم في القصر الجمهوري، وأشيعت هذه الاجواء بعد اللقاء الذي وُصف بالايجابي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري في القصر الجمهوري في بعبدا، وشارك فيه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وبعد اللقاء الذي دام لنحو ساعة، خرج الحريري بعده ليعلن «أنّ الحلول باتت في نهايتها، وأنا متفائل أكثر من السابق، والإجتماع كان إيجابياً وعلينا انتظار القليل وستسمعون الخبر السار إن شاء الله».

وبحسب المعلومات، انّ الحريري بدا مستعجلاً ومتحمساً هذه المرة للوصول الى حلّ يحتوي الأزمة الراهنة، التي تفاعلت في الآونة الاخيرة بشكل غير مسبوق، وبالتالي عقد جلسة لمجلس الوزراء، قبل حلول عيد الاضحى، بحيث يدخل اللبنانيون في عطلة عيد هادئة تُستأنف بعدها الحياة السياسية الطبيعية. علماً انّ الحريري سيسافر يوم غد السبت الى السعودية لتمضية عيد الاضحى، ومن ثم يتوجه بعدها الى الولايات المتحدة الاميركية في زيارة وصفت بالخاصة، قد يلتقي خلالها وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو.

الحريري
وقالت اوساط الحريري لـ«الجمهورية»: «انّ تفاهماً تحقق مع رئيس الجمهورية للخروج من المأزق الحكومي، وانّ رئيس الحكومة ينتظر مساعي اللواء ابراهيم. فالتفاصيل دقيقة، والوصول الى ما تمّ التوافق بشأنه لا يمرّ دون الحد الأدنى من التفاهم الذي سيسعى اليه المدير العام للأمن العام».

وقائع بعبدا
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ اجتماع عون والحريري كان ايجابياً، وبهذه الروحية جرى بحث ضرورات المرحلة والحاجة الى استئناف المسار الحكومي بعد فصله عن المسار القضائي، في ضوء ما تحقق في الملف، رغم المنعطف القضائي الجديد الذي اتخذته القضية بطلب قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل، الذي باشر التحقيقات في الملف، والذي طلب وقف النظر بدعوى «حادثة البساتين» انسجاماً مع نص المادة 125 من قانون أصول المحاكمات المدنية، والتي باتت في مرحلة انتظار قرار محكمة الاستئناف المدنية في بيروت المكلفة قانوناً النظر بطلبه ليحال الملف الى قاضٍ آخر واستئناف الإجراءات من حيث وصلت او العكس في حال الرفض.
وتشير المعلومات، الى أنّه بعد ان انضم اللواء ابراهيم الى الاجتماع، جرى عرض سلة من المقترحات وُصفت بأنّها لم تحمل جديداً لكنها جمعت ما سبق ان طُرح من افكار، ابرزها ضرورة الوصول الى ما يؤدي الى استئناف جلسات مجلس الوزراء ما دامت القضية قد سلكت المسار القضائي بشكل متقدّم وسريع، ويمكن ان يُبنى لاحقاً على الكثير مما يمكن ان تقود اليه التحقيقات إن توسعت لتشمل باقي المطلوبين المتخفين في خلدة والمختارة، بعدما تبيّن انّ القضاء يصرّ على الإستماع الى إفادات الجميع دون استثناء ودون اي شروط مسبقة، سبق لدارة خلدة ان وضعتها، في ظل تجاوب المختارة ما طلبه القضاء في المرحلة الأولى.
وتضيف المعلومات، انّ الاجتماع خلص الى تكليف اللواء ابراهيم القيام بجولة اتصالات سريعة لتسويق التفاهم وترجمة ما تمّ الإتفاق عليه، مع ضرورة التركيز على الحاجة الى جلسات مجلس الوزراء، لما لتعطيلها منذ اكثر من 45 يوماً من اضرار طالت صورة لبنان في الخارج، وخصوصاً انّ هناك خطوات اجبارية يجب اللجوء اليها بعد اقرار قانون الموازنة العامة ومواجهة الضغوط الدولية التي تهدّد بإمكان تجميد ما تمّ اقراره في «سيدر واحد»، عدا عن الحاجة الى البت بملفات حيوية كملف النفايات والكهرباء وأخرى اجتماعية واقتصادية.

الصيغة
ومن البنود التي تمّ التفاهم عليها الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا، على ان تلتزم بجدول اعمال جلسة 2 تموز التي لم تُعقد في السراي، وان تكون جلسة خالية من الملفات الخلافية ولا سيما قضية قبرشمون، وترك لرئيس الجمهورية، الذي سيرأس الجلسة، تقدير الموقف. وبمعنى اوضح، ان تُعقد جلسة بجدول الاعمال العادي السابق، على ان يصار بعد اقراره، وإن بقي هناك متسع من الوقت، على فتح المجال للبحث في الشأن السياسي، الذي تتصدّره حادثة قبرشمون وتداعياتها، استهلالاً بكلمة يلقيها رئيس الجمهورية حول هذه الحادثة. وافيد مساء امس، انّ مشاورات بعد الظهر تركّزت حول مضمون كلمة الرئيس، والتأكيد على أن يأتي الطرح الرئاسي بطريقة احتوائية، لا تفتح نقاشاً حامياً حولها بين طرفي الأزمة.

تجاوب .. ورفض
وبحسب المعلومات، فإنّ هذه الصيغة كانت تحظى بموافقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وكذلك عبّر رئيس المجلس عن تجاوب مع مسعى اعادة احياء جلسات الحكومة، وابلغ ذلك لرئيس الحكومة الذي تواصل مع بري مساء، ولمس منه تشجيعاً على ضرورة المضي في هذا الاتجاه.
الّا انّ هذه الصيغة سقطت حينما طُرحت على جنبلاط، الذي يبدو انه ارتاب من جلسة يُفتح فيها نقاش سياسي، قد يستبطن قطبة مخفية قد تفتح الباب امام طرح التصويت على إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي. ومن هنا جاء تأكيد جنبلاط انه مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في حالة واحدة، اي يتم التعهّد حولها مسبقاً بألّا تتناول بحث اي شق سياسي.
هذه الاجواء التي وقف عليها اللواء ابراهيم، أُبلغت الى الرؤساء الثلاثة، فيما برزت في ساعات المساء، محاولة لاقناع النائب ارسلان بعقد جلسة عادية لا سياسية، الا انّ سقوط صيغة الحل للأزمة القائمة، اكتمل برفض ارسلان انعقاد جلسة دون تناولها حادثة قبرشمونن وطرح مسألة المجلس العدلي.

 

جنبلاط وارسلان
وتبع ذلك نعي للحل، عبر تغريدتين متصادمتين، الأولى لجنبلاط قال فيها: «لم تعد القضية قضية مجلس وزراء ينعقد ام لا ينعقد. السؤال المطروح هل التحقيق سيجري مع الذين تسببوا بحادثة البساتين ام سيبقى هؤلاء يسرحون خارج المساءلة لانّ رئيس البلاد ومن خلفه يريد الانتقام. اذا كان الامر هكذا فنحن نملك الصبر والهدوء الى يوم الدين. ولم نطلب ضمانة من احد سوى القانون».
اما التغريدة الثانية فللنائب ارسلان، حيث قال: «اصبح من الواضح ان هناك من لا يريد محكمة ولا محاكمة أيًّا كان شكلها واسمها، ويسعى لتوتير الأجواء داخلياً وخارجياً لفكّ الحصار السياسي الذي فرضه على نفسه، لذلك ان أيّة مبادرة تخلو من الوضوح بما حصل من محاولة لاغتيال الوزير الغريب مرفوضة رفضاً مطلقاً».

لا دعوة
وكانت الانظار قد شخصت اعتباراً من بعد ظهر امس، في اتجاه رئيس الحكومة ترقباً لدعوة يوجّهها لانعقاد مجلس الوزراء، كترجمة للاجواء الايجابية والتفاؤلية، التي اشاعها هو شخصياً بعد مغادرته القصر الجمهوري، الّا أنّ هذه الدعوة لم تصدر، ويبدو انها لن تصدر مع استمرار العقبات امام انعقاد الحكومة، الّا اذا تراجع جنبلاط وارسلان عن رفضيهما، علماً انّ الاتصالات استمرت حتى ساعة متقدّمة ليلاً، حيث بقي الرئيس الحريري في انتظار موقف نهائي من النائب جنبلاط، كما كان هناك انتظار مماثل لاتصالات على خط «حزب الله» - ارسلان. وفي ضوء نجاح هذه الاتصالات يتحدّد انعقاد مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم او غدا السبت. حيث عُلم انه قد تمّ ابلاغ الوزراء بعدم السفر او مغادرة بيروت، وتوقع صدور الدعوة لمجلس الوزراء في اي وقت.

موسى
في هذا الوقت، تتواصل التحذيرات من التداعيات السلبية لشلل الحكومة وعدم انعقادها. وفي هذا السياق، قال النائب ميشال موسى لـ«الجمهورية»: «وضع البلد لم يعد يحتمل، والوضع الاقتصادي شديد الصعوبة وبات من الضروري ان تنعقد الحكومة لتدارك الامور، اذ لن يكون في مستطاع احد ان يتحمّل ما قد يحصل فيما لو انحدرت الامور الى ما هو اسوأ».

الحجار
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجار لـ«الجمهورية»: «هذه الحكومة هي حكومة توافق وطني، وتحويل مجلس الوزراء الى جبهتن لن يصبّ في مصلحة أحد، والرئيس الحريري بالتعاون مع الرئيسين عون وبرّي عمل على مبادرات عدة، وكان يفتح مساراً جديداً كلما أقفل مسار، وذلك بهدف الافراج عن البلاد بعد أن تمّ أسرها. وبالتالي فإن المطلوب هو ضرورة التوافق».

طرابلسي
وقال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب إدغار طرابلسي لـ«الجمهورية»:، إننا خرجنا من «حكم الزواريب والأحياء، ولا يمكن لأي طرف سياسي أن يمنع القضاء من أن يأخذ مجراه في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. كما لا يمكن أن يستمرّ أحد الأطراف السياسية بتعطيل وشلّ البلاد، بعد أن أطالوا بما فيه الكفاية. ومن غير المسموح أن يدفع الشعب بأكمله ثمن إعتداء أمني - سياسي قامت به مجموعة من الأشخاص».

عقيص
وانتقد عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص «الخطاب العالي النبرة الذي يسود في البلاد»، ومشيراً الى العواقب الوخيمة التي تترتب عنه. وعن الجهود الاخيرة قال لـ«الجمهورية»: «لا يمكننا القول إنّ هذه المبادرة نضجت نهائياً، ولكن كلام الحريري بعد «صمته المدوي» وابتسامته، يوحيان بإيجابية شبه أكيدة».

علامة
من جهته، قال النائب فادي علامة لـ«الجمهورية»: «إنّ بيان السفارة الأميركية (امس الأول)، قد يكون أحد العوامل التي حرّكت «حس المصالحة»، متسائلاً: «لو انهم قبلوا بمبادرة الرئيس بري، من الأساس، لكنّا تجنبنا البيانات والتدخّلات الخارجية».