ما بالُكُمْ يا أنتُـمْ...؟
أيها الجالسون على العروش المحنّـطة.. والتيجانُ يتآكلها الصدأ...
كالتماثيل المعدنية أنتُـمْ، والأنصاب الصخرية، لا تسمعُ ولا تشعر، ولا يقشعرُّ لها ضميرٌ على مصير...
يا أيها الذين...
الوطن يزحلُ كأنه يستقيل من الجغرافيا، والدولة تزحفُ كأنها مستقيلةٌ من العقل، والشعب ينزفُ كأنَّـهُ يستقيل من الحياة، صفوفٌ من الناس على الأرصفة تمـدُّ الكفوف، شبابٌ على طريق النزوحِ قوافل، البلد الأخضر أجدب، والذي كان «درَّةَ الشرقين» يتقهقر الى «مجاهل» الوقوف على الأطلال.
القضايا الإنسانية والمصيرية والحياتية تُرمى في سلَّة المهملات، ولا مجال لمعالجة مآسي الحياة إلاّ بالموت، وكأن آخر العلاج أصبح بالأفران النازيّة..
المشهد رهيبٌ، نعم... هل تـتَّهموننا بالمبالغة، بتشويه صورة لبنان وتلطيخ وجهه الساطع..؟ وهل تستطيع براعة الصياغة عندكم أنْ تجـدَ له وصْفاً أجمل وصورةً أفضل، وشكلاً أزهى، وواقعاً أبهى، وجـوّاً أنقى.. إذاً تفضَّلوا...

هل تستطيعون أن تنكروا، أنَّ لبنان أصبح حصاناً شارداً بلا فارس.. وبحراً هائجاً بلا قبطان، السمك الكبير فيه يأكل الصغير... والذئابُ في الغابةِ المتوحشة تأكل مَنْ لم يكن ذئباً...؟

لا تؤاخذونا... أنتم الذين شوَّهتُم إرثَ لبنان التاريخي، ولطَّختم وجهه الحضاري، وجعلتموه مطمراً للمزابل، ومزبلةً للمفاسد، السياسة فيه ملاعب للصبيان والخصيان، ودواوينُ الحكم أصبحت مثلاً لسخرية العالم.

السلطة الحاكمة حسب الإصطلاح الفلسفي هي التي تتولى: «الإدارة والتدبير والتوجيه، وتحقيق مطامح الشعب ورعاية المصالح وصيانة الحقوق...».
والسلطة الحاكمة بالمعنى الهمجي: هي ظلٌّ ثقيل ينقضُّ على أعناق الشعب حتى الإختناق، الأعناق رهائن في بلاط سلطان بطَّاش، والسلاطين الطغاة لا يناقشون الرعيّةَ إلا بالسيف.

ملك فرنسا هنري الثالث خـرَّ صريعاً بطعنةِ أحد الرهبان، لأن رجال اللاهوت أبلغوه أنّ قتْـلَ الطاغية عملٌ مشروعٌ وشرفٌ خالدٌ لفرنسا.


ملاحظة:نحن لا نؤمن بالسيف سلطةً للردع يحمله مقاتلٌ أعمى.

وحين نردّد مع الأخطل الصغير:
أسمى وأكرمُ عفـوٍ أنتَ مانحُهُ عفوَ الذبيحِ عن السيفِ الذي ذبَحا
فهذا لا يعني أن ثقافتنا الطوباوية تمسخُنا عبيداً فنستسلم لمنطق الظلم ونخضع لسيطرة الآخرين بالمفهوم الهتلري.

ولا يعني أننا نسلّم بديمقراطية مقنَّـعة تُمارَسُ في المشاهدات البرلمانية وتشويهات القوانين وانحراف التشريع بالمغالطات الدستورية وأخطاء الإملاء.
ولا نرضخ للحظيرة الحكومية التي انشطرت الى مربعاتٍ متصادمة، تتقاتل بالتناطح وترمي علينا المشاكل كالشظايا من فوق... توقـدَ النارَ وتهرب.

كلُّ مؤسسة من مؤسسات هذه الدولة مزرعةٌ، يتقاسمها الرؤساء والزعماء، كلُ واحدةٍ منها مكتوبةٌ على إسم زعيم ومذهب، الوزارات والمرافق والأجهزة مزاراتٌ دينية وبيوت صلاةٍ وثنية مقدسةٍ بالفساد.

المواطن في هذه الدولة لـم يعـد نفسَهُ بل أصبح جسماً مركبّـاً من شخصيتين.. ولبنان لم يعد نفسَهُ بل أصبح يعني نفسه وسواه معاً.

هذا اللبنان الذي صار شِيَـعاً ومذاهب، حصصاً ومكاسب، خرائب ومزارب، هل تصدقون أنه ذلك اللبنان الذي فكّر سعيد عقل يوماً أن يلَبْـنِنَ به العالم...؟ واللـهِ «جرَّصتونا».