الواضح انّ لغة التصعيد، أسقطت لغة المبادرات لحل هذه الازمة، وهو الامر الذي جعل الوسيط المتحرّك على كل الخطوط المدير العام اللواء عباس ابراهيم يحزم حقائبه ويغادر بيروت الى الدوحة في زيارة رسمية تستمر اياماً عدة، وكانت لافتة للإنتباه في هذا السياق التصعيدي، المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب طلال ارسلان امس، واكّد فيه الإصرار على المطالبة بإحالة حادثة البساتين الى المجلس العدلي، «والكرة ليست في ملعبنا»، داعياً في الوقت نفسه، الى «ان تُحال قضايا عين دارة ومحمد ابو دياب في الجاهلية وكمال ابو ابراهيم في خلوات الكفير وحادثة الشويفات وكل القضايا التي حصلت وقُتِل فيها الابرياء الى المجلس العدلي». ومطالباً الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري بوقف المبادرات لانّ «اللي علينا عملناه»، ولنذهب الى مجلس الوزراء ونصوّت ومن يخاف من التصويت هذه مشكلته».

جنبلاط
في المقابل، برز موقف لافت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي قال لـ«الجمهورية»: «قدّمنا كل المبادرات الممكنة، والموضوعية، والتي تحترم الدولة، لكن لن اقبل بالأحكام العرفية من قِبل الفريق الآخر».

بري
في هذه الأجواء، غداة عودته من سفرته الخاصة، باشر الرئيس الحريري حركة اتصالات في شأن إعادة إحياء الحكومة، وانهاء الوضع الشاذ المتمثل بتعطيل جلسات مجلس الوزراء منذ ما يزيد عن الشهر، واندرجت في هذا السياق زيارته الى عين التينة ولقاء الرئيس بري على مدى ساعة.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، ان الرئيسين بري والحريري استعرضا الوضع القائم، والمفاعيل السلبية التي يرخيها استمرار حال التشنج، وكذلك السلبيات الكبرى على مصالح الناس التي يرخيها تعطيل الحكومة. وكان موقف الرئيسين واحداً لجهة العودة فوراً الى استئناف جلسات مجلس الوزراء، وفي الوقت نفسه تنفيس الاجواء المتشنجة التي من شأن استمرارها ان يزيد الامور تعقيداً.

وسألت «الجمهورية» الرئيس بري عمّا اذا كانت الامور تسير في اتجاه ايجابي يعيد اطلاق جلسات الحكومة، فقال: «الاساس هو ان تعود الحكومة الى الانعقاد، فلا يجوز التأخير، وابقاء البلد والحكومة في حال تعطيل، فهذا الوضع يجب ان ينتهي، وكما هو واضح فإنّ الرئيس الحريري مستعجل لإعادة احياء جلسات مجلس الوزراء، واعتقد ان هناك اموراً ما زالت تحتاج الى بعض الجهود».

وعلمت «الجمهورية»، انّ الرئيس بري سيلتقي اليوم احد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية، للتداول مع رئيس المجلس في موضوع المادة 95 من الدستور، وما تنصّ عليه حول موضوع المناصفة ومفهوم مقتضيات الوفاق الوطني».

الحريري والرؤساء
وبرز في حراك الرئيس الحريري لقاؤه رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة. وبحسب مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية»، فقد كان استعراض لمستجدات الوضع الداخلي، والاتصالات الجارية حول عودة انعقاد مجلس الوزراء اضافة الى نتائج الاتصالات والمبادرات حول حادثة قبرشمون.

وقال الرئيس ميقاتي بعد اللقاء: «سعدنا بلقاء الرئيس الحريري، وقد وضعناه في أجواء زيارتنا الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، وزيارة اليوم هي استكمال لما كنا قد قمنا به من اتصالات معه خلال الفترة الماضية، والآن بحثنا الخطوات المقبلة لمتابعة ما تحدثنا به في المملكة العربية السعودية».

وأضاف: «كان الاجتماع ممتازاً، حيث وضعَنا الرئيس الحريري أيضاً في صورة الأجواء الداخلية، وهو يعمل بكل صدق وإخلاص لإعادة جمع كلمة اللبنانيين، على أمل أن تنتهي هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن».

ورداً على سؤال قال: «لقد وضعنا بالطبع في صورة مختلف الخيارات الموجودة، وهو على يقين بأنّ الأمور ستنتهي في القريب بإذن الله، بما يرضي كل اللبنانيين».

الصلاحيات
وفُهم من اجواء اللقاء، «انّ الرئيس الحريري ليس مرتاحاً لاستمرار واقع التعطيل في حكومته، وما يترتب على هذا الامر من تعطيل، وانه ثابت على موقفه في شأن الاصرار على انطلاقة الحكومة والحفاظ عليها وتجاوز اي عراقيل تواجه عودتها الى ممارسة مهامها».

وبحسب مصادر رؤساء الحكومات لـ«الجمهورية»، فإنّ موضوع «الصلاحيات» وعدم الاخلال بالطائف والدستور هما الجزء الاساس من اهتماماتهم واولوياتهم، وايضاً التأكيد في مقابل المطالبات التي تصدر عن بعض الاطراف على وجوب الالتزام بالدستور، ولاسيما المادة 64 منه والتي تحدّد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، مع الاشارة الى البند 6 من هذه المادة، التي تؤكّد ما حرفيته، انّ رئيس مجلس الوزراء: «يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد، ويضع جدول اعماله».

السنيورة
وفيما وُصف لقاء رؤساء الحكومات مع الحريري بانّه تكتل سنّي مقابل تكتل آخر، نفى الرئيس فؤاد السنيورة هذا الأمر وقال لـ«الجمهورية»: «هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق. هل ينكر احد اننا كنا رؤساء حكومات، وطرحنا دائماً هو طرح وطني، وبالتالي نحن مع تطبيق الدستور. فهل عندما نقول اننا مع الدستور ومع تطبيقه نكون نتصرّف بشكل طائفي، اذا كان هناك من يقول ذلك، فهذه مصيبة».

وعمّا اذا كان يملك معطيات عن عودة جلسات مجلس الوزراء، قال: «ان كنت تسألني عن تمنياتي، اقول نعم، واما المعطيات، فلا اعرف، لانّ الموضوع هنا مرتبط بمقدار التبصّر في ادراك حجم المخاطر». 

 
واستطرد قائلاً: «فخامة الرئيس «حالف» على الدستور، وهو الذي ينبغي عليه ان يكون اول من يدافع عن الدستور، وهذا الوضع لا يجوز ان يستمر على هذا الشكل. المادة 80 في الموازنة هي لزوم ما لا يلزم، الموازنة هي الاولوية اليوم. يجب ان تُنشر ونقطة على السطر».

واعتبر انّ «تعطيل الحكومة يدلّ الى عدم وجود ادراك حقيقي للدرك الذي وصلت اليه البلاد، واي احد لديه ذرّة تبصّر، يسارع الى لمّ الشمل وابتداع الحلول وتطبيق القانون، وتطبيق الدستور».

سئل: هناك من يضع الكرة في ملعب الرئيس الحريري ويقول انّ عليه ان يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد، فقال: «يجب ان تتم معالجة المشكلات، ودور رئيس الجمهورية هو الاساس هنا في تطبيق القانون واحترام الدستور ومعالجة المشكلات. اليس رئيس الجمهورية من يسمّي نفسه «بي الكل»، فيجب ان يتصرّف على انه «بي الكل». رئيس الجمهورية هو الذي يشكّل القاسم المشترك لجميع اللبنانيين، وهو الذي ينبغي ان يكون قادراً على ان يحتضنهم جميعاً ويوجد الحلول، هذا هو دور رئيس الجمهورية، وقد اعطاه الدستور سلاحاً نووياً، اسمه حماية الدستور، فبالتالي هذا هو دوره تطبيق الدستور، وهذا يوجب ان يكون رئيس الجمهورية فوق كل النزاعات وفوق كل المشكلات وفوق كل الوظائف والمراكز. هذا هو رئيس الجمهورية».

جابر
الى ذلك، وضع عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر في اللقاءات الثنائية الأخيرة ضمن إطار المساعي الحثيثة للوصول إلى شيء إيجابي، للخروج من هذا المأزق الذي زُجّت البلاد فيه، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه لبنان مستنفراً لتطبيق الموازنة، بعد ان أثبت أنه جدّي جداً في الاصلاح وتصليح اوضاعه».

وقال جابر لـ«الجمهورية»: «لا معلومات عن انعقاد جلسة قريبة لمجلس الوزراء، والرئيس الحريري يعرف أكثر الظروف والمحاذير والنتائج، ونترك الأمر لتقديره، إلا أنّ المؤكّد هناك اتصالات لا تهدأ على هذا الصعيد».

وعن الموازنة قال جابر: «الأمر لا يزال متاحاً، مفروض أن تُنشر الموازنة هذا الأسبوع. أما في حال التأخّر أكثر فسيكون الوضع مُحبِطاً ويثير القلق، لأنه في الوقت الذي نفعل المستحيل لنتفادى تصنيفاً سلبياً للبنان نمشي برجلنا نحو «المهوار» العميق جداً».

حواط
ورأى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب زياد حواط «أنّ الزيارات توحي بالإيجابية لكن لا شيء ملموس».

وقال لـ«الجمهورية»: «أزمة قبرشمون وغيرها لا تُعالج إلّا عبر الأطر القانونية، ولا يمكن أن نأخذها في إطار، ونأخذ أحداثاً مشابهة لها في إطار مختلف، فلا يمكن ان يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد». معتبراً أنّ إصرار البعض على تحويلها الى المجلس العدلي يشكّل انتقاصاً للقضاء. وكأننا نقول للشعب اللبناني أن القضاء العادي غير جدّي». ورأى حواط «أنّ الحلّ لا يكون إلا باقتناع الجميع، وفي مقدمهم من يتعاطى بفوقية وكأن البلد «دُكان سمانة» لديه وملك أبيه، البلد لا يُدار إلّا بسلطة عادلة تحفظ حقوق جميع اللبنانيين، ودولة يكون فيها القانون سيّداً على كافة الاراضي اللبناينة وليس استقواءً بأجندات خارجية تتحكّم بالبلد ومصيره».

بانو
وقال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أنطوان بانو لـ»الجمهورية»: «إن الموازنة تخطّت عثرة المادة 80 وتتجّه نحو التوقيع على أبعد تقدير اليوم». 
وعن الوضع السياسي قال: «لا بدّ من التفاؤل لأننا لا يمكن أن نكمل بهذا الجو، مؤكّداً ضرورة انعقاد مجلس الوزراء لتسيير التعيينات و«سيدر» والبدء بالخطة الاقتصادية لإعادة البلد إلى السكة الصحيحة».

ورداً على سؤال قال: «ننتظر تحقيقات المحكمة العسكرية ليتبيّن إلى أين سترسِل التحقيق. فحادثة قبرشمون، وإن كان يجب أن تذهب إلى العدلي لكن الاشتراكيين ذهبوا بذلك بعيداً وظنوا أنّها تصل للمسّ بزعامة جنبلاط، وبوزير داخل الحكومة، ولذلك لا بدّ من التوافق والوصول لتسوية معينة، بالرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على ما حصل في قبرشمون والمحاولات التي سبقت زيارة الوزير جبران باسيل الى الكحالة، لكن بالتأكيد التسوية لن تكون على حساب المحاسبة».

«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «كل الجهد الذي وضع من اجل اقرار الموازنة، افساحاً في المجال امام اعادة تنشيط الواقع الاقتصادي والمالي في لبنان تمهيداً لفتح ابواب «سيدر» واستثماراته ، ووضع موازنة العام 2020 على بساط البحث، كل هذا الجو اصبح مهدداً بالانفراط، وكل هذا الجهد الذي وضع، كل هذا الخوف ان يذهب سدى لأنه معلوم ان لا استقرار اقتصادياً من دون استقرار سياسي؟».

اضافت المصادر: «وللاسف في ظل تعطيل الحكومة، او بالاحرى التعطيل المتعمد للحكومة، وفي ظل هذه الاجواء المحمومة سياسياً، وفي ظل هذا التصعيد القائم، كل الاستثمارات مهدّدة، «سيدر» مهدّد، موازنة 2019 غير قابلة للترجمة، وبالتالي هذا الوضع السياسي سيسرّع في الانهيار الذي يتحدث عنه الجميع، وبالتالي عدم الاستقرار السياسي يعني لا استقرار اقتصادي. ولذلك وقبل فوات الاوان، وقبل ان يسقط لبنان في الهاوية، لا امل في كل ما يُبحث وفي كل ما تمّ بحثه، الّا من باب الاقلاع عن التعطيل، والعودة الى الحكومة، لأنّ ذلك يشكل المدخل للاستقرار الذي يفسح في المجال امام اعادة الانتعاش الاقتصادي، والّا سنكون في مأزق كبير خصوصاً انه من دون تعطيل كنا امام هذا المأزق، فكيف بالحري في ظل هذا التعطيل المتعمد القائم؟».

«الكتائب»
بدوره، قال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «ان مضي اركان السلطة في المناكفات والصراعات دليل على عدم مسؤوليتهم، وتعطيلهم لمجلس الوزراء منذ اكثر من شهر دليل على عدم اكتراثهم بمصالح اللبنانيين الحياتية والمعيشية، وعلى ان انقاذ لبنان وحمايته من الصراعات الاقليمية ليس على جدول اولوياتهم». اضاف: «اما معالجة الواقع فلا يمكن ان تكون بترميم صفقة التسوية وانما بخطوة جذرية تقوم على استقالة الحكومة واللجوء الى انتخابات نيابية مبكرة تسمح للشعب اللبناني بمحاسبة اركان هذه السلطة على فشلهم كما على غش الناس بوعود كاذبة خلال مرحلة الانتخابات».