ثلاثة مشاهد تختصر اوجه الازمة: 1- من الضاحية الجنوبية، يطالب الأمين العام لحزب الله بانعقاد مجلس الوزراء والذي عليه في الجلسة ان يناقش قضية حادث الأحد الدامي في قبرشمون- عاليه الأحد في 30 حزيران الماضي، معلناً عن دعم غير خفيّ للحليف، الأمير طلال أرسلان، والتصويت لصالحه، إذا طرح الموضوع على التصويت في الجلسة، التي عليها ان تبحث تعرض وزير ينتمي إلى الحكومة «لحادث اغتيال» بخردقة سيارته بالرصاص.
 
2 - من زحلة، يخاطب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رئيس الجمهورية ميشال عون في يوم «العرق اللبناني»، (وبينهما صلة نسب عائلي وسياسي)، داعياً الى تمرير الموازنة بشروط منها، تقديم اقتراح قانون أو مشروع قانوني يلغي المادة 80 من الموازنة، أو الغائها في مشروع موازنة العام 2020، منعاً للسوابق وانتصاراً للميثاقية، لأن الناجحين في مجلس الخدمة المدنية التي تنص المادة المذكورة على حفظ حقهم في التوظيف، وهم من الناجحين في مباراة يتوزعون رغم ان المادة 95/د تعفيهم من شرط التوازن الطائفي، بين 90/100 مسلمين و10٪ مسيحيين.
 
3- الرئيس سعد الحريري غادر في «إجازة خاصة» إلى الخارج. ومن يسمع بالخبر، يعتقد من دون أية معلومات انه «اعتراض» على عرقلة مساعيه لعقد مجلس الوزراء، بتوافق ضروري بين مكوناته، لمنع الاهتزاز داخل الجلسة، وحدوث أزمة غير قابلة للمعالجة لاحقاً.
 
وعلمت «اللواء» ان زيارة الحريري كانت مقررة، وهي زيارة عائلية، قد تستمر ثلاثة أيام أو أكثر، تبعا لتطور مسار المساعي.
 
وطفت هذه المشاهد السلبية على الوضع السياسي، وسط تصاعد أوار التجاذب الاميركي- الإيراني، والعودة إلى التصعيد في كل من العراق وسوريا، واضعة «التسوية الرئاسية» على المحك؟!
 
مبادرة جديدة
 
وباستثناء معلومات، عن جهود جدية جديدة تبذل لإيجاد حل لقضية حادثة البساتين على قاعدة احالتها إلى القضاء العسكري، استناداً إلى واقعة زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للرئيس نبيه برّي في عين التينة في إشارة إلى إعادة تشغيل محركاته، فإن أي تطوّر ملموس لم يسجل لا على صعيد الاتصالات ولا على صعيد اللقاءات، فيما أظهرت المواقف استمرار التباعد بين الأطراف المعنية، سواء بالنسبة ضرورة عقد جلسة حكومية سريعاً، أو بالنسبة لملف إحالة قضية حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
 
وفيما أرخى السفر المفاجئ للرئيس الحريري إلى الخارج في زيارة خاصة، انطباعاً فإن لا مؤشرات على عقد جلسة لمجلس الوزراء، أقله في اليومين المقبلين، وقبل عودة رئيس الحكومة، فإن إطلالة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، عصر أمس، لم تأت بجديد بما يؤدي إلى حل أزمة الجبل، لا بل أعاد تكرار مواقف سابقة بالنسبة لحادثة قبرشمون، وبالنسبة لدعم حليفه النائب طلال أرسلان، ولم يضف شيئاً عمّا يقوله حليفه، ولا هو قدم نصيحة لهذا الحليف للخروج من الأزمة التي تُهدّد الاستقرار الأمني والسياسي معاً، إذا لم يتأمن حل توافقي لها، يفترض ان يخرج من مجلس الوزراء، لكن اشتراط السيّد نصر الله بأن تناقش قضية الجبل في مجلس الوزراء تعني استمرار دعم «حزب الله» لفريق لبناني على آخر، في وقت يفترض فيه ان يكون واسطة خير لإحلال السلام والوئام في الجبل بدل ان يدعم فريقاً على آخر، إذ من غير المعقول، ولا ينتظر أحد ان يتوافق مجلس الوزراء على موضوع الجبل قبل ان يتم التوافق على مندرجات الحل بين الفريقين المعنيين سواء في السياسة أو في القضاء.
 
وسارع مصدر حكومي مطلع إلى الرد على شرط السيّد نصر الله عقد مجلس الوزراء لنقاش حادثة الجبل، مشيراً إلى ان المبادرة الجديدة التي يُحكى عنها لخرق الجدار القضائي، تتضمن قاعدة أساسية للحل، لكن سعي البعض إلى ربط الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء، بمسار المبادرة، لا يقع في مكانه الصحيح لا سياسياً ولا دستورياً، مشدداً على ان الدعوة إلى مجلس الوزراء أمر يبته حصراً رئيس الحكومة الذي خوله الدستور توجيه الدعوة واعداد جدول الأعمال، وان كل كلام خلاف ذلك يرمي إلى تعليق الدعوة على أي اجتماع سياسي يقع خارج حدود الدستور، ولا مكان له في قاموس الرئيس الحريري، إذ ان مجلس الوزراء، بحسب ما قال المصدر الحكومي لتلفزيون «المستقبل»، بالنسبة إلى رئيسه هو مجلس كامل الصفات والأعضاء والنصاب السياسي، وعندما يُقرّر الدعوة لجلسة، فإن الجلسة توجه لجميع الوزراء دون استثناء، لأنه من غير المنطقي ان يتحوّل إلى مجلس وزراء مبتور تحت وطأة هذه الأزمة أو تلك.
 
مراوحة دون تقدم
 
ومعلوم ان الرئيس الحريري يرفض طرح ملف قبرشمون في مجلس الوزراء، ويرفضه ايضا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي وجد في قرار المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، بخصوص إغلاق كسارات بيار فتوش في عين دارة لعدم حيازته على ترخيص قانوني من المجلس الوطني للمقالع والكسارات، فرصة لتحريك حجر إضافي ناجح في رقعة الشطرنج القائمة بينه وبين «حزب الله»، ما دفعه إلى تنبيه القاضية عون من ان تتهم من قبل محور الممانعة، بأن هذا القرار جزء من المؤامرة الامبريالية والصهيونية، متمنياً عليها ان تتخذ الاحتياطات في مواجهة صواريخ الفتوش، بحسب كلام جنبلاط في تغريدته على موقع «تويتر».
 
وقالت مصادر حكومية، ان لا نية لدى الحريري لاحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، ولا إلى طرحها امام مجلس الوزراء في حال وجهت الدعوة إليه، في حين تساءلت مصادر بعبدا، كيف تعقد جلسة حكومية وقضية الإحالة لم تبت بعد، بينما اكدت مصادر الحزب الاشتراكي «بأننا قدمنا الكثير ولم يعد لدينا المزيد»، فيما اشارت مصادر الحزب الديمقراطي بأن لا تراجع عن مطلب الإحالة إلى المجلس العدلي.
 
وأكدت جميع هذه المواقف على عقم الاتصالات القائمة، وان الوضع ما يزال يراوح من دون تسجيل أي تقدّم يذكر، الأمر الذي يُؤكّد ما ذهبت إليه مراجع مطلعة بأن الأزمة التي انفجرت مع حادثة قبرشمون أكبر من مجرّد صراع حزبي داخل الطائفة الدرزية، وربما تتصل باستحقاقات كبيرة على صعيد المنطقة، رغم نفي جنبلاط وجود صلة بين قبرشمون ومضيق هرمز، وإلى ان هناك نوايا سياسية سيئة، بحسب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ضد جنبلاط الذي قد يواجه سيناريو مشابهاً لتفجير كنيسة سيّدة النجاة.
 
لكن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل سارع إلى الرد على جعجع من دون ان يسميه، واصفاً هذا الاحتمال بأنه باب التخيلات، معتبرا بأن الحديث عن الالغاء في غير محله، لأن أحداً لا يستطيع إلغاء أحد في هذا البلد، ولا نية لأحد بذلك.
 
باسيل ونصرالله: لغة واحدة
 
وأكّد باسيل في مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع استثنائي لتكتل «لبنان القوي» لطرح اقتراح قانون استعادة الأموال المنهوبة من الدولة،ان لا نية لدى التيار في تعطيل الحكومة، ولا نرفض عقد أية جلسة حكومية، مشيرا إلى انه ينتظر دعوة رئيس الحكومة إلى جلسة لنشارك فيها، لكنه رفض ان يوضح موقفه من المخرج الذي طرحه جنبلاط لجهة الربط بين حادثتي الشويفات والبساتين، لافتا إلى انه لن يتكلم في الموضوع لأنه من الأفضل ان لا اتحدث عمّا حصل وعما اعرف، ولن اتدخل إطلاقاً.
 
تزامناً، أمل السيّد نصر الله في الاحتفال الذي أقيم في الذكرى السنوية 31 لتأسيس «جهاد البناء»، بأن يجلس زعماء الطائفة الدرزية للتفاهم، كاشفاً بأن الحزب مع ان يناقش ملف قبرشمون داخل الحكومة باعتبار هذا الأمر طبيعياً لأن أحد الوزراء كاد يقتل في الحادثة.
 
وإذ أكّد ان الحزب ليس حاكما للبنان، بل ان ما يجري هو خلاف رغبته، قال انه لو كان الحزب حاكما لبنان لكنا منذ اليوم الأوّل حولنا حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، لافتا إلى ان خصومه يفهمون بشكل خاطيء العلاقات مع الحلفاء، وقال: «نحن نحترم الحلفاء ولا نفرض عليهم اي شيء ولا نطلب منهم اخذ رأينا بشيء. نحن لسنا بوجهين»، إلا انه أعلن دعم طلب أرسلان تحويل الملف إلى المجلس العدلي، نافيا ان يكون ما يجري محاولة من الحزب أو من سوريا لاستهداف هذه الزعامة أو هذا الشخص، في إشارة إلى جنبلاط، موضحاً بأنه في هذا الملف ليس لديه مشكلة مع أحد، وإذا أردنا ان نواجه أحداً، نقوم بذلك مباشرة من دون استخدام أحد.
 
ونفى نصر الله الادعاء الإسرائيلي بأن الحزب يستخدم مرفأ بيروت لنقل السلاح وبهدف إلى فرض الوصاية على المرفأ والمطار والحدود، منوهاً بقرارات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقف تنفيذ الاتفاقيات الموقّعة مع العدو الإسرائيلي، ولا سيما بالنسبة إلى التنسيق الأمني.
 
تجميد قانون الموازنة
 
في هذا الوقت، قفز إلى واجهة الحدث السياسي موضوع «تجميد» قانون الموازنة للعام 2019 في قصر بعبدا، بسبب ما اعتبره بيان رئاسة الجمهورية «لغطاً» في القانون نتيجة شطب المادة 80 منه، الأمر الذي يفرض التريث لجلائه، الا ان اعتراف رئاسة الجمهورية بهذه الواقعة، أثار عاصفة من الردود السياسية التي اعتبرت تجميد القانون مساً بالطائف والدستور، في حين ذهبت مصادر مجلس النواب إلى حدّ التأكيد بأن المادة المذكورة أقرّت في الهيئة العامة ولم تشطب أو يتم تهريبها، ونوقشت كما جاءت من لجنة المال والموازنة، لافتة إلى ان محضر الجلسة مسجل، وقد استمع إليه بعض نواب «تكتل لبنان القوي» والذي لم يظهر فيه ان رئيس المجلس طلب شطبها كما لم يتم التصويت عليها، الا ان نواب التكتل اعتبروا ان هناك التباساً في الأمر، لأن الصوت لم يكن واضحاً كفاية لتبيان الحقيقة.
 
وأكدت مصادر المجلس ان هناك جهوداً مكثفة تبذل لحل مسألة المادة 80 من الموازنة، سياسياً ودستورياً، بعد ان أخذت المواقف منحى يُهدّد الاستقرار السياسي.
 
وفيما أكّد البيان الرئاسي ان رئيس الجمهورية يُدرك أهمية إقرار ونشر الموازنة وانتظام الوضع المالي، كان لافتا للانتباه، دخول الوزير باسيل على الخط، بما يؤشر إلى انه هو الذي افتعل هذا «اللغط» في الموازنة، وانه ترك للوزير سليم جريصاتي معالجة الإشكالية، إذ توجه إلى الرئيس عون، مخاطباً اياه في الاحتفال باليوم العالمي للتذوق ويوم العرق اللبناني في زحلة، قائلاً: «ان ما حصل في مجلس النواب بالنسبة للمادة 80 من قانون الموازنة ليس بسيطاً لناحية الإخلال بالتوازنات والتفاهمات والاتفاقيات ولا يجب ان نضرب هذه الأمور الثلاثة من أجل 400 موظف نريد ان نفرضهم على القطاع العام، متسائلاً: انه لا يعرف المصلحة في ان يتم ايقاظ المخاوف والهواجس التي اعتقدنا اننا تخلصنا منها.
 
وتابع: نحن لا نريد تحميلك يا فخامة الرئيس مسؤولية عدم إصدار الموازنة أو اعادتها، لأننا نعرف حرصك على البلد في هذا الموقف الصعب، لكننا لا نريد ان نتحمل مسؤولية الطعن بالموازنة لا داخلياً ولا خارجياً، لكن ما حصل يستوجب من ان نطرح سؤالاً: ما معنى مقتضيات الوفاق الوطني وما معنى الميثاقية وما معنى الشراكة؟ وما هو تفسير المادة 95 من الدستور التي تتكلم عن حصر المناصفة بالفئة الأولى فقط بعد تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وقال: ما حصل يتطلب ان نتقدم بقانون لإلغاء هذا اللغط المعتمد، وإذا كان هناك رفض لالغائه على أساس السهو أو الخطأ المطبعي، كما يتطلب ان نختبر شريكنا إذا كان سيلتزم بتعهداته بعدم القبول بتمرير حالات فاضحة وفاقعة بالخلل الإداري، مشيرا إلى انه لا يتكلم في نتيجة مباريات مجلس الخدمة المدنية على نسبة 50 على 50 أو 60 أو 70 عن 30 بل نتكلم عن 90/10.
 
وختم، بأن هذا السؤال الكبير يتطلب منا الالتزام بحذف المادة المذكورة اما بقانون أو الموازنة المقبلة وعدم تكريس اعراف تضرب صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير.
 
ردّ قانونين
 
تجدر الإشارة إلى ان الرئيس عون، أعاد إلى مجلس النواب قانونين سبق اقرارهما في مجلس النواب بتاريخ 27 حزيران القاضي، الأوّل يتعلق باعفاء أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني والحائزين على اقامات مجاملة من الاستحصال على إجازة عمل، لأنه يفتقد إلى المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين، والثاني يرمي إلى مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لأنه يجب ان يندرج في سياق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تقر بعد، والتي يجب الإسراع في اقرارها.
 
وتقع حيثيات ردّ القانونين في ثلاث صفحات فولسكاب.