تحدثت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» عن انّ الأجواء التي سادت السراي الحكومي قبل ظهر امس لجهة احتمال دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد في الساعات المقبلة قد تراجعت بعد الظهر، في ضوء ما ادلى به رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان، بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، حيث أصرّ على إدراج بند إحالة احداث قبرشمون الى المجلس العدلي في جدول اعمال اول جلسة للحكومة، ما أدّى الى إنحسار أجواء التفاؤل في انتظار التطورات المرتقبة في الساعات الـ 48 المقبلة.

وقالت المصادر، انّ رئيس الحكومة سعد الحريري ما زال يصرّ على اعتبار انّ وضع جدول اعمال اي جلسة لمجلس الوزراء هي من صلاحياته بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، وهو ما يعكس احتمال ان يتم التواصل بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون لهذه الغاية في الساعات المقبلة. وفي حال تمّ التفاهم على عقد الجلسة، من دون ذكر المجلس العدلي في جدول أعمالها، فإنّ الدعوة تصبح اكثر قبولًا ويصبح الجميع امام مسؤولياتهم لإحياء العمل الحكومي. اما في حال العكس فستبقى الأمور جامدة.

وقالت مصادر بعبدا، انّها تنتظر تواصلاً بين عون والحريري للتفاهم على امكانية الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء والبت بمضمون جدول اعمالها وتحديد مكان انعقادها في بعبدا او في السراي.

ولفتت المصادر، الى «انّ اي جلسة برئاسة رئيس الجمهورية يمكن ان تبحث في اي بند يقترحه من خارج جدول الأعمال». وتساءلت عن سبب التقليل من احتمال طرح ملف الإحالة، على خلفية معرفة الجميع بأنّ اي فريق من أصحاب الدعوة اليها ورافضيها، يدركون الإنقسام الوزاري مناصفة بين الوزراء. ويمكن في حال حصول هذا التصويت ان يصار الى طي الملف نهائياً واستكمال الخطوات القضائية التي اتُخذت لتسلك مداها الى النهاية المحتومة. 

سيناريو إبراهيم
الى ذلك، ورغم القنابل الدخانية التي تلقى من السراي الحكومي حول نية الحريري الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، فإنّ مجريات الاحداث لا توحي بحلحلة من شأنها تسهيل هذه الدعوة.

وعلمت «الجمهورية»، انّ مسعى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم متوقف الآن على اجوبة ينتظرها من كل من الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وارسلان، حول مبادرة او سيناريو أخير كان اودعهم إياه وينتظر اجوبتهم عليه. 

ويشمل هذا السيناريو رسم صورة مسبقة لآلية التصويت ونتيجته قبل طرح الإحالة الى المجلس العدلي في مجلس الوزراء، بنحو يؤدي الى مخرج مرضٍ لجميع الاطراف وعلى الطريقة اللبنانية. إلاّ انّ هذا الأمر لم ينضج بعد بسبب الإحراج الذي يمكن أن يسببه لكل من تيار «المستقبل» وحركة «أمل» و«القوات اللبنانية» داخل الجلسة، كون بقية الاطراف حسمت موقفها.

ولم تسهم زيارة ارسلان الى عين التينة، والتي كان طلب هو موعدها، في تحريك الامور التي تراوح مكانها، وذلك في انتظار خرق ما في مكان ما، بحسب مصادر متابعة لحركة الاتصالات.

ونقل نواب عن بري إستغرابه عدم إنعقاد مجلس الوزراء منذ ثلاثة اسابيع، خصوصاً انّ هناك مواضيع تستوجب إجتماعه، ليس اقلّها اهمية موضوع العامل الفلسطيني الذي طرأ على المشهد أخيراً، إضافة الى إستكمال تعيينات المجلس الدستوري وأزمة النفايات.

وكان إرسلان زار بري في حضور الوزير صالح الغريب، وقال بعد اللقاء: «لا مبرر منطقياً أو عقلانياً لرفض المجلس العدلي، من كان ضميره مرتاحاً وغير مرتكب وغير مساهم في هذه الجريمة وهذا المَكمَن ومحاولة الإغتيال، يجب ان يكون مع من يطالب بإحالة الجريمة الى المجلس العدلي وليس العكس». واضاف: «هدفنا ليس لَي ذراع أحد، ولا تنفيذ كلام على أحد، ولا تشفياً من أحد، إنما الشهداء لهم حق، سيارة وزير اصيبت بـ 19 رصاصة، كيف يقبل أحدهم ان يقال انّ ما حصل كان بالخطأ، الموضوع ليس صغيراً كما يحاول البعض تصويره». 

وعن مصير مبادرات الحل، ولاسيما منها مبادرة اللواء ابراهيم قال ارسلان: « كانت هناك مبادرتان، الأولى للرئيس بري وأُجهِضَت، والثانية للواء ابراهيم وأُجهِضَت ايضاً. واؤكّد اننا لم نكن السبب في اجهاضها، هدفنا كان واضحاً وصريحاً وليس قصدنا التشفي من احد، هدفنا ان تأخذ العدالة مجراها في المسار الصحيح والتوصيف الجرمي الذي يحدّده القانون اللبناني».

وناشد ارسلان «انعقاد مجلس الوزراء، داعياً الى التصويت على احالة الملف الى المجلس العدلي ان لم يكن هناك اجماع مسبق»، طالباً من رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري «أن يعيا مخاطر تصغير ما حصل». 

جنبلاط يردّ
وردّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على ارسلان عبر «تويتر» فقال: «هناك الحد الادنى لاحترام الناس وعقولهم. وللتذكير فقط، فان حادثة البساتين نتيجة الفلتان السابق في بعض المظاهرات العسكرية وصولاً الى جريمة الشويفات، والتي هرب فيها الفاعل الى سوريا. لذا اعتقد انه آن الاوان لضم القضيتين، والسلطات المختصة تقرّر كيف واذا لزم المجلس العدلي للقضيتين معاً».

وهّاب
بدوره، رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب ردّ على جنبلاط، فغرّد قائلا: «يا وليد بك كيف فينا نقنعك إنو المرور في المختارة لم يكن يستهدفك وما في مؤامرة كونية وراه، وإنو الرفيق سقراط الأشقر أخذ القرار وما كان مظاهرة مسلحة بل واجهتو حواجز مسلحة، هدي من روعك شوي ما حدا مستهدفك وحاج أوهام الله يخليك».

قماطي
وفي المواقف، قال وزير شؤون مجلس النواب محمود قماطي لـ«الجمهورية»، رداً على سؤال عن حادثة قبرشمون «أنّ هناك توجّهاً لعقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء، لكن يُفضّل أن يكون هذا التوجّه بعد التوصّل الى حلّ، أو يكون بالتراضي والتوافق بين الأفرقاء لعقد جلسة هادئة ومنتجة». وفضّل قماطي التكتّم عن الحلول التي «تُطرح على مدار الساعة للوصول الى حلّ سواء كان قبولاً بالمجلس العدلي من رافضيه أو تعديل رأي الطرف المصرّ عليه أو التوصل لحل وسط بين الطرفين».

 
 

عبد الله
بدوره، النائب الاشتراكي بلال عبد الله أسف «للربط بين انعقاد مجلس الوزراء، الذي تراكمت عليه المهمات بعد إقرار الموازنة، وبين ملف حادثة قبرشمون، و«تغييب الشق الأمني القضائي وتغليب السياسة في هذا الملف عبر معالجة غريبة جداً». وقال لـ«الجمهورية»: «اننا كحزب تقدمي اشتراكي سنلبّي كل دعوة يوجّهها رئيس الحكومة، لأنّ تعطيل الحكومة ورقة ضغط خاطئة. فهم لا يطوّقون جنبلاط بهذه الطريقة بل يطوقون البلد كلّه». وعن الحلول المطروحة كشف عبد الله «أنّ الرئيس بري أخبرنا في لقاء الأربعاء أنّ لديه مسعى في هذا الإطار... ونعوّل على حكمة الرؤساء للخروج من هذا النفق».

سعد
ورأى عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب فادي سعد، أنّه «من غير المقبول أن تتعطّل أعمال الحكومة، لأي سبب من الأسباب، فمن المفروض أن تكون «حكومة الى العمل»، بكافة مكوّناتها على أهبّ استعداد للعمل، وليس من المفروض تعطيل جلساتها لأي سبب من الأسباب، محقاً كان أم غير محق». وشدّد على أنّ «هذا ما كان متفقاً عليه مع تشكيل الحكومة، نحن كفريق سهّلنا وتساهلنا مع تشكيل الحكومة، لأننا اعتبرناها حكومة انقاذية. ونأسف تعليقها عند أوّل معطف، خصوصاً في هذا التوقيت المشبوه». واعتبر، «أنّ الوقت الآن هو للإنصراف الى هموم الناس وشؤونهم وتحديداً الوضع الاقتصادي، بدل التلهي بعملية «تكسير الرؤوس»، لأنّ انهيار الدولة سيرتدّ على الجميع». 

وعن كلام ارسلان قال سعد: «يعيط» بمقدار ما يشاء، إذا لم يكن لدى الفريق الذي يدعمه نيّة لتهدئته فنحن في صلب مشكلة كبيرة، الطابة ليست في ملعب المير طلال إنما في ملعب الذين يدعمونه، فوحده لا يمكنه تعطيل الحكومة، أتمنى أن يعي الجميع خطورة المرحلة». وأضاف: «قسم كبير من فريق الثامن من آذار يعيدنا بالذاكرة الى أيام التعطيل، فيما تعويلنا على القسم الذي يعي خطورة المرحلة، ونتمنى أن يقوموا بدورهم بغض النظر عن التحالفات السياسية».

النفايات مجدداً
وفي موازاة الأزمة السياسية العاصفة بالبلد وحكومته، عادت أزمة النفايات لتعصف بيوميات اللبنانيين وتهدّد الشوارع بالإغراق مجدداً، وهذه المرة من مطمر «الكوستا برافا»، بعد تهديد اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت بإقفاله في وجه النفايات الوافدة إليه من كل المناطق، ما عدا نفايات الضاحية والشويفات.

وحلّت هذه الأزمة ساخنة على طاولة السراي الحكومي خلال اجتماع الحريري بوفد بلديات الضاحية الجنوبية والشويفات في حضور وزراء المال علي حسن خليل وشؤون مجلس النواب محمود قماطي والبيئة فادي جريصاتي ورئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام، وعدد من رؤساء البلديات المعنيّة. وتلاه إجتماعٌ لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة، الذي أكّد رئيسه محمد درغام لـ«الجمهورية»، أنّ «القرار النهائي» في هذه القضية يصدر اليوم. ثم كان إجتماع للحريري مع وزير البيئة ونواب المتن، أكّد خلاله رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل موقفه الرافض توسيع مكبي الدورة وبرج حمود بعد الضرر البيئي الكبير الذي أصاب المنطقة، وطرح الجميل بدائل عملية للمكبين على المديين القريب والبعيد.

حلّ رباعي
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، إن خريطة الطريق التي طُرحت خلال الاجتماع في السراي الحكومي، تلحظ تنفيذ حل مرحلي وآخر جذري، وفق روزنامة محددة. واشارت الى انّ الحل الجذري يتضمن اعتماد محارق مركزية تتوزع على دير عمار في الشمال، والزهراني في الجنوب، ومكان لم يتمّ تحديده بعد في بيروت، موضحة انّ انجاز المحارق يحتاج الى اربع سنوات.

واشارت المصادر، الى انّه لا بدّ خلال هذه المدة من ايجاد مطامر اضافية لأنّ مطمر «الكوستا برافا» لا يكفي وحده لاحتواء النفايات على امتداد اربع سنوات. وقالت، انّ الخطة المقترحة تلحظ إحداث مطمر لنفايات الشوف وعاليه، علماً انّ القرار بإيجاد هذا المطمر كان متخذاً من قبل مجلس الوزراء في السابق لكن لم يتم تطبيقه، والمقترح الآن ان يكون مكانه في الناعمة أو ضهر المغارة.

واوضحت المصادر، انّ الخطة تشمل تسديد دفعة من المستحقات المجمّدة عن عامي 2017 و2018 والتي تعود الى اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، كاشفة انّه تقرّر البدء في تسديد جزء من المبالغ المتراكمة خلال اسبوع.

وكشفت انّ هناك اتجاهاً نحو الحزم في تنفيذ الخطة الانقاذية بعد اقرارها، «حتى لو اضطررنا الى ان نرفق القرارات التي ستصدرلاحقاً باستخدام هيبة الدولة من اجل ضمان تطبيقها بمعزل عمّن يقبل بها أو لا يقبل، وذلك على قاعدة: كفى دلعاً. واكّدت المصادر انّ اتحاد بلديات الضاحية والشويفات سيتخذ اليوم قراره في شأن وضع «الكوستا برافا»، بعد التدقيق في جدّية خريطة الطريق، ليبنى على الشيء مقتضاه.

واعتبرت المصادر، انّ هناك حاجة الى مهلة شهرين، ليتخذ مجلس الوزراء القرارات المطلوبة للمعالجة والانطلاق نحو تنفيذها، وبالتالي ينبغي ان يستمر مطمر «الكوستا برافا» في استقبال النفايات خلال هذه الفترة. واكدت ان هناك جدّية لدى الحريري ووزير البيئة و»حزب الله» وحركة «امل» في التعاطي مع هذا الملف. 

الى ذلك، اعتبرت اوساط قريبة من «حزب الله»، «انّ اتحاد بلديات الضاحية انما دقّ جرس الانذار تجنباً لإنفجار ازمة النفايات على نطاق واسع، معتبرة أنّ اعلانه عن عدم قدرة «الكوستا برافا» على تحمّل كميات اضافية من نفايات المناطق هو الذي دفع في اتجاه البحث في الحلول النهائية.
وجزمت الاوساط، «أنّ ما من ابعاد سياسية بتاتاً لموقف الاتحاد، واي استنتاجات سياسية هي مجرد سخافات».

ترسيم الحدود
من جهة ثانية، وفيما تتردّد معلومات عن انّ الوسيط الاميركي الجديد في ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل ديفيد شينكر، الذي خلف ديفيد ساترفيلد في هذه المهمة سيزور لبنان قريباً، نقل نواب عن بري تأكيده خلال «لقاء الاربعاء النيابي» حصول «تقدّم إيجابي في ملف الحدود النفطية براً وبحراً»، معتبراً «انّ مشروع الإتفاق الذي يتضمن 6 نقاط قد تمّ إنجاز 90% منه وبقيت نقطة واحدة ما زالت قيد البحث والنقاش وتتعلق بالترسيم براً وبحراً معاً»، وأكّد انه «متفائل بإمكانية التوصل الى حل نهائي لهذا الملف». 

ردٌ على التهديد
وعلى صعيد التهديدات الاسرائيلية بتدمير البنية التحتية اللبنانية، طالب لبنان مجلس الأمن الدولي أمس بعدم التزام الصمت إزاء هذه التهديدات، بعد ادّعاء تل أبيب أمام المجلس، أنّ إيران تستغل ميناء بيروت لتهريب أسلحة إلى «حزب الله».

وقالت مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة أمل مدللين «إنّ اللبنانيين يرون أنّ مثل هذه التصريحات تمثل تهديداً مباشراً للسلام والبنية التحتية المدنية». وأضافت: «إذا كان يستخدم (تلك التهديدات) ليعدّ العدّة والمجتمع الدولي لشن هجوم على المطارات والموانئ المدنية للبنان وبنيته التحتية مثلما فعلوا في عام 2006 فإن على هذا المجلس أن لا يلتزم الصمت».

وكان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون قد زعم، أنّه في عامي 2018 و 2019 «وجدت إسرائيل أنّ إيران وفيلق القدس شرعا في استخدام ميناء بيروت الذي أصبح الآن ميناء حزب الله»، حسب تعبيره.