يستعد مجلس النواب للتصويت على موازنة العام 2019 اليوم. لكن المفارقة انّ المشكلات الحقيقية، أقلها ترميم وضع الحكومة المهشم، ستظهر بعد إقرار هذه الموازنة التي يتفق الجميع، بمن فيهم من يصوّت لمصلحة إمرارها، انّها موازنة هزيلة وارقامها لا تتمتع بالصدقية، وبنودها الاصلاحية تكاد لا تُرى.

في هذا السياق سجّلت مصادر نيابية مطلعة مجموعة ملاحظات حول الموازنة أهمها ثلاث:
ـ أولاً، كيف سيتم الالتزام بأرقام العجز اذا كانت الموازنة مصممة لتخدم 12 شهراً، لكنها لن تُطبّق فعلياً سوى في خلال 5 أشهر في أحسن تقدير؟

 

- ثانياً، ما هي السبل التي ستُعتمد لمعالجة الثغرة الفاضحة التي تسبّب بها ملف الاكتتاب بفائدة 1% في سندات الـ11 الف مليار ليرة؟

- ثالثاً، كيف سيتقبّل المواطن فرض ضريبة جديدة عليه رغم الوعود التي قطعتها الحكومة بعدم فرض ضرائب جديدة. والأهم ما هي تداعيات هذه الضريبة التي ستُفرض على شكل رسم على الاستيراد بنسبة 3%، تشمل كل السلع التي تخضع لضريبة القيمة المضافة؟ وقد كشف خبراء لـ«الجمهورية» انّ هذا الرسم سيؤدي الى ارتفاع اسعار السلع نحو 5%. 

وحسب معلومات لـ«الجمهورية»، فإنّ الموازنة ستُمرّر بأصوات نواب كتل «المستقبل» و«لبنان القوي» و«التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» و«المردة»، وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي، إلاّ انّ خريطة الأصوات التي قد تحصل عليها، لن تتجاوز الـ90 صوتاً، نظراً الى امتناع كتلة «القوات اللبنانية» (15 صوتاً)، اضافة الى النائب جميل السيد وربما النائب فريد هيكل الخازن، فيما سيصوّت ضدها، نواب حزب الكتائب (3 نواب)، والنواب: اسامة سعد، فيصل كرامي، جهاد الصمد، بولا يعقوبيان، وربما النائب شامل روكز، الى جانب غياب عدد من النواب بينهم النائب ميشال المر، والوزير جبران باسيل، والنواب علي بزي وهاغوب بقرادونيان ونواف الموسوي.

المناقشات
وكانت المناقشات النيابية التي امتدت الى عشرين ساعة كلام خلال الايام الثلاثة الماضية، قد انتهت امس، بعدما توالى على الكلام 52 نائباً اضافة الى رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل. ورفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الى الثالثة بعد ظهر اليوم ليصار الى مناقشة مشروع قانون الموازنة بنداً بنداً والتصويت عليها.

خليل
وكان للوزير خليل كلمة ردّ فيها على مداخلات النواب فقال: «كنت آمل في أن نترجم نتائج النقاش اقتراحات عملية لا النقد المجرّد فقط». ولفت الى انّ «الموازنة لا ترضي طموحنا على الاطلاق ولكنها أفضل الممكن، ومن حق النواب ان يعترضوا ويناقشوا ما اقرّه ممثلوهم في مجلس الوزراء، واؤكّد اننا نحن ايضاً اعترضنا على مواد في الموازنة، وأعلنا أننا سنصوّت ضد هذه المواد في الهيئة العامة، لكن عندما أخرجنا الموازنة في مجلس الوزراء لم يعترض عليها اي من الأفرقاء كموازنة، بل سُجلت اعتراضات على بعض المواد».

واشار خليل، الى انّه لاحظ خلال المناقشات «عدم انسجام في المواقف، اذ تبيّن، بحسب كلمات بعض النواب، وكأن الموازنة هي لقيطة، في حين انّ جميع الافرقاء شاركوا في وضع مشروع الموازنة، وعلينا ان نعي تداعيات أي موقف يصدر من قبل البعض عن المالية العامة التي تؤثر على تصنيف لبنان دولياً، ونحن في مركب واحد لا يمكن لأحد التنصّل من تداعيات ذلك على اقتصاد لبنان».

الحريري
وكان أيضاً رد للحريري على المداخلات النيابية، فقال: «لقد سمعنا من كتلة نيابية أنّ الموازنة من ضمن رؤية اقتصادية، فالرؤية الاقتصادية موجودة في البيان الوزاري وفي مؤتمر «سيدر» وعلى أساسها أخذنا الثقة». وأشار إلى «أنّ «سيدر» هو عبارة عن المشاريع التي تريد الدولة اللبنانية تنفيذها في كل القطاعات»، وقال: «بدلاً من الدين بـ14 و15 في المئة ذهبنا الى «سيدر»، مشيراً الى «أنّ تحديث القوانين الاقتصادية ورشة التزمنا بها امام اللبنانيين والاصدقاء الدائمين للبنان».

وتطرّق الحريري إلى «تحفيز القطاعات الانتاجية لزيادة النمو»، وقال: «هناك 150 مبادرة تمّ تحديدها في هذا الشأن، وهي موجودة في خطة ماكينزي، ومن لا يوافق على الرؤية الاقتصادية عليه أن يطرح رؤيته الاقتصادية». وأضاف: «ليس كل جهد يتمّ إطلاق النار عليه، فإذا كانت الحكومة فاسدة فكل الكتل النيابية الموجودة في المجلس فاسدة، واكّدت انّ موازنة عام 2019 وضعت ركيزة اساسية للاصلاح. كما انّ لا اصلاح بلا كلفة، ولا احد يتهرّب من الكلفة، ولا اصلاح بمزايدات سياسية، ولا يمكن ان نكمل بقطاع عام منتفخ».

وأشار إلى أنّ «الدور الاكبر اليوم هو للقطاع الخاص»، لافتاً إلى أنّ «هناك مؤسسات تشغلها الدولة، ولكن في كل دول العالم القطاع الخاص من يشغلها».

التمديد للحسابات
وكان المجلس النيابي صوّت مساء أمس على اقتراح القانون الذي تقدّم به النائب ألان عون بإعطاء مهلة ستة اشهر لديوان المحاسبة لانجاز التدقيق في قطوعات الحساب المالية.

 
 

قاطيشا
وقال عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب وهبة قاطيشا لـ«الجمهورية»: «إنّ مشروع الموازنة المقدّم ليس سوى عبارة عن أرقام لا تقارب الواقع الاقتصادي الحالي، في حين نحن بحاجة الى أن تضع الدّولة يدها على أموالها التي تذهب الى مؤسسات ربحية كالكهرباء وغيرها». ورأى أنّ من الضروري، بعد أن تضع الدولة يدها على أموالها، أن تشرك القطاع العام بالخاص، لأنّها أثبتت فشلها في ادارة أموالها، كذلك أثبتت عجزها»، وأكّد أنّ «غلبة القطاع العام سيُسقط الدولة». 

وشدّد قاطيشا على أنّ «نواب «القوات» لن يصوّتوا على الموازنة لأنّها لا تحارب الفساد فعلاً بل قولاً، فالكل يدرك مكامن الخلل والتهريب ولا أحد يحاربها».

ورداً على كلام الحريري في الجلسة المسائية أمس، حول الرؤية الاقتصادية، قال قاطيشا: «نختلف مع الحريري في وجهة النظر هذه. فالرؤية الاقتصادية تحمل مشاريع وأفكاراً على المدى البعيد وليس أفكارا لأشهر قليلة»، واضاف: «لسنا هنا لنختلف مع الحريري، لكنه يتّكل على أموال «سيدر» ناسياً الأموال المهدورة في لبنان، والمثال على ذلك معابر التهريب غير الشرعية في السلسلة الشرقية، والتي لو أرادوا ضبطها لتمكنوا من ذلك نظراً لسهولة الأرض وطبيعتها. لكن لا قرار بضبط الأموال السائبة».

طرابلسي
من جهته، النائب ادغار طرابلسي قال لـ«الجمهورية»، إنّ «رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي الخليل قدما دفعاً ايجابياً ودعماً كبيراً لرؤية الحكومة الاقتصادية ومشاريع «سيدر» وللموازنة المقترحة». 

وتحدّث عن اقتراح القانون الذي قدّمه تكتل «لبنان القوي» شارحاً أنه «يعطي الحكومة مهلة 6 أشهر لتقديم قطع الحساب من عام 1993 حتى 2017»، مؤكّداً أنّ «هذا الاقتراح نابع من حرص التكتل على عدم امرار أي تسوية قد تحول دون التدقيق في حسابات السنوات السابقة أو اخفاء حقيقة أرقامها أو حتّى تصفيرها، من هنا اتت هذه «الفتوى» التي تسمح التدقيق في حسابات تلك السنوات ولو بعد انتهاء المهلة الدستورية». 

ورأى طرابلسي، أنّ «تأييد معظم الكتل والهيئة العامة لهذا الاقتراح ينهي مسار سنوات من الفوضى، ويظهر الحقيقة، ويؤسس لمرحلة جديدة من انتظام العمل الدستوري والرقابي».

العمل الحكومي
وبعد الانتهاء من إقرار الموازنة اليوم، من المقرّر ان تنصّب الاهتمامات على احياء العمل الحكومي في الأيام المقبلة، عبر تأمين انعقاد مجلس الوزراء للنظر في القضايا المدرجة على جدول اعماله وموضوع احداث قبرشمون الذي يطرح البعض إدراجه في هذا الجدول وتحديد الجهة القضائية التي ستُحال اليها. 

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ العِقد التي تحول دون إيفاء الحريري بوعده عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل تتمثل في موقف النائب طلال ارسلان الذي ما زال يصرّ على عدم تسليم المسلحين الذين يحميهم الى التحقيق وفق الآلية التي إقترحها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، على رغم من انّ الحديث عن الاحالة الى المحكمة العسكرية توازي في اهميتها المجلس العدلي.

وفيما أكّدت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انها تستبعد انعقاد مجلس الوزراء قريباً، لفتت مصادر القصر الجمهوري في المقابل الى انها تترقب «اجواء وخطوات ايجابية تؤدي الى احياء العمل الحكومي في وقت قريب».

ولوحظ انّه وللمرة الأولى لم يزر اللواء ابراهيم قصر بعبدا امس او أياً من المواقع الأخرى، ما يعني انه يواصل مهمته بصمت وتكتم توصلاً للإتفاق على حل يقضي بإحالة أحداث قبرشمون الى المحكمة العسكرية، وهو امر يحتاج الى موافقة ارسلان ايضاً، في وقت ترددت معلومات عن انّ ارسلان بات اسير مواقفه، فلا يمكنه الاستمرار في رفض تسليم مسلحيه الى ما شاء الله، وانّ الحديث عن لجنة قضائية أو لجنة تحقيق موسعة قد يكون المخرج لتفادي «الفيتوات» المتبادلة حول دور الأجهزة الأمنية التي تحقق في الأحداث على رغم أنها جميعها معنية وبذلت جهوداً كبيرة واكتملت الصورة امامها ولم تعد تحتاج سوى الى التحقيقات لإثبات الوقوعات.

وقال مصدر مواكب للاتصالات في شأن ملف حادثة قبرشمون لـ«الجمهورية»، انّ محاولات ايجاد حلول وسط او تسويات للتوفيق بين طروحات القوى المعنية لم تؤدِ بعد الى إحداث اي خرق حقيقي. وتوقّع المصدر ان تتبلور النتائج المرجوة خلال الفترة الممتدة حتى منتصف الاسبوع المقبل، موضحا «انّ خيار التصويت في مجلس الوزراء على الاحالة الى المجلس العدلي يتقدّم انما لم يُحسم بعد».

«فتح» تعارض الاعتصام
من جهة ثانية، اكّدت مصادر حركة «فتح» لـ«الجمهورية»، انّ السلطة الوطنية في رام الله اعطت توجيهاتها بمنع اي تحرّك اعتراضي على قرار وزارة العمل اللبنانية خارج المخيمات الفلسطينية، على ان تُقتصر في داخلها على التعبير السلمي ومنع خرق الاطارات. وكشفت المصادر نفسها، انّ «فتح» تواصلت مع الاجهزة الامنية اللبنانية للتأكيد أنّها ليست الجهة الداعية الى الاعتصام امام جامع الامام علي في محلة «الطريق الجديدة» في بيروت، بعد صلاة الجمعة اليوم، وان توجيهات الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية اعطيت للتعاون التام مع السلطات الامنية لضبط أي خلل. واكّدت المصادر «انّ الحوار الرسمي اللبناني ـ الفلسطيني مستمر لايجاد حل يرضي جميع الاطراف».