سيكون من شأن تقدم المرأة التونسية في الحياة السياسية أن يفتح جبهة الإصلاح، وهو ما يمكن أن يشكل بداية حقيقية لبناء عقد اجتماعي، تكون النزاهة أساسه.
 

إذا ما حكمت تونس امرأة فذلك يعد بحق انقلابا حقيقيا في الحياة السياسية العربية. هناك مرشحات متوقّعات لمنصب الرئاسة وهو تطور إيجابي، غير أن الكثيرين في تونس، أو في العالم العربي على حد سواء، يتعاملون مع ذلك الحدث باعتباره ظاهرة رمزية ليس إلا.

كما لو أن وجود المرأة في الحياة السياسية بالنسبة للبعض هو فكرة تجميلية من أجل أن لا يكون هناك نقص في المشهد، وهو الرهان المبرمج في سياق دعاية انتخابية الذي لجأت إليه حركة النهضة، ذات التوجه الإخواني في الانتخابات البلدية ونجحت فيه.

كانت هناك ثغرة في المشهد تمت معالجتها من خلال دفع عدد من النساء، سافرات ومحجبات إلى الواجهة التي تظهر من خلالها المرأة باعتبارها جزءا من النسيج السياسي المعاصر، أي نسيج ما بعد الثورة. غير أن تلك الواجهة تظل محدودة الأهمية قياسا بالوصول إلى قصر قرطاج.

وإذا ما كانت حركة النهضة قد سبقت الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى في حيلتها النسوية، فإن المحاولة النسوية الحالية للقفز على شروط تلك الحركة المدعومة من قبل دول إقليمية قد تواجه بعزوف شعبي انطلاقا من عدم الثقة بالمرأة التي هي جزء من مسلمات النظرية الدينية بكل ما تنطوي عليه من شك في أهلية المرأة للحكم.

طموح النساء التونسيات للوصول إلى قصر قرطاج له ما يبرره على مستوى الواقع، لا على مستوى الخيال والأمل. فالمرأة التونسية هي التي أسقطت حكم “النهضة” بعد ثلاث سنوات، أظهرت الحركة فيها حقيقة موقفها المعادي لحقوق المرأة. ذلك إنجاز كان من الممكن أن يُنظرَ إليه باعتباره حدثا تاريخيا لولا أن الأحزاب المدنية، وفي مقدمتها نداء تونس، لم تستفد منه في تكريس وجود المرأة باعتباره واحدة من أهم حقائق المشهد السياسي.

وكما يبدو فإن المرأة استثمرت كفاحها في فضاء ذكوري لم يكن أحد فيه يؤمن بأهليتها للحكم وقدرتها على تصريف شؤون الدولة. نتيجة يائسة دفعت بعدد من النساء إلى إعلان تحديهن لمنطق الأحزاب القائمة، والقفز على خطوطها من أجل إنجاز اقتراع شعبي قد لا تكون نتيجته مرضية لهن.

في المرحلة القادمة لن يكون هناك يسار ويمين بعد أن فقد الاثنان قدرتهما على أن يبرمجا وجودهما، ففي سياق مشاريع سياسية واضحة سيكون هناك صراع معلن بين النساء والرجال على نيل ثقة الشعب.

مَن يحكم مَن؟

لن يكون هاجس المرأة، التي أصر الرجال على إبقائها في الهامش من الحياة السياسية، أن تؤكد عزمها على أن يأخذ الرجل مكانها في ذلك الهامش في نقلة نوعية تاريخيا في مفهوم الحكم. غير أنها بالتأكيد ستحدث تغييرا شاملا في مبادئ الحكم وأولوياته من خلال تبنيها لمشاريع اجتماعية واقتصادية لم يتم طرحها أو التطرق إليها عبر سنوات ما بعد الثورة.

في بادئ الأمر لن تكون هناك مشكلة حكم إذا ما نجحت المرأة في تولي زمام الأمور. سيكون تمرينا في السياسة أن لا تكون هناك مشكلة حكم بعد أن قضى الرجال ثماني سنوات وهم يخوضون في فوضى ارتجالهم لتلك المشكلة.

أنا على يقين من أن المرأة ستنتقل بتونس إلى مواجهة مشكلاتها الحقيقية بعيدا عن مشكلات النخب الحاكمة. في إمكان المرأة أن تقفز على المشكلات الحزبية لتبدأ بالجانب الخدمي من مهمات الدولة، وهو ما يحتاجه ويتطلع إليه الشعب الذي لا يعنيه مَن يحكمه بقدر اهتمامه بالطريقة التي تيسر عليه الحصول على الخدمات التي يرغب فيها.

وجود النساء في دائرة الحكم سيؤدي إلى إصلاح شيء مما أفسده الرجال. ذلك مؤكد. غير أن ما تحتاجه المرأة التونسية في هذه المرحلة الحساسة أن تغادر منطقة الثقة الذكورية لتثق بنفسها. وهو ما يتطلب تضامنا نسويا يهدف إلى الخروج من وصاية الرجل على الحياة السياسية التي باتت أشبه بالدائرة المغلقة على أحزاب يقودها الرجال.

سيكون من شأن تقدم المرأة التونسية في الحياة السياسية أن يفتح جبهة الإصلاح، وهو ما يمكن أن يشكل بداية حقيقية لبناء عقد اجتماعي تكون النزاهة أساسه.