في ذروة الأزمة الداخلية، وبالتزامن مع وصول مساعد وزير الخارجية دايفيد ساترفيلد الى بيروت، في سياق الاتصالات التي يجريها لإطلاق مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، يبرز الضغط الاميركي المتواصل في اتجاه «حزب الله».
جديد هذا الضغط، ما أعلنه وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، «أنّ «حزب الله» يستخدم عمليات تهريب المخدرات في فنزويلا لتمويل عملياته».
وبحسب مجلة «واشنطن إغزامينر»، تحدّث بومبيو عن عمليات «حزب الله» في فنزويلا، خلال جلسة لمجلس الشيوخ بعد ظهر الثلاثاء قائلاً: «إنها في الغالب مشاريع لكسب المال». وأضاف موضحاً: «هذا يعني أنّها مصمّمة لتوليد إيرادات لـ«حزب الله» وأنشطته، التي تتمّ إلى حد كبير في الشرق الأوسط، لمساعدتهم على دفع الرواتب في جميع أنحاء المنطقة».
وفي وقت سابق من الجلسة، أشار بومبيو إلى أنّ «عملاء «حزب الله» ليسوا على رأس القائمة من حيث الجهات الفاعلة السيئة بالنسبة الى حجم المخدرات التي يتم تهريبها إلى الولايات المتحدة، لكن العمليات التي يقومون بها يصعب للغاية إحباطها، هذا لا يعني أننا نستسلم، نحن بالتأكيد نعمل على ذلك، لدينا أشخاص يعملون على الحدود بين فنزويلا وكولومبيا، والحدود البرازيلية، وجميع الأماكن التي يمكننا الوصول إليها، غير أنّه في حالة فنزويلا، حيث لم يعد لدينا سفارة هناك، فمن الصعب القيام بذلك».

مفاوضات الحدود
في هذا الوقت، بدأ ساترفيلد مشاوراته في بيروت امس، التي سينتقل منها الى اسرائيل، وسط حديث عن قرب موعد إطلاق المفاوضات بين لبنان واسرائيل في مقرّ الامم المتحدة في الناقورة وتحت علم الامم المتحدة وفي حضور ممثل عن الوسيط الاميركي، حيث رُجّح ان تبدأ هذه المفاوضات في نهاية الشهر الجاري، في حال أُمكن تذليل بعض العقبات التي ما زالت تعترض انطلاقها.
وأكدت مصادر مواكبة لهذا الملف لــ«الجمهورية» انّ موضوع حصر المفاوضات بستة اشهر وفق ما طلب الجانب الاسرائيلي، لم يعد عقبة امام المفاوضات، بل يمكن القول انّه قد تمّ تجاوزه، الّا انّ مسألة اساسية ما زالت قيد العلاج وتتعلق ببرج المراقبة الحديدي الذي ثبتته اسرائيل فوق الجدار الاسمنتي قبالة الطريق الداخلية التي تربط بوابة فاطمة بسهل الخيام، مجهزاً بأجهزة تجسس.
وأشارت المصادر الى انّ لبنان يطالب بإزالة هذا البرج، ملوّحاً انه في حال امتنع الاسرائيليون عن إزالته، فليس ما يمنع لبنان في هذه الحالة من ان يقيم برجاً لبنانياً مماثلاً في المنطقة. على انّ اللافت ما أعلنته اسرائيل امس الأربعاء في بيان مقتضب: «انّ قوة عسكرية رصدت طائرة مسيّرة دخلت من الأجواء اللبنانية إلى المجال الجوي الاسرائيلي، وقد عادت الطائرة إلى لبنان، حيث كانت تحت متابعة القوات»، من دون أن يقدّم البيان اي تفاصيل اضافية، كما لم يؤكّد او ينفي اي طرف من الجانب اللبناني صحة هذا الامر.
وشملت لقاءات ساترفيلد امس، الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ووزيرة الطاقة ندى بستاني وقائد الجيش العماد جوزف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في حضور السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد.
ولفت بعد لقاء ساترفيلد الرئيس بري الاعلان في عين التينة انّه «تمّ استكمال البحث في موضوع الحدود البحرية والبرية، حيث وصلت الامور الى دقائقها ودقّتها في الحفاظ على كامل الحقوق اللبنانية».
كما لفتت التغريدة التي اطلقتها وزيرة الطاقة على حسابها على «تويتر» وفيها: «اجتماع إيجابي مع مساعد وزير الخارجية الأميركية، وأبلغني أنّ الإدارة الأميركية تشجع الشركات على الاستثمار في قطاع النفط في لبنان».

أوراق التوت تتساقط
منذ منتصف شباط الماضي، عندما اعلنت الحكومة انها زيّتت محرّكاتها وانطلقت في اتجاه ما سمّاه القيّمون عليها «العمل المجدي والمنتج»، لا يكاد يمضي يوم الّا وتنكشف واحدة من «أرشيف صور» الفساد المريع، او تسقط ورقة توت عن واحدة من كومة العورات والارتكابات واللصوصية التي تجتاح البلد في كل مفاصله. وفي المقابل، سيلان كلامي يتدفق على المنابر فقط، ووعيد وتهديد بالاقتصاص من المرتكبين، وأما على ارض الواقع فتبدو محرّكات المحاسبة مطفأة، ولا اثر لهذا الكلام، بل لا أحد يحرّك ساكناً، ولم تلمس الناس على الارض ولو مبادرة واحدة متواضعة لمحاسبة مرتكب او فاسد او مفسد.
وآخر بدع الفساد، او بالأحرى اللصوصية، هو «المدارس الوهمية»، وأزمة طلبات الترشيح لشهادة «البروفيه»، لتنضم تلك المدارس الى مسلسل الجمعيات الوهمية والأموال الطائلة التي دُفعت لها، والشهادات المزورة في هذا القطاع الوظيفي او ذاك، والصناديق الوهمية في بعض المؤسسات، والوظائف الوهمية وغيرها وغيرها.

«بلدنا فلتان»
هذه الصور المعيبة، هي التي نقدّمها الى الخارج، كما يقول مسؤول كبير، لـ»الجمهورية»، ويضيف: «مع الاسف «بلدنا فلتان» على كل المستويات، ومصاب بمرض لا شفاء منه؛ صارت اللصوصية احترافاً، في حالة المدارس الوهمية، صرنا أمام لصوص لا يعذبون أنفسهم بالذهاب الى الناس ليسرقوهم، بل يأتون بالناس اليهم فيسرقوهم بكل هدوء وبلا اي عناء. لكن المريب في الأمر هو انّ هذه المدارس ليست وليدة اليوم، بل هي مستمرة منذ سنوات طويلة، وبالتالي لا بدّ من محاسبتها».
ويضيف المسؤول عينه: «أستغرب بعض الكلام الذي يصدر عن خبراء في الاقتصاد وعالم المال، ويقول ان لا خوف على لبنان من الإفلاس، فهو غير اليونان، فأنا أُخَطِّىء هؤلاء، لأنّ ما نعانيه من فساد هو اخطر ممّا عانته اليونان من إفلاسها وعجزها المالي، ونتيجة هذا الفساد والتقصير في مكافحته الجدّية، هي أكثر ايلاماً مما حصل في اليونان. فاليونان وجدت في أزمتها من يعينها من الاوروبيين، واما نحن إن اسقطنا الفساد في المصيبة الكبرى، فمن سيعيننا، لا أحد».
هذا الوضع، وصفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بغير السليم وقال: «إنّ امام الحكومة مهمات جساماً، ولا بدّ من عمل حكومي جامع وجدّي للتصدّي للأزمات التي يعانيها البلد، وانقاذه وخصوصاً على المستوى الاقتصادي».

 
 

لقاء ممتاز
في موازاة هذا الواقع، بدأت العجلة السياسية بالدوران، حول تسوية سياسية - رئاسية مصابة بشظايا السجالات الاخيرة، وحكومة تتجاذبها خلافات وتناقضات مكوناتها.
فقد شكّل اللقاء امس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري في القصر الجمهوري في بعبدا، وهو الاول بينهما، منذ ما قبل عطلة عيد الفطر، نقطة انفراج ملحوظة على هذا الصعيد، وخصوصاً بعد الكلام الكثير الذي رافق الاشتباك السياسي العنيف بين «تيار المستقبل» و»التيار الوطني الحر» في الآونة الاخيرة وكاد يصل الى حد نعي التسوية السياسية.
وبحسب الأجواء المحيطة باللقاء، انه كان ودياً جداً وممتازاً وايجابياً بكل المواصفات السياسية والحكومية والوطنية. حيث عبّر الرئيسان عن الحاجة الى حماية التسوية السياسية التي شكّلت مدخلاً الى الأمن والإستقرار وضرورة إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لمتابعة الملفات ومعالجة العالقة منها على كل المستويات، بغية الإقلاع بمسيرة النهوض وتزخيم المبادرات التي تعزّز الثقة بين اللبنانيين وتجنّب ما يفاقم التفرقة وإثارة النعرات .
وبحسب مصادر معنية، فإنّ الرئيسين عون والحريري اتفقا على تزخيم العمل الحكومي على كل المستويات والإسراع في معالجة ما هو مطروح من قضايا وملفات، والعمل على عقد جلستين لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل للبت بالبنود العالقة في أدراج الأمانة العامة منذ اكثر من شهر عدا عن تلك المرجأة من قبل.
وكان موضوع الحدود محل بحث بين الرئيسين عون والحريري، حيث وضع رئيس الحكومة رئيس الجمهورية في جو لقائه مع ساترفيلد وما نقله من أجواء وشروط، لافتاً الى انّه لم يأتِ بعد بما يؤدي الى الآلية التي يمكن ان تسلكها المفاوضات بعد الموافقة على عقدها.
وفور عودته الى «بيت الوسط» عكس الرئيس الحريري ارتياحه امام زواره. ولفت الى النتائج الإيجابية للقائه مع رئيس الجمهورية وطمأن الى انّه كان شاملاً ولم يوفّر اي موضوع على الساحتين اللبنانية والإقليمية، مكرراً ما عكسته مصادر بعبدا لجهة التفاهم على جلستين لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل وتزخيم العمل الحكومي.

جنبلاط: حكمة هائلة
في هذا الوقت، ما زالت العلاقة بين «تيار المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي» ومن خلفهما الرئيس الحريري ورئيس «التقدمي» وليد جنبلاط في خانة التوتر الذي تفاقم في الآونة الاخيرة جرّاء الخلاف على بلدية شحيم ونسف اتفاق المداورة على رئاسة البلدية في السنوات الثلاث الاولى لـ «المستقبل»، والثلاث سنوات التالية للحزب «التقدمي».
على انّ اللافت للانتباه امس، هو الخطوة التي اعتبرها «التقدمي» مريبة، عبر تعمّد بعض الجهات الى نشر صورة قديمة لوزير التربية اكرم شهيب، في ذروة الأزمة التي استُجدت حول المدارس الوهمية وطلبات الترشيح لطلاب البريفيه التي لم تقدّمها تلك المدارس للاستحصال عليها بحسب الاصول القانونية.
وبدا واضحاً انّ وقع هذه الصورة كان شديد السلبية لدى جنبلاط، الذي ادرجها في خانة التحريض على الوزير شهيب. وقال جنبلاط لـ»الجمهورية»: «هناك من استحضر صورة قديمة من زمن الحرب والاحتلال الاسرائيلي، للتحريض على اكرم شهيب، الذي سعى في تلك الفترة الى تجنيب مدينة عاليه التوتر ونزع فتيله، قبل ان يُشعل الاسرائيليون الحرب في الحي الغربي للمدينة آنذاك، وتعمّد نشر هذه الصورة على مواقع التواصل. هذا أمر معيب، وتحريض واضح».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان هناك لقاء قريب بينه وبين رئيس الحكومة، قال جنبلاط: «لم اسمع بذلك، ما عندي خبر».
وحول الوضع الحكومي وما اذا كانت السجالات والخلافات التي حصلت قد اثّرت على الحكومة، قال: «هذه الحكومة يديروها متل ما بدهم بالحكمة الهائلة اللي عندهم، ونحن ولاد».

«القوات»: لنواجه الأزمة
وفي السياق، أملت «القوات اللبنانية» ان تشكّل الأزمات التي شهدتها البلاد في الأيام أو الأسابيع الأخيرة درساً لكل من يفتعل هذه الأزمات، وقبل ان تخرج الأمور عن السيطرة. وهذا ما يفسّر الحدّية والصراحة التي تحدث فيها رئيس الحكومة، فيما لا مصلحة على الإطلاق بإبقاء السخونة سيّدة الموقف في مواجهات متنقلة ومفتعلة افتعالاً.
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»، «انّ البعض يتصرّف وكأن البلاد في أفضل أحوالها، فيما المطلوب تضافر كل الجهود لمواجهة الأزمة الاقتصادية، والابتعاد عن التضليل والمزايدات والانكباب على إقرار موازنة على قدر المرحلة وتحدّياتها وليس أقل من ذلك».
واعتبرت المصادر، انّ المطلوب مع الانطلاقة المتجدّدة للحكومة الأسبوع المقبل تعديل الممارسة القائمة بالذهاب أكثر فأكثر باتجاه العمل المؤسساتي المستند إلى الدستور والقوانين والآليات، والابتعاد عن المنطق المحاصصاتي الذي دمّر ويدمِّر الدولة في لبنان.
وقالت، «انّ «القوات» لن تقف مكتوفة اليدين حيال اي ممارسة خارجة عن منطوق الدولة والمؤسسات»، وشدّدت على «ضرورة تغيير النهج المتبع وإلّا «تيتي تيتي»، ما يعني انّ التدهور سيواصل شق طريقه، وستكون الحكومة في وادٍ والناس في وادٍ آخر».

وفد روسي
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ وفداً روسياً رفيع المستوى سيصل الى لبنان مطلع الأسبوع المقبل لمتابعة المبادرة الروسية بشأن ملف النازحين السوريين، ويتضمن جدول اعمال الوفد لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، في وقت لم يتحدّد حتى الساعة من تلك المواعيد سوى موعد لقائهم مع رئيس الحكومة سعد الحريري . كما علمت الجمهورية من أوساط مرافقة للوفد بأن أعضاءه ملمّون بالملف السوري، وهم الذين يفاوضون أيضاً مع الجانب الإيراني.