دعا المفتي الدكتور محمد رشيد راغب قباني، في تصريح له بداية شهر رمضان المبارك، إلى "التمسك بثوابت الوطن والأمة والإصرار على انتزاعها من الخلافات الوطنية والعربية". 


وقال قباني: "شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي أنزل الله فيه آخر كتاب وهو القرآن الكريم، على آخر نبي ورسول هو محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشر جميعا "هدى للناس".

اضاف: "في بداية شهر رمضان المبارك، ونحن نستجمع فرحتنا بحلول الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن "هدى للناس" لا تغادرنا آلام النكبات التي نعيشها في وطننا لبنان وفي محيطنا في بلاد العرب والمسلمين".

وتابع: "في لبنان فأسوأ المشاهد اليومية في ما نراه، هو مشهد الشعب اللبناني المعدم الذي استنزف في لقمة عيشه وعيش أولاده وأسرته وما زالت الدولة تستنزفه بفرض الضرائب والرسوم الإضافية على معاملاته الرسمية وعلى لقمة عيشه. تفكر الدولة في اقتطاع جزء من رواتب الموظفين في المؤسسات العامة بعد ان أصبحت تلك الرواتب حقا مكتسبا للموظف ذي الدخل المحدود، ويوشك أن يتعدى هذا التعدي إلى رواتب موظفي وعمال المؤسسات الخاصة إذا نجحت الفكرة، بدلا من أن تحد الدولة من سمسرات عقود شراء احتياجات مؤسساتها وتجهيزاتها واستئجار مبانيها، ومن سمسرات تلزيمات مشروعاتها وإعادة تلزيمها وفرض رقابة عليا إضافية على رقابة جودة وسلامة تنفيذها وضمان سلامة تشغيلها".

ورأى ان "الدولة تعلم يقينا أن المواطن يرزح تحت ديون فردية كثيرة في حاجاته المعيشية والصحية والعلاجية والاستشفائية والتعليمية يعجز غالبا عن سدادها ما يجعل البلد يصدأ ويتآكل وتتآكل معه كل مكوناته وإمكاناته ويتدحرج بسرعة في واد سحيق". وقال: "حري بالدولة أن تعلم أن غلاء المعيشة واستئثار البنوك بحبس الأموال وتسليف أموال المودعين للدولة عن طريق السندات يمنع الدورة الاقتصادية للمال وتشغيله في الاستثمار والانماء والتنمية والانتاج ويبشرنا ذلك بوشوك انهيار النظام المالي اللبناني والنظام العام الذي لا يمكن أن يصمد طويلا في ظل استمرار الظروف الحالية".

وتابع: "في لبنان أيضا معتقلون في السجون اللبنانية منذ أكثر من عشر سنوات بلا تهم ولا محاكمات تحت مسمى "الموقوفون الإسلاميون"، هذا الملف الذي أصاب بنكباته وويلاته عائلات لبنانية كثيرة بأبآئها وأبنائها وأزواجها، وهذا الظلم اللاحق بتلك العائلات المنكوبة لا بد من وضع الدولة والقضاء معا حدا له بوصفه ملفا سياسيا - قضائيا، وإطلاق سراح الأبرياء والمظلومين منهم، وشمول المحكومين منهم بالعفو العام المتوقع، وطي صفحة ما يسمى بالموقوفين الإسلاميين من تاريخ النظام اللبناني وآثارها نهائيا وكليا، لأن استمرارها سيكون قنبلة التفجير الموقوتة التي قد يستغلها رعاة الإرهاب الدولي لتوليد إرهاب جديد يغرق لبنان مجددا في دواماته المتتابعة".

وقال قباني: "على الصعيد اللبناني والعربي، تأتي قضية فلسطين العربية المحتلة وعاصمتها القدس المحتلة أيضا، والأراضي العربية المحتلة في لبنان وسوريا من قبل العدو الإسرائيلي المحتل في مقدمة وأولوية قضايا العرب والمسلمين المصيرية. ولن ترتاح منطقتنا العربية يقينا إلا بتحرير فلسطين من الاحتلال العبري ويهود وعد بلفور لها وعودتها عربية خالصة دولة وحكما وشعبا ولغة ومجتمعا مهما طال الزمن واستقوى هذا المحتل العبري الغاصب".

وأكد ان "على الدول العربية وشعوبها دينيا ووطنيا في الإسلام رفض صفقة ما يسمى بـ"صفقة القرن" وهي "صفقة الدجال" لأنها ستكون السفينة التي ستغرق أهلها وركابها، كما أغرق الله فرعون وجنوده في البحر، لرضاهم باحتلال يهود وعد بلفور أرض العرب والمسلمين في فلسطين العربية وبقية الأراضي العربية المحتلة وتسليمها للعدو اليهودي الصهيوني الأجنبي المحتل لها، وهم يصادرون بتلك الصفقة حقوق الأجيال القادمة في تحرير فلسطين.

وقال: "تبقى القدس أخيرا وجميع فلسطين العربية أرضا عربية فلسطينية خالصة كما مرتفعات الجولان أرضا عربية سورية، وكذلك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أرضا عربية لبنانية يجب تحريرها كلها لأنها حقوق لا ينتزعها منا لا الاحتلال العبري ولا قرارات الولايات المتحدة الأميركية أو غيرها من القوى العالمية الكبرى".

واشار الى "منطقتنا العربية التي مزقها الغرب بعد الحرب العالمية الأولى في اتفاقية "سايكس بيكو" في دول مستقلة عن بعضها بادية في ظاهرها وكأن بينها صلة قربى عربية، بينما هي في الواقع أجنبية عن بعضها وفي تعارض وتنافر مستمر في سياساتها وعصبيتها الجاهلية ولسنا بحاجة للتدليل والتسمية، وهي لم تفلح في ما بينها، لا في جامعة عربية ولا في سوق عربية مشتركة، ولا في اتفاقات دفاع مشترك ولا في اتحادات شكلية فاشلة، ولذلك تمكنت أميركا وأوروبا وروسيا من تقاسمها وفرض نفوذها وبسط سيطرتها عليها، وافتخرت كل دولة عربية جهارا بموالاة الدولة الأجنبية التي تدعمها وخصوصا في مواجهة بعضها، وخلف فيها من بعد ذلك خلفا أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات .. وسوف يلقون غيا وستكون عاقبة أمرهم خسرا".

ورأى انه "لن تفلح المنطقة العربية ولا دولها يقينا إلا بعودتها إلى نقاء جذورها وأصالتها وشريعتها ومقوماتها ووحدتها ونبذ خلافاتها لتكون مع بعضها البعض حقا وصدقا كالجسد الواحد إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

وقال: "من البلادة الحسية وعدم وفاء العرب لبعضهم أن نشاهد اليوم فلسطين تنزف وسوريا تتقاتل والعراق يتخبط واليمن يئن وقطر تحاصر ومصر ترزح وليبيا تتمزق والجزائر تتعثر لتنهض ولبنان يحتضر، دون مبالاة عربية وإسلامية مشتركة بمصائب المنطقة وشعوبها، وماذا يتبقى بعد كل ذلك من هذا الجسد العربي الذي أنهكه بنوه وإخوانه وأصدقاؤه وأعداؤه لنأمل فيه خيرا وعافية؟ والله المستعان".

وقال: "أيها المسلمون أيها اللبنانيون، مسؤولين ومواطنين، في شهر الصيام يستشعر الصائم أكثر من أي يوم بمن هو أدنى منه في المال والقدرة على تلبية حاجات المعيشة والدواء والعلاج والاستشفاء، وأقساط المدارس وثمن الثياب، فيجب أن يستشعر من أتاه الله مالا من فضله، ويبادر إلى مساعدة ذوي الحاجات بالمال والطعام والشراب والمواساة ولو بالقليل، وليتصالح ويتسامح الأخ مع أخيه وذوي قرباه ويترفع عن الخلافات معهم، وقد قال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

وختم: "وفقنا الله تعالى وإياكم لما فيه رضاه، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".