إذا لم يتمّ الاتفاق على معالجة قطاع الكهرباء في لبنان، فإن البنك الدولي لن يموّل أي مشاريع جديدة، حتى لو كانت مدرجة ضمن المشاريع التي التزم بها «المانحون» في مؤتمر «سيدر». هذا الموقف تبلّغه المسؤولون اللبنانيون من البنك الدولي، إلا أنه بدلاً من أن يكون حافزاً لإبعاد الملف عن التجاذبات السياسية، استعادوا سلوكهم السيئ برفع منسوب التوتّر حول ملف الكهرباء. لا ينحصر الأمر في التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، بل يشمل حركة أمل أيضاً التي بدأ نوابها يتهامسون حول انعدام جديّة الخطّة

كشفت مصادر مطلعة أن البنك الدولي أبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه يمانع تمويل أي مشروع إذا لم يتم الاتفاق على خطّة تعالج مشكلة الكهرباء في لبنان وتخفف كلفتها عن الخزينة. بالنسبة إلى البنك الدولي، هذا الموقف ثابت وليس مرتبطاً بخطّة أعدّها طرف في الحكومة، بل هو يهتم أكثر بكلفة الكهرباء على الخزينة والتي بلغت في عام 2018 نحو 1.8 مليار دولار، أي ما يزيد على 15% من إيرادات الخزينة. لذا، في ظل غياب الاتفاق على حلّ لقطاع الكهرباء، فإن العجز سيبقى مرتفعاً، ولن يتمكن لبنان من الإيفاء بتعهداته أمام الدول «المانحة» في ”سيدر»، وأبرزها خفض العجز نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 5% خلال خمس سنوات.

اللافت أن القوى السياسية على علم بموقف البنك الدولي، لكنها قرّرت أن تتجاهله وتعيد التوتير إلى ملف الكهرباء المطروح على طاولة مجلس الوزراء، حيث تناقشه لجنة وزارية يفترض بها أن تنجزه خلال الأسبوع المقبل. هذه اللجنة عقدت اجتماعاً واحداً، ويفترض أن تعقد اجتماعاً ثانياً الأسبوع المقبل. وبحسب مصادر وزارية، فإن مواقف الأطراف الممثلة في اللجنة اتّسمت بالإيجابية، وقد اتفق على الامتناع عن تسريب المناقشات، على أن توضع الملاحظات على الخطّة على طاولة اللجنة لتتم مناقشتها بهدوء.
رغم ذلك، انفجرت الأزمة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ حول هذه الخطة. وعلى مدى الأيام الأربعة الماضية، عاد سلوك تبادل الاتهامات بالتعطيل والتلميحات بالانتفاع. رئيس القوات اللبنانية، سمير جعجع، قال في مؤتمر صحافي إن «الوزير جبران باسيل تحدث عن خطة فظيعة منذ 2010، إلا أن التدخلات السياسية منعته. ولكن في السنوات الثلاث الأخيرة عندما شاركنا في الحكومة، أقول إن التدخلات السياسية لم تمنع، إنما لم نشعر بأن هناك خطوة واضحة من قبله للإتيان بالكهرباء، والأساس كان البواخر». وأوضح أن «خطة الكهرباء نظرية ولا تغير شيئاً. نحن نريد خططاً عملية»، مشيراً إلى أن لدى القوات خطّة عملية «ترتكز على أننا لن نصرف أي كيلواط على الشبكة طالما الهدر في الشبكة مستمر». وتساءل عما «يمنع تنفيذ خطوتين أساسيتين اليوم قبل الغد: الهيئة الناظمة ومجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان».
في المقابل، صرّح نائب التيار الوطني الحرّ نقولا الصحناوي لتلفزيون OTV، مشيراً إلى أن «الفريق الذي يريد تعطيل خطة الكهرباء ووضع الشروط عليها وكأنه لا يقبل بأن تنجح هذه الخطة بفضل التيار الوطني الحرّ، هو مشبوه». كذلك وجّه النائب إدي معلوف سهامه نحو جعجع من دون أن يسمّيه: «لا بالطب، ولا بالخيارات الاستراتيجية صاب. بالعدّ ما بتفهم عليه، بملف النازحين حدّث ولا حرج... وجاي ينظّر بالكهربا!».
القوات ردّت مجدداً عبر النائب حوزف اسحق الذي قال عبر «تويتر»: ”من الـ 2010 ونحنا ناطرين نظرياتكن والكهربا من سيئ لأسوأ، والهدر بالكهربا يُشكّل 40 بالمئة من عجز الموازنة هودي حساباتكن. نحنا حساباتنا شفافة ومنطقية، وحلنا إنو ما نزيد الإنتاج قبل ما نوقف الهدر التقني وغير التقني حتى لا نخسر زيادة». وغرّد مسانداً النائب جورج عقيص، موجّهاً كلاماً مباشراً «لزملائنا في تكتل «لبنان القوي»، إننا نحاول إرساء مناخ من الشفافية في العمل العام، ومن ضمنه قطاع الكهرباء، وكنا ندرك أننا سنتعرّض لحملات نتيجة هذه المحاولة، لكن صدقاً لم نتوقّعها منكم. لن يثنينا تجريحكم».


وتوسّعت الردود القواتية على مواقع التواصل الاجتماعي وشملت النائب إدي أبي اللمع الذي قال: «ليس مقبولاً أن تكون ملاحظاتنا على خطة الكهرباء موضع هجوم شخصي. نحن نريد خطوات عملية فعلية على خطة حولها التباس من أين يجب أن تبدأ. المطلوب بوضوح هيئة ناظمة ومجلس إدارة للإشراف على الخطة ومتابعة الملف».
تبادل الاتهامات ليس سوى عيّنة من النار تحت الرماد حول هذه الخطة. فالرئيس نبيه بري يعارض بشدّة خيار بواخر الكهرباء، ونوابه يهمسون أيضاً بعدم جديّة الخطة التي تتضمن «استملاكات أراضٍ لمعمل في سلعاتا بقيمة 200 مليون دولار. قدرة المعمل 550 ميغاوات، وكلفة إنشائه لا تصل إلى 500 مليون دولار، أما جدوى إنشاء هذا المعمل، فهي غير واضحة».
كل ذلك يجري تحت أعين البنك الدولي الذي التزم بمنح لبنان قروضاً بقيمة 4 مليارات دولار في مؤتمر «سيدر» تنفق على مشاريع جديدة في البنية التحتية. وهو حذّر السلطات اللبنانية من أن عدم الاتفاق على الخطّة سيؤدي إلى تعليق قروضه للبنان والتوقف عن تمويل المشاريع.