يبدو إعلان الأكراد السوريين عن نهاية دولة الخلافة مستغربا. ألم يسمعوا بما حدث في الموصل وهي عاصمة دولة الخلافة؟
 

"انتهت دولة الخلافة" خبر تناقلته الوكالات وكان الأكراد السوريون وراءه، ولكن ما الذي حدث في الموصل عام 2017 حين هُزم تنظيم داعش هناك. ألم تنته دولة الخلافة يومها؟

الأمر لا يتعلق بنهاية التنظيم الإرهابي “داعش” الذي هو النواة العقائدية والعسكرية لتلك الدولة. داعش ليس الدولة. أما الدولة نفسها فهي لم تقم أصلا. ثلاث سنوات من عمر تلك الدولة الوهمية كانت كافية لكي تكمل القوى المستفيدة من داعش تمارينها في التعذيب البشري.

الفوضى التي عاشها العراق، ومن ثم سوريا، كانت تسمح بأن تُقام دول بحجم حي صغير يفرض فيه قطاع الطرق قانونهم. هذا ما فعله داعش في المدن التي تخلت عنها دولها.

وإذا ما كان النظام السوري قد فقد السيطرة على معظم الأراضي السورية في وقت ما بسبب التنافس الدولي المحموم، فإن الأمور تبدو أشد وضوحا بالنسبة للعراق. فالتنظيم الإرهابي لم يدخل إلى الموصل خلسة. لقد تم تصوير موكبه. سيارات حوضية حديثة الصنع تحمل مقاتلين بأسلحة شخصية.

كان ذلك المشهد كفيلا بإنهاء وجود الجيش العراقي وهرب قادته إلى كردستان. ومن ثم إعلان سقوط مدينة الموصل بعد أن ترك الجيش العراقي أسلحته الأميركية الحديثة هدية للتنظيم الإرهابي. يومها أعلن أبوبكر البغدادي عن قيام دولة خلافته.

ذلك يعني أن الإعلان عن قيام تلك الدولة قد ارتبط باحتلال الموصل. ولو لم تُحتلَّ الموصل لما قامت دولة الخلافة الوهمية. وقد تكون “دولة الخلافة” فقرة مبرمجة في ما سيشهده العراق في ما بعد من تصفيات طائفية. وهو أمر يجب النظر إليه بطريقة جادة والتعرف على الخطط التي تقف وراءه.

لقد فقد نظام المحاصصة الطائفية بعد قيام دولة الخلافة توازنه، حيث شنت الحرب عام 2017 على المدن ذات الغالبية السنية باعتبارها جزءا من تلك الدولة الوهمية وتم تدميرها وتشريد سكانها.

لقد تحولت الحرب على التنظيم الإرهابي إلى مناسبة لتدمير تلك المدن.

كان الرياء العالمي يومها في أوجه. فلم يعلن أحد عن أسفه بسبب الكارثة التي أصيبت بها مدن عراقية كالموصل والرمادي والفلوجة. كانت تلك المدن جزءا من دولة الخلافة التي صار تدميرها واجبا قتاليا من أجل القضاء على تلك الدولة المزعومة.

بعد كل الذي حصل في العراق يبدو إعلان الأكراد السوريين عن نهاية دولة الخلافة مستغربا. ألم يسمعوا بما حدث في الموصل وهي عاصمة دولة الخلافة (والرقة طالما الحديث عن أكراد سوريا)؟

أعتقد أن الأكراد السوريين قد زُجَّ بهم في لعبة هي أكبر منهم. لذلك صاروا يبالغون في انتصاراتهم التي يعرفون أنها قد لا تنفعهم وهم يتنقلون مضطرين بين مربع وآخر على رقعة شطرنج هم ليسوا من لاعبيها الأساسيين.

ربما خُيل لهم أن الدعاية المضللة ستنفعهم. لذلك ارتكبوا ذلك الخطأ حين اعتقدوا أن دولة الخلافة لا تزال قائمة. وصار لانتصارهم في هذه البقعة من الأرض السورية أو تلك له معنى على المستوى التاريخي.

خطأ كردي يمكن نسيانه في خضم الأكاذيب الإعلامية.

ولكنه الخطأ الذي يكشف عن طريقة تفكير الأكراد في ما يفعلونه وهو تفكير يكشف عن ضياع للبوصلة الكردية. فمنذ بدء الأزمة السورية كان الأكراد قد أعلنوا استقلالهم بصيغة تنأى بهم عن متحاربي المستقبل، فصاروا يقاتلون يدافعون عن مناطقهم التاريخية. غير أنهم انتقلوا في ما بعد إلى مرحلة، صاروا فيها جزءا من الحرب الأهلية، ثم وُظفوا في الحرب العالمية على الإرهاب.

كانوا يعلنون بين حين وآخر عن برامجهم السياسية، وعن طبيعة علاقتهم بسوريا المستقبل التي لم تتضح صورتها بعد. غير أن ذلك كله لم يُخفف من الطوق المفروض عليهم فلم يتم القبول بهم طرفا في أي مفاوضات. ظل الأكراد يقاتلون برعاية الولايات المتحدة من غير أن يتم الاعتراف بهم سياسيا.

اليوم إذ يطلقون بالون اختبارهم الساذج معلنين نهاية دولة الخلافة، فإنهم يسعون إلى تذكير العالم بأن قتالهم كان ذا جدوى. ولكنها كذبة لن تتقدم بهم خطوة واحدة بقدر ما ستثير الضحك من حولهم.