عقدت ندوة صحافية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، عن "الحرية الاعلامية - حق ومسؤولية"، وفق المقاربات الإجتماعية والنفسية، القانونية، والشرعية. 
 
شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة ورئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، المحامون: ميشال فلاح، محمد زياد الجعفيل، الشيخ محمد أسد صفصوف، وحضرها أعضاء من اللجنة وعدد من الإعلاميين والمهتمين.
 
مطر
بداية، رحب المطران مطر بالحضور وقال: "يسرنا ان نستقبل اليوم في هذا المركز كوكبة من اهل العلم والفضيلة ونحن معهم على نغم واحد نتحدث عن موضوع جل لا بل موضوع اساس هو موضوع الحرية ومجالاتها وحدودها. الحرية هي زينة الحياة وهي العطية الاولى من الله تعالى الى الانسان، أكرمه بها، لكنه قد يسيء استعمالها وقد يفهمها فهما خاطئا ولذلك كان من الضروري أن ندرك معناها وان نحدد مجالاتها وعن ذلك اعطي مثلا: الحرية هي قيمة كبيرة ولكن هناك ايضا قيم أخرى منها قيم العقل والعدالة واحترام الآخر وكرامات الناس، لذلك اذا قلت ان حريتي هي مطلقة فهذا لا يعني انها ضد العقل والذي يمس بالجنون لا يبقى حرا، بل يقيد في السجن لئلا يضر الناس، فالحرية والعقل يتلاقيان، الحرية والعدالة ايضا، فهل انا حر بنقض العدالة مع الآخرين، كلا، هل انا حر ان احتقر الآخر، هل انا حر ان اهدم ما يبنيه الآخرون لأني حر؟"
 
وأضاف: "هناك فهم خاطئ للحرية، هي كرامة أعطاها الله للانسان لكي يعبده بحرية من دون اكراه، ولكي يتعامل مع الناس بحرية اي بمسؤولية، لذلك عنوان موضوع اليوم هو الحرية حق، هي هبة من الله ولكنها حرية مسؤولة، الحرية ليست منة من احد، هي من الله للانسان لكن الله ايضا يسأله عن حدود لهذه الحرية وعن استعمال جيد وصالح لها".
 
الجعفيل
ثم تحدث المحامي الجعفيل عن الشق القانوني، فقال: "ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي إلتزمه لبنان في مقدمة دستوره وكذلك العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية اللذين أبرمهما لبنان، على حرية التعبير والرأي والإعلام. وكذلك ينص إتفاق حقوق الطفل التي إنضم إليها لبنان على حق الطفل في حرية الفكر والتعبير".
 
وأضاف: "تشمل حرية التعبير والرأي العام وفق المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان:الحق في حرية الفكر والدين، ويشمل هذا الحق حرية الإنسان في تغيير دينه أو معتقده وإقامة الشعائر والتعليم الديني سواء بمفرده أو مع جماعة على الملأ أو على حدة، حرية إعتناق الأراء من دون مضايقة؛ والحق في إلتماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الأخرين بأي وسيلة ودونما إعتبار للحدود، وحرية التعبير. ولم تقيد هذة المواثيق الدولية الحريات الأساسية إلا إستثناء على القاعدة وبموجب قوانين صادرة عن المجلس النيابي، بالمقدار الضروري لحماية النظام العام والأمن القومي والمصلحة العامة والأخلاق العامة".
 
وتابع: "لا يجوز تقييد الحرية إلا "لضمان الإعتراف بحقوق الغير وحرياته ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي" وبالتالي كل تصرف غير محظور صراحة في النص القانوني يكون مباحا، وأما القيود القانونية أو ما يسمى بالتنظيم، فتفسر حصريا وفي شكل ضيق. وفي حال غموض النص يفسر القانون دائما لمصلحة الحرية وليست لمصلحة القيود." 
 
صفصوف
ثم كانت كلمة الشيخ المحامي صفصوف عن الشق الشرعي، فقال: "أساسا، لا أحد لديه شك أن المساحة المشتركة الموجودة بين القوانين الوضعية والشرائع السماوية غايتها واحدة هدفها واحد واستراتيجيتها واحدة ورؤيتها واحدة". 
واضاف: "أصل العبادة في الشريعة الإسلامية هو الحب، مثل كافة الإديان، وقالوا فيه هو قاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية غايتها السعادة الأبدية." 
 
وتابع: "صحيح أن معظم الأفعال التي يجرمها القانون العقابي تشكل، في الوقت نفسه، مخالفة لمبادئ الأخلاق كالقتل والإيذاء والسرقة والاعتداء على العرض والحض على الفجور والتعرض للآداب والأخلاق العامة.إلا أن هنالك عددا من الأفعال التي تحظرها الأخلاق من دون القانون، أو يجرمها القانون من دون الأخلاق، إنه التكامل.
ولأن المساحة المشتركة بين النواحي الأخلاقية والقانونية والدينية واسعة للغاية ولا يمكن تجاهلها بتاتا، ولأن العلاقة وثيقة بين القانون والدين بحيث ان القانون لا يمكنه أن يتجاهل اثر الدين تماما، ولأن الإنسان بحسب طبيعته مخلوق متدين، والشعور الديني لديه أهم خصائص رصيده الإنساني في المجتمع، إذ ان سلوك الأفراد في مختلف المجتمعات لا يفهم إلا في سياق تصورهم العام للوجود، وإن المعتقدات الدينية وتفسيراتها تعابر إحدى التصورات للعالم والتي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات".
 
فلاح
وقال المحامي فلاح عن الشق الإجتماعي والنفسي: "يعيش الإنسان في هذا العصر ضمن نطاق واسع من الحريات التي لم تكن موجوة في السابق، وذلك بسبب سعة الاطلاع والمعرفة بحياة الشعوب الأخرى. لا يوجد حرية مطلقة للإنسان فحريته مقيدة بضوابط دينية وأخلاقية تتلاءم وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه."
 
أضاف: "تعد حرية التعبير عن الرأي احد اهم الحقوق الانسانية التي تكفلها الدساتير، وتتضمن أغلب دساتير دول العالم الديمقراطية وحتى غير الديمقراطية نصوصا تؤكد احترام هذا الحق وعدم المساس به، وبذلك يعتبر هذا الحق والواجب مقدسا لا يمكن 
مصادرته أو التضييق عليه".
 
وتابع: "على رغم إن للحرية الشخصية حدودها على الدوام، لكنها في بعض الاحيان بدلا من أن تثبت القيم الإنسانية مصدرا لحدود الحرية الشخصية ليتحقق التوازن في المجتمع وفي الحياة البشرية، أصبحت المصالح المادية والسلطوية هي التي تقرر تلك الحدود، وهو واقع قائم رغم كل ما ينشر من مزاعم عن كونها حرية مطلقة، ولم يسبق تاريخيا أن وجدت حرية شخصية مطلقة، ولا توجد في الوقت الحاضر في أي بلد في العالم على الإطلاق."
 
وأضاف: "هناك اتجاه مهني واكاديمي لاعتبار أن للصحافة مسؤولية تجاه مجتمعها، فحرية الصحافة حق وواجب ومسؤولية، وان الصحافة في ظل هذا الإتجاه تقوم بخدمة المصلحة العامة من طريق نشر جميع الحقائق، وتنوير الجمهور بالحقائق والأرقام، وعلى الصحافة مراقبة أعمال الحكومة والمؤسسات المختلفة في الدول ونقدها أيضا، والصحافة تحكمها آراء المجتمع والأخلاقيات المهنية، كما أن الصحافة لا تنشر المعلومات الضارة اجتماعيا او تلك التي تمثل تعديا على الخصوصية."
 
وختم: "انصبت معظم البحوث النفسية الاجتماعية التي تدور حول وسائل الإعلام على دراسة تأثير هذه الوسائل (والتلفزيون منها خصوصا) على السلوك العدواني أو السلوك الاجتماعي المضاد للآخرين. وعلى أي حال، فإن هناك قدرا من الاهتمام بدرس العلاقة بين وسائل الإعلام والسلوك الاجتماعي الإيجابي المساعد للآخرين".
 
أبو كسم
ثم كانت كلمة للخوري ابو كسم قال فيها: "انا سعيد اليوم اننا قاربنا موضوع الحرية الاعلامية من ثلاث نواح: الناحية القانونية، الناحية الشرعية المسيحية الإسلامية ومن ناحية المجتمع لنرى مدى التأثير المباشر وغير المباشر لوسائل الاعلام على مجتمعنا وعائلاتنا واولادنا".
 
واضاف: "في كثير من الأحيان، نشاهد برامج على التلفزيون تحت عنوان الاضاءة على مشاكل معينة، ولكن من جهة ثانية تجعلها تقترب من عقول الناس، وما تحدث عنه استاذ فلاح اننا في حاجة إلى اعلام يشبهنا والا يحولنا ويغير قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وصورة بلدنا، فلبنان هو بلد محافظ في عائلاته وعاداته وتقاليده وهو غير متفلت ، ونحن نأتي باعلام متفلت وللاسف هناك من يريد أن يسير كل المجتمع على طريقته وعلى قاعدة فيها شواذ تحت ستار حرية التعبير، هذه ليست حرية، حرية الفرد تقف عندما تبدأ بمس حرية الآخرين وسمعته، فللحرية ضوابط".
 
وتابع: "نحن مدعوون اليوم إلى توجيه الاعلام ليكون اعلاما يشبهنا، هذه ليست رقابة بل ضوابط يجب أن يضعها الإعلامي لذاته، ومسؤوليتنا نحن ان نضع حدا، لا الكنيسة ولا المسجد بل للشعب ايضا رأيه الذي لا يريد للاعلام ان يدخل الى بيته ويخرب القيم التي يؤمن بها، فحقي باعلام يحترم قيمي الأخلاقية والعائلية والوطنية، وهذه مسؤولية الدولة".
 
وسأل: "أين الدولة من البرامج المنحطة على التلفزيونات، لماذا، لان لا قانون يضبط ذلك، وعندما تتقدم بدعوى الى المطبوعات تبقى في الإدراج، ويتكلمون على الحريات الاعلامية، نحن حرصاء اكثر على الحريات ونحن اب وام الصبي للحريات الاعلامية".
 
توصيات قانونية
واختتمت الندوة بالتوصيات القانونية لترسيم ضوابط الحرية.