تركّز المشهد السياسي امس على الجلسة الاولى لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري بعد نيل الحكومة الثقة، حيث كان لها «اول دخولها شمعة طولها»، بفعل احتدام نقاش حول العلاقة مع سوريا، في ضوء زيارة وزير النازحين صالح الغريب لدمشق وكلام وزيرالدفاع الياس بوصعب عن المنطقة العازلة شمال سوريا، انتهى برفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجلسة.

لكن هذا التطور الحكومي لم يحجب الأضواء عن تطور قضائي تمثل بإعلان المجلس الدستوري رد مجموعة من الطعون الناشئة عن الانتخابات النيابية وإبطال نيابة عضو كتلة «المستقبل» ديما جمالي (على حد ما اوردت «الجمهورية» أمس)، ولم يعلن فوز المرشح الطاعن بنيابتها ناجي طه، فأعلن المقعد السنّي الخامس في طرابلس شاغراً، على ان تُجرى انتخابات فرعية خلال شهرين لملئه، ما دفع رئيس الحكومة سعد الحريري الى إعادة تبني ترشيح جمالي، فيما تحدثت كتلة «المستقبل» عن «عملية غدر سياسي» قالت انها استهدفتها واستهدفت الحريري شخصياً، معتبرة أنّ خلفيات قرار المجلس الدستوري «سياسية وكيدية بامتياز».

ودفع هذا التطور المراقبين الى وصف «حكومة الى العمل»، بـ«حكومة الغرائب»، بفعل هروبها من القضايا السياسية الخلافية، في الوقت الذي تكمن هذه القضايا خلف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وانقسام سائد يظهر وكأنه خلاف على التعاطي أو عدم التعاطي مع النظام السوري، في حين أنّ جوهره خلاف طائفي وسياسي حول إعادة النازحين السوريين، حيث أن فئة ترفض اعادتهم إلاّ بعد حسم مصير النظام السوري، وفئة أخرى تصرّ على اعادتهم قبل الحل السياسي في سوريا.

وكان لافتاً كلام رئيس الجمهورية قبيل رفع الجلسة، وضع فيه الجميع امام مسؤولياتهم، غامزاً من قناة الذين يتلكأون في اتخاذ موقف واضح من العودة الفورية للنازحين. فقال: «إنّ النأي بالنفس حسب مفهومنا، هو عمّا يحصل في سوريا وليس عن مليون ونصف مليون نازح سوري يعيشون في لبنان، ما ألحق تداعيات اقتصادية واجتماعية وانمائية وأمنية أثرت على أوضاعنا».

واضاف: «إنّ الدول الخارجية لا تريد أن تستضيف نازحين ولا تسمح لنا بأن نعيدهم إلى وطنهم، فكيف يكون ذلك وبأي حق؟» وقال: «ما من دولة استقبلت نازحين مثلما استقبلنا، لا نستطيع أن نستمر هكذا (...) ولا أقبل أن يكون على أرض وطني هذا العدد الضخم من النازحين. إنّ اللجوء السياسي يكون لمضطهدين في السياسة وليس للهاربين من ويلات الحرب وبداعي الحاجات المفقودة، ومتى عاد الاستقرار فإنّ على هؤلاء أن يعودوا. لقد رحّب الرئيس الأسد بالنازحين العائدين، وإني أتساءل كيف ننسّق انتقال نحو مليون ونصف مليون نازح من دون التواصل والتنسيق مع الدولة السورية؟».

وأضاف: «أقول لمن يتحدث في موضوع النازحين انّ بعضهم غير مدرك للنتائج التي تترتب عن استمرار بقاء النازحين على أرضنا. هذه مسؤوليتي كرئيس للدولة. أنا أقسمت اليمين بالمحافظة على الدستور ولا يمكنني أن أترك هذه المسألة. يقولون انتظروا الحل السياسي.. القضية الفلسطينية مضى عليها 70 عاماً ولا تزال من دون حل». وأضاف: «يقولون انّ سوريا لا تريد عودة النازحين.. أنا أقول لكم انها تريد هذه العودة».

وتابع: «دول عدة اليوم، ولا سيما منها الدول الكبرى تتواصل مع الدولة السورية ورئيسها... فلماذا لا يتواصل لبنان لحل أزمة مليون ونصف مليون نازح سوري على أرضه؟ «قاعدين ببيتي... شو بترك وبفلّ!».

وقال: «المسألة ليست مرتبطة بسلامتهم أو أمنهم، لأن الذين حملوا البنادق وأطلقوا النار على الجيش السوري تمت مصالحات بينهم وبين الدولة، فلماذا الخوف على أمن العائدين الذين لم يشتركوا في القتال؟».

وحسم عون قائلاً: «أنا أعرف مصلحة لبنان العليا وأنا أحدّدها، وأنا في مركز المسؤولية وهذه صلاحياتي، لأني الوحيد الذي أقسمت يمين الحفاظ على الدستور وقوانين الأمّة وسلامة الأرض والشعب، وأرسيت توازناً وطنياً حتى نحقق الاستقرار ونعيد بناء لبنان من جديد. هذا هو مفهومي للمصلحة الوطنية العليا، وأنا مسؤول تجاه شعبي».

بيت الوسط

وليلاً، قالت مصادر قريبة من رئيس الحكومة لـ«الجمهورية» إن نص الدستور واضح لجهة إناطة السلطة الإجرائية في مجلس الوزراء مجتمعاً، وهو الذي يرسم السياسة العامة للدولة في المجالات كافة.

«لبنان القوي»

وأكّدت مصادر تكتل «لبنان القوي» الإصرار مع عون على إعادة النازحين، وقالت لـ«الجمهورية»: «كان واضحاً انّ وزراء «القوات»، منذ ما قبل دخولهم جلسة مجلس الوزراء، يحاولون عرقلة هذا الموضوع ومنع التكلم مع سوريا للعودة».

واكّدت انّ «موقف «التكتل» لا يتعارض مع مبدأ النأي بالنفس ولَم يتجاوز نص البيان الوزاري، لأنّ مصلحة لبنان العليا تقتضي ذلك».

وأيّدت المصادر موقف رئيس الجمهورية بقوله «انا من يقرّر المصلحة العليا للبلاد وأنا من أقسم على الدستور بالحفاظ على مصلحة البلاد العليا، حاسماً وخاتماً النقاش في هذا الموضوع».

«القوات»

من جهتها مصادر «القوات» قالت لـ«الجمهورية»: «الجلسة كانت عادية، ولا شك في انّ المناخات التي سبقتها والمتصلة بالخرق المزدوج لسياسة النأي بالنفس من الوزيرين بو صعب والغريب انعكست على انطلاقتها وطبعت صورتها، الأمر الذي لا يمكن تبديده سوى من خلال التزام سياسة النأي بالنفس ووضع حد لأي تجاوزات مستقبلية والتركيز على الوضع الاقتصادي، لأنّ الملفات الخلافية ستؤثر على انتاجية الحكومة، فيما اصحاب هذه الملفات لن ينجحوا في تحقيق أغراضهم السياسية».

وأكّدت هذه المصادر «انّ أولوية «القوات» هي الحفاظ على الاستقرار السياسي والانتظام المؤسساتي، وتشددها في موضوع النأي بالنفس مردّه إلى حرصها على الاستقرار وتجنّب الملفات الخلافية، لأنّ قواعد التسوية الأساسية ارتكزت على ضرورة استبعاد هذه الملفات مع احتفاظ كل فريق بموقفه على قاعدة ربط النزاع».

وقالت: «ما طرحته «القوات» في جلسات البيان الوزاري وجلسات الثقة كررته على طاولة مجلس الوزراء انطلاقاً من الحرص نفسه، فهناك بيان وزاري وأمور مُتفق عليها، ومن سيعمل على تجاوزها سيتحمّل مسؤولية هز التوافق الحكومي بعيداً من التشاطر والتذاكي، لأنّ مفهوم النأي بالنفس لا يحتمل التأويل ولا التفسير».

وذكرت المصادر، انّ الوزير ريشار قيومجيان رفض إعادة إحياء المجلس الأعلى اللبناني - السوري، وكأن هناك من يريد إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل خروج الجيش السوري، وشدّد على ضرورة الابتعاد عن محاور النزاع، حيث لا يستطيع أي وزير أن يعطي رأيه من موقعه الوزاري بالنزاعات الإقليمية من دون تنسيق مُسبق، بما يوحي أن موقفه يعبّر عن موقف الحكومة مجتمعة، فيما هو مجرد اجتهاد شخصي، وقال: «أنا مثلاً لا يمكن أن أعطي رأيي باحتلال ايران للجزر الاماراتية وهكذا دواليك».

وطمأن قيومجيان رئيس الجمهورية الى انّ موقف «القوات» يتطابق مع موقفه في موضوع عودة النازحين، ولكنه أكّد في المقابل «أن عودتهم لا تتأمّن مع بشار الأسد».

أما الوزيرة مي شدياق فأبدت قلقها من «وجود مناخات سياسية تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، وقالت: «نشعر أن هناك استدعاء للوزراء الى سوريا كما كان يجري في السابق».

وذكرت «انّ وزراء «القوات» و«التيار» ونوابهما أبدوا الهواجس نفسها في الفاتيكان لجهة انّ النظام السوري لا مصلحة لديه في عودة النازحين».

الغريب

وردّ الوزير الغريب على وزراء «القوات»، فانطلق في مقاربته من مصلحة لبنان العليا، وقال: «اننا شديدو الحرص على التضامن الحكومي، ومن هذا المنطلق كنّا نتمنى أن لا يثار الموضوع في الاعلام تطبيقاً لما قاله الرئيس عون سحب الموضوع من التجاذبات. اما في موضوع التهويل علينا، ففي الشكل نحن نرفض التهويل علينا في موضوع زيارة سوريا وهي ليست تهمة. في مفهومنا نعتبر «النأي بالنفس» الّا نُدخل لبنان في المشكلات، كما لا نعتبرها خرقاً للنأي بالنفس في إنقاذ بلدنا من هذا الموضوع الشائك والحساس وفي تأمين عمل لشبابنا. فنحن نريد ان نبادر لإيجاد حل، وسنقوم بأي شيء لطي صفحة هذا الملف».

وأضاف: «لم نذهب الى سوريا لندخل في محاور ولا لفرض أمر واقع بل نحمل مصلحة لبنان العليا فوق كل اعتبار، وهذا حق مقدس لنا كرّسته الأعراف الدولية. ورداً على القول إنّ اللقاء مع نصري الخوري هو عمل شيطاني أقول، إن ما يسمى بعمل الشيطان هو من يعمل في شكل مبطّن على ابقاء النازحين السوريين في لبنان ومنعهم من العودة. فلن نساوم ولن يثنينا أي شيء عن متابعة عملنا الجاد لإحداث خرق جدي في هذا الملف».

الحريري ـ جنبلاط

في هذه الاجواء، وفيما بدا انّ العلاقات عادت الى طبيعتها بينهما بعد الشوائب التي اعترتها أخيراً، إلتقى الحريري رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على عشاء مساء أمس في «بيت الوسط» في حضور الوزيرين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور والنائب السابق غطاس خوري. وجرى خلال اللقاء عرض لآخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة.

وقبيل العشاء، قال جنبلاط: «في هذه الجلسة، سنناقش مواضيع توافقية وأخرى خلافية، بكل هدوء. لكني أردت فقط أن أتحدث، لأنه سبقت هذه الجلسة تسريبات معينة، لست أدري من أين، لمحاولة نسفها».

وأضاف: «أقولها بكل صراحة، الكلام الرسمي الذي يصدر عني هو إما تصريح أو واتساب، أما التسريبات التي تأتي اليوم من خلال حملة منظمة، لن أذكر ممن، وهدفها توتير الأجواء، فلن أجيب ولست مسؤولاً عنها».

تهنئة سعودية

وكان الحريري تلقّى أمس رسالة تهنئة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمناسبة تشكيل الحكومة، متمنياً له «التوفيق والنجاح في مهامه لما فيه خير وازدهار لبنان وتقدّمه».

وتلقى الحريري رسالة مماثلة من ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود. كذلك تلقى رسائل تهنئة من كل من رئيس جمهورية كولومبيا ايفان دوكي ماركيز، ورئيس وزراء سلوفاكيا بيتر بيللغريني ورئيس وزراء بولندا ماتوش مورافيتسكي للغاية نفسها.

التوظيف العشوائي

من جهة ثانية وفي ملف التوظيفات العشوائية، علمت «الجمهورية» انه ومتابعة لهذا الملف، فقد جدول رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان اربع جلسات للجنة الاسبوع المقبل، من الاثنين الى الخميس، تبدأ مع التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، وتُستكمل مع المجموعة الأولى من الوزارات، في سياق الاستماع والمساءلة.

ويُتوقّع ان تتواصل الجلسات في الاسبوع الاول من آذار، لتُرفع بعدها تقارير الى رئاسة المجلس النيابي والحكومة ومجلس شورى الدولة تتضمن النتائج والخلاصات، ليبنى على الشيء مقتضاه.

والى ذلك، أكّد وزير التربية أكرم شهيب مجدداً مضمون التوضيح المتعلق بالتزام الوزارة عدم التوظيف والتعاقد، بعد صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب، إلّا بقرار يتخذه مجلس الوزراء، مكرراً لمن شكك في تثبيت الأساتذة المتمرنين في التعليم الثانوي «أن اختيارهم جاء نتيجة مرسوم صدر عام 2012 وتأكّد حقهم في مراسيم لاحقة حيث تمّ قبولهم في كلية التربية وتابعوا تحصيلهم وصولاً إلى نيلهم شهادة الكفاءة في التعليم بنجاح، بعد اجتيازهم مباراة مجلس الخدمة المدنية، وبالتالي تمّ توقيع مرسوم تثبيتهم بالأمس بصورة قانونية وسليمة، على أمل أن يصار إلى درس مشروع الدرجات الست في جلسة مجلس الوزراء المقبلة».

سويسرا توقف التسليح

في إطار آخر، قررت سويسرا وقف تسليم معدات عسكرية للبنان «طالما لن تتمكن من مراقبة الوجهة الأخيرة لهذه الأسلحة».

وقالت أمانة الدولة لشؤون الاقتصاد أمس، أنّه تم في 2016 تصدير 10 بنادق هجومية و30 سلاحاً رشاشاً إلى لبنان، وخلال عملية تدقيق على الأرض في آذار 2018 عثر فقط على 9 أسلحة منها.