سبعة أشهر مرّت على المبادرة الروسية لإعادة ‏ملايين النازحين السوريين من لبنان والأردن وتركيا إلى سوريا، ولم تسلك هذه المبادرة طريق التنفيذ. أمّا العودة الطوعية الفردية للنازحين الموجودين في لبنان إضافةً إلى العودة التي تؤمّنها المديرية العامة للأمن العام وتلك التي ينظمها «حزب الله» وغيره من الأحزاب، فلم تؤدِّ إلى عودة أكثر من 80 ألف من مجموع النازحين البالغ مليوناً ونصفَ مليون نازح على الأقل. أمّا الحلّ السياسي وإعادة الإعمار فلا يبدو أنهما قريبان. ولا يُمكن لبنان إعادة النازحين قسراً رغم أنه ينوءُ ويئنُّ من عبئِهم عليه. أمّا الخلاص فقد يكون في مبادرة جديدة وجدّية بدأت تُطرَح رسمياً.
 

ثلاثة أمور شدّد عليها رئيس الحكومة سعد الحريري في الاحتفال بمناسبة الذكرى الـ 14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وهي: «اتفاق الطائف» وموضوع النازحين السوريين وسياسة «النأي بالنفس».

في موضوع النازحين، رأى الحريري أنّ «مصلحة البلد عودة النازحين إلى سوريا بكرامتهم وبالشروط التي توفّر لهم السلامة والأمن. أفضل أمر نقدّمه للنازحين أن نعمل لنعيدَهم إلى بلادهم بشكل طوعي»، مشدّداً على «كلمة طوعي». وأكّد أنّ «انفتاحَنا على المبادرة الروسية يصبّ في هذا التوجّه، والمطلوب من المجتمع الدولي خطوات عملية إضافية، تُنهي مأساة النزوح وتزيل عن أكتاف الدولة أعباءَ اجتماعية وخدماتية ومالية في كل المناطق».

وأعرب الحريري عن اقتناعه بأنّ «النظام في سوريا، يريد أن ينتقم من النازحين ويضع شروطاً على عودتهم. والموضوع لا يتعلّق بنا». وقال: «أنظروا إلى الأردن، الدولة على اتصال مع النظام ولا نتيجة جدّية معه. حتى تركيا التي أعلنت رسمياً وجودَ اتصال أمني بينها وبين النظام، لم تصل إلى نتيجة معه أيضاً».

كذلك، استبق الحريري طرحاً يُرتقب أن يقدّمَه البعض في مجلس الوزراء يشدّد على ضرورة التنسيق مع النظام السوري في هذا الملف، وقال: «لا يحاولنّ أحدٌ أن يزايد، فالتنسيقُ جارٍ بين بعض الأجهزة الأمنية في لبنان والجانب السوري لتفعيل عودة النازحين، لأنّ هدفنا، بكل بساطة، عودتهم إلى بلادهم وإنهاء الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها. لكننا لا نستطيع أن نكون ولا نقبل تحت أيِّ ظرف، أن يكون لبنان أداةً لتسليم النازحين رهائنَ للنظام».

كلام الحريري، ولا سيما منه كلامه عن «العودة الطوعية»، فسّره البعض رغبةً بإبقاء النازحين لأهداف سياسية. لكنّ الحريري وحلفاءَه يعتبرون أنّ «العودة الطوعية تعني أن لا تكون العودة قسرية، وذلك لا يعني في المقابل ترك العودة على همّة النازحين، فليس هذا المقصود». بل إنّ المقصود هو «العودة غير المشروطة بالحلّ السياسي في سوريا، ويجب أن تتحقّق، وعلى المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته، فلبنان لا يستطيع حلّ أزمة النزوح بمعزل عن هذا المجتمع الذي تقع على عاتقه مسؤولية توفير المستلزمات المالية لعودة النازحين، فضلاً عن تقديم المساعدات لهم في سوريا كالتي يوفّرها لهم في لبنان. وبذلك، ندفع في اتجاه عودتهم، فبِلا مساعدات دولية لا يريد عدد كبير منهم العودة ويفضلون البقاء في لبنان حيث يعملون ويتلقّون المساعدات».

ويرى الحريري ومَن يؤيّدونه النظرة إلى هذا الموضوع، أنّ «هذا هو الحلّ الأمثل، وستعمل الحكومة مجتمعةً عليه وسيكون بين أولوياتها».

وما يدلّ على أنّ نية الحريري في استخدام مصطلح «العودة الطوعية» ليست «سيّئة»، أنه وافق على تضمين البيان الوزاري عبارة «العودة الآمنة» أو «العودة إلى المناطق الآمنة». فالرجل وفريقه يعتبران «أنّ العودة الطوعية هي أن يتكوّن اقتناعٌ تام بأنّ النازح الراغب بالعودة لن تتعرّض حياته للخطر في بلاده».

أمّا كلام البعض عن «رغبة» الحريري بـ«إبقائهم»، فيسخر منها فريقه، فرئيس الحكومة «هو أوّل المرحّبين بالمبادرة الروسية والمتابعين لها، وقد أصرّ على إدراجها في البيان الوزاري».

إصرار لبنان الرسمي على تحمُّل المجتمع الدولي مسؤولياته، قد يؤتي ثماره. وتفيد معلومات «الجمهورية»، أنّ هناك بداية حراك ومشروع جديد في موضوع النازحين السوريين الموجودين في لبنان تعدّ له أوساط ومؤسساتٌ دولية، ويقضي بتقديم إغراءات مالية للنازحين لكي يعودوا إلى بلادهم، وبذلك تكون «العودة طوعية»، وذلك على غرار الإغراءات التي تقدّمها ألمانيا للاجئين السوريين لديها.

وهذه المؤسسات الدولية بدأت فتحَ أقنية مع الجهات الرسمية اللبنانية. فيما رصد البنك الدولي نحو 300 مليون دولار لمعالجة أزمة النازحين في لبنان، لم تتّضح بعد وجهة صرفها. ومن الاقتراحات، تخصيص هذا المبلغ للنازحين السوريين كنوع من المحفّزات، بالإضافة إلى المبالغ التي ستؤمّنها مؤسسات دولية أخرى، فضلاً عن حصول الجهات العاملة على هذا الاقتراح على وعد من النظام السوري بعدم التعرُض للعائدين. فالتحفيزاتُ المالية قد تغري النازحين الذين لا تنتظرهم مشكلات أمنية في سوريا، وتُشجّعهم على العودة وإعادة إعمار منازلهم وبناء حياتهم في وطنهم.

على أنّ عدداً كبيراً من النازحين باقٍ في لبنان بسبب الإغراءات المالية والمساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة. ولكن في المشروع الذي يُعمل ويُعوَّل عليه، ينعكس الواقع، فتُعطى الإغراءات للعودة وليس للبقاء. وهذا ما يطلبه لبنان. وقد تكون المحفّزات المالية مبالغ نقدية أو تأمين مسكن للعائد مشفوعاً بمساعدة مالية شهرية لسنة أو سنتين ليعاود تأسيس حياته. وقد يُساهم هذا المشروع في عودة نحو 750 ألف نازح من لبنان. أمّا عودة الجميع فمرهونة بالحلّ السياسي.