عشية احتفال لبنان بالذكرى الـ14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري سجلت العلاقات اللبنانية - السعودية قفزة نوعية، أكدت العمق التاريخي، والارتباط المصيري، في مرحلة بالغة الصعوبة، في نزاعات المنطقة والاستقطاب الحاصل على غير صعيد إقليمي ودولي..
وتمثلت هذه القفزة بإعلان سفير المملكة العربية السعودية في بيروت وليد بخاري، غداة استقبال الرئيس سعد الحريري الموفد الملكي السعودي  المستشار في الديوان الملكي نزار بن سليمان العلولا، في السراي الكبير عند الخامسة من عصر أمس، حيث شارك في اللقاء، برفع التحذير عن مجيء الرعايا السعوديين إلى لبنان.
وكشف مصدر سعودي رسمي ان المستشار العلولا نقل تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمّد بن سلمان وتهانيهما لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة.
واضاف المصدر إنه جرى أيضاً بحث آخر التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.
وأوضح السفير بخاري، في تصريح صحفي عقب اللقاء أنه جرى خلال الاستقبال مناقشة العديد من الملفات والقضايا، ومنها التباحث حول التحضير للجنة مشتركة بين البلدين والإعداد المبدئي لإرسال مجموعة من الفنيين من جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات اللبنانية، للالتقاء بنظرائهم في المملكة العربية السعودية, مشيرًا إلى التحضيرات لعقد هذه اللجنة المشتركة التي ستعزز العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل مؤسساتي.
ثم تلا السفير بيانًا أعلن فيه أنه «نظراً لانتفاء المسببات الأمنية التي دعت المملكة العربية السعودية إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان، وبناء على التطمينات التي تلقتها المملكة من الحكومة اللبنانية على استقرار الأوضاع الأمنية وحرصها على سلامة المواطنين السعوديين، فإن المملكة ترفع تحذيرها للمواطنين المسافرين إلى الجمهورية اللبنانية سواء من المملكة أو أي جهة دولية أخرى».
ووصفت مصادر دبلوماسية عربية الخطوة السعودية بأنها مؤشر على عودة الدفء إلى العلاقة التاريخية الحميمة بين البلدين، وفي توقيت له رمزيته، وهو الذكرى 14 لاغتيال الرئيس الشهيد الحريري.
رفع الحظر السعودي
وهكذا، قفز القرار السعودي برفع الحظر عن سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان إلى واجهة الاهتمامات اللبنانية، أمس، وطغى على مناقشات المجلس النيابي للبيان الوزاري للحكومة الجديدة، وحتى على المناكفات والسجالات ونبش القبور التي تخللت اليوم الثاني من الجلسات، والتي انتقلت تداعياتها إلى منطقة الأشرفية، حيث نظم مناصرو «القوات اللبنانية» و«الكتائب» تجمعات شعبية استنكاراً لكلام نواب في «حزب الله» بحق الرئيس الراحل بشير الجميل.
وتزامن الإعلان السعودي مع الجولة التي قام بها الموفد الملكي السعودي المستشار العلولا أمس على الرؤساء الثلاثة: ميشال عون ونبيه برّي وسعد الحريري للتهنئة بتشكيل الحكومة، وتأكيده «وقوف السعودية إلى جانب لبنان ومساعدته في المجالات كافة بهدف تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين».
منتدى الطائف
وإلى الإعلان عن الخطوة السعودية، والتي لقيت على الفور ترحيباً لبنانياً جامعاً، نظراً لاهميتها على صعيد تعزيز العلاقات بين البلدين، تميزت زيارة العلولا إلى لبنان أمس، بحدثين:
الاول: مشاركته في حضور «منتدى الطائف» الذي رعاه الرئيس الحريري مساء أمس، تحت عنوان «انجازات وأرقام وشركاء» والذي نظمته «مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة» بالتعاون مع السفارة السعودية في بيروت لمناسبة الذكرى 14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وتحول هذا المنتدى الذي أقيم في مركز «سي سايد ارينا» في واجهة بيروت البحرية، إلى تظاهرة وطنية لتكريم «شركاء الوطن» من اللبنانيين والعرب والأجانب الذين شاركوا في إعادة اعمار لبنان بين عامي 1992 - 2005 وهي الفترة التي تولى فيها الرئيس الشهيد رفيق الحريري مسؤولياته الحكومية قبل استشهاده.
والثاني: الحضور السياسي اللبناني الجامع في العشاء الذي دعت إليه السفارة السعودية في بيروت في فندق «فينيسيا»، لمناسبة زيارة العلولا للبنان، حيث شارك في العشاء إلى جانب السفير السعودي، الرئيس الحريري، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب مروان حمادة والرئيسان السابقان ميشال سليمان وأمين الجميل والرئيس فؤاد السنيورة، ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، ورئيس حزب «الطاشناق» اغوب بقرادونيان وعدد من الوزراء والسفراء العرب والأجانب وشخصيات سياسية واقتصادية واعلامية وأمنية.
وكان الرئيس الحريري، ألقى امام «منتدى الطائف»، وفي حضور حشد مماثل من الشخصيات السياسية والقيادات، كلمة عبر فيها عن شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد على ايفادهما المستشار العلولا ليكون معنا اليوم، تأكيداً على وقوف المملكة الدائم قيادة وشعباً إلى جانب لبنان واللبنانيين، لافتاً إلى ان «اسم الطائف بات أبعد من مؤتمر رعته المملكة فوضع حداً لحرب أهلية وأنجز وثيقة وفاق وطني شكلت دستوراً جديداً، وتحول إلى نموذج لعديد من دول المنطقة التواقة للعودة إلى السلم الأهلي والأمان عن طريق التسوية السياسية».
وتخلل الاحتفال كلمتان للنائب السيدة بهية الحريري التي أوضحت بأن هذا المنتدى أراده الرئيس الحريري مناسبة تكريمية للشخصيات الوطنية الكبيرة وللشركاء الوطنيين والأشقاء العرب والدول الصديقة والمنظمات والصناديق شركاء النهوض وإعادة البناء، وانه سيتبعه منتدى قريب لتكريم كل من وقف مع لبنان في مرحلة الآلام والمسؤولية بين عامي 2005 و2018 وشركاء مؤتمر «سيدر»، ومن ثم كلمة ثانية للسفير بخاري الذي اعتبر ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد ذكرى مشؤومة، مشيراً إلى انهم اغتالوه لأنهم أرادوا دفن اتفاق الطائف، لكنه أصبح بإرادة الشعب دستوراً (نص الكلمة في مكان آخر).
ذكرى 14 شباط
ولم يعرف ما إذا كان الموفد السعودي سيشارك اليوم في احتفال تيّار «المستقبل» بالذكرى 14 لاستشهاد رفيق الحريري، حيث وجهت الدعوات إلى جميع الأحزاب والتيارات السياسية، اضافة إلى أعضاء السلك الدبلوماسي وشخصيات دينية وسياسية وأمنية ونقابية وشعبية باستثناء «حزب الله» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» وفريق 8 آذار.
وتوقعت مصادر منظمة في التيار لـ«اللواء» مشاركة حزبية على مستوى رفيع هذا العام، والذي يختلف ظروفه السياسية عن العام الماضي.. حيث غاب عن الحضور رؤساء أحزاب «القوات» سمير جعجع والتقدمي الاشتراكي والكتائب، مشيرة إلى ان حضور هؤلاء سيكون بمثابة رسائل سياسية واضحة لجهة دعم الرئيس الحريري، لا سيما وأن معظم القوى السياسية ممثلة في الحكومة الجديدة.
وعلم ان برنامج الذكرى سيقتصر على كلمة الرئيس الحريري مع فيلم وثائقي يتمحور بشكل أساسي على الأوضاع الاقتصادية والنقلة النوعية التي قام بها الرئيس الشهيد في هذا الإطار، إضافة إلى مشهدية رفضت المصادر الكشف عنها.
جلسات الثقة: اليوم الثاني
في هذا الوقت، أنهى المجلس النيابي يومين من مناقشات البيان الوزاري للحكومة، من دون ان يتمكن من التصويت على الثقة، نظراً إلى كثرة عدد النواب طالبي الكلام، حيث تحدث في اليوم الثاني 18 نائباً، بعدما كان تحدث في اليوم الأوّل 15 نائباً، وبقي على لائحة طالبي الكلام، بحسب ما أعلن الرئيس نبيه برّي مساءً 22 نائباً، ما حمله إلى الطلب من النواب عدم الالتزام بمواعيد يومي الجمعة والسبت، كون اليوم عطلة رسمية لاحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، مع العلم انه كان من الممكن ان تمتد الجلسات أكثر لو لم يشطب 4 نواب من «التيار الوطني الحر» و6 نواب من كتلة «القوات اللبنانية» اسماءهم من اللائحة، وبذلك يرجح ان يتم التصويت على الثقة اما مساء الجمعة، أو قبل ظهر السبت، بعد الاستماع إلى ردّ رئيس الحكومة، ويتوقع ان تكون الثقة عالية تتجاوز الـ110 أصوات. وكانت حصيلة الجولة الثانية من المناقشات أمس، حجب 3 نواب الثقة عن الحكومة، وهم: بولا يعقوبيان وسامي الجميل وإلياس حنكش.
وخلافاً لليوم الأوّل من جلسات الثقة، والذي غلب عليه الطابع الهادئ، رغم بعض الخردقات المحدودة، وخلال الجولتين الصباحية والمسائية، حالة من التوتر بفعل اندلاع سجالات ومماحكات ونبش ملفات قديمة وقبور، كان البارز فيها التراشق الكلامي بين نائب «حزب الله» نواف الموسوي والنائبين الكتائبيين سامي ونديم الجميل على خلفية وصول الرئيسين ميشال عون وبشير الجميل إلى قصر بعبدا، فسامي الجميل اعتبر ان «حزب الله» اوصل الرئيس عون إلى الرئاسة، فرد عليه الموسوي بأن ذلك أفضل من الذي وصل إلى القصر الجمهوري على دبابة إسرائيلية، فتدخل النائب نديم الجميل قائلاً: «انتو رشيتو أرز على الدبابة الإسرائيلية»، وكاد الأمر ان يتطور لو لم يتدخل الرئيس برّي حاسماً هذا السجال.
كما سجل جدل آخر بين النائب يعقوبيان التي اعتبرت ان «حزب الله» شارك في ملف التوظيف العشوائي قبل الانتخابات، فرد عليها النائب حسن فضل الله معتبراً ان هذا الكلام غير المقبول يحتاج إلى اثباتات، فأعادته يعقوبيان إلى محاضر جلسات لجنة الإعلام.
تجدر الإشارة إلى ان يعقوبيان كانت نجمة الجلسة أمس، منذ لحظة وصولها إلى البرلمان على متن دراجة نارية، إلى لحظة اعتلائها المنبر.
وإلى جانب ملف التوظيف الانتخابي، كان شبح الفساد نجم الجلسة، حيث لم تخل أي مداخلة نيابية، سواء لنائب موال أو معارض من إثارة هذا الملف والدعوة إلى محاربته واقتلاعه من الإدارة، من خلال عملية إصلاحية شاملة، وذهبت النائب يعقوبيان إلى حدّ وصف الفساد بالاحتلال والذي يحتاج إلى ثلاثية مقاومة وقضاء نزيه وشعب يحاسب ومجلس نواب يراقب، كما كان لافتاً ايداع النائب أنور الخليل الرئيس برّي ثلاثة مستندات قال انها تتضمن حقائق ووقائع وارقاماً تتعلق بهدر المال العام في قطاعات الكهرباء والاتصالات والبيئة، حاملاً بشكل أساسي على وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل الذي قفز عن قراراته فوق مجلس الإدارة، رافضاً زيادة التعرفة على الكهرباء، معتبراً ان «شطف الدرج يكون من فوق الى تحت»، في إشارة إلى أن مكافحة الفساد يجب ان تبدأ بالرؤوس الكبيرة.
مجلس الوزراء الخميس
إلى ذلك، رجحت مصادر رسمية ان يعقد مجلس الوزراء أوّل جلسة له بعد الثقة الأسبوع المقبل، الا ان أي دعوة رسمية لم توجه بعد إلى الوزراء بانتظار انتهاء جلسات الثقة، وان ترددت معلومات ان تكون الجلسة الثلاثاء أو الخميس.
وقالت المصادر لـ«اللواء» ان أولويات البحث في مجلس الوزراء ستكون لموضوعي الكهرباء والموازنة، علماً ان مناقشة مشروع الموازنة قد تستغرق بعض الوقت بسبب وجود وزراء جدد في الحكومة، ويفترض بهم الاطلاع على المشروع الذي سبق ان اعده وزير المال علي حسن خليل منذ شهر آب الماضي.