نشاط على مختلف الأصعدة للكتل النيابية الطائفية في برلمان العراق، استشعارا منها بخطر التواجد العسكري الأميركي في هذه المرحلة، وتخوفا من ضياع مكاسبها كلما ابتعدت عن القرار الإيراني.
 

من يتطلع في كواليس المشروع الإيراني، أو بالأحرى سلطة الدولة العميقة في العراق، يكتشف حجم الاستعدادات ومدى التأهب لمواجهة الولايات المتحدة وما يمكن أن تأتي به الأيام المقبلة من مؤشرات حاضرة فعليا في التحشيد الإعلامي والميليشياوي والسياسي والبرلماني استباقا لأنشطة أميركية، إن في الحراك السياسي لعقد مؤتمر وارسو، أو في سحب القوات الأميركية من سوريا وتعزيز تواجدها في العراق تحديدا في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار أو في القواعد داخل إقليم كردستان.

نشاط محموم على مختلف الأصعدة تتقدمه الكتل النيابية الطائفية في برلمان العراق بلمّ شتات مواقفها من التشكيلة الوزارية لحقائب الداخلية والدفاع استشعارا منها بخطر التواجد العسكري الأميركي في هذه المرحلة، وتخوفا من ضياع مكاسبها كلما ابتعدت عن القرار الإيراني الذي يرسم خطوطه شبه المعلنة مستشار دولة العراق للشؤون الأمنية الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري.

لقاءات خارج الحدود تحت أوهام السرية سرعان ما خرجت إلى الأضواء في حلقتها الأخيرة لتؤكد أن الخلافات على الوطن تذوب في الولاء إلى المشروع الإيراني أو إلى مرجعية الولي الفقيه، مرجعية المرشد علي خامنئي، ليظل شعار “مرجعية وطن” الدعائي في القنوات الفضائية الطائفية، وهي بالعشرات، والذي يقصد منه مرجعية النجف المذهبية، شعارا للتمويه لإنفاذ الولاء إلى المرجعية السياسية العقائدية لإيران، وكذلك لتغييب أي إرادة وطنية عراقية أو إدماجها قسرا برؤية مذهبية صارت حكرا للسلطة في العراق.

إيران تسابق الزمن لتقريب صادراتها من مشروع ضمان سلطتها تدعيما لرأي المرجعية المذهبية في العراق بمبادئ عامة كحصر السلاح بيد الدولة أو ضرورة تشريع قانون لإخراج كافة القوات الأجنبية، وطبعا المراد منه إخراج القوات الأميركية خدمة لولاية الفقيه في مستجدات أزمتها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد الانسحاب من الاتفاق النووي ومسلسل العقوبات.

النظام في إيران يُسخّر دبلوماسيته في زيارات محددة الأهداف لوزير الخارجية محمد جواد ظريف لتمديد توصيلات سياسية واقتصادية وعسكرية للمشروع الإيراني كضمانات بديلة لدور الميليشيات ومداخلاتها الفجة في سياسة دول المنطقة، ترقبا لاحتواء التصعيد الأميركي أو ردود الفعل غير المتجانسة مع الرؤية الإيرانية، كما في موقف بعض الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق وبالذات بعد أحداث كركوك عقب الاستفتاء على الاستقلال.

خمسة أيام قضاها ظريف في العراق يبدو أنها أسفرت عن تهدئة صريحة في احتقانات سابقة لها صلة بحصة الإقليم من الموازنة وبعودة ترتيب أوضاع قوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها، وأيضا في دورها ضمن قيادة العمليات المشتركة، وبعموم علاقة الإقليم بحكومة المركز وتمريرها تحت ذريعة علاقات الصداقة الحميمة بين مسعود البارزاني ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، رغم أن التسوية تمضي نحو خلق توازنات في الإقليم بعد التقارب الأميركي الكردي وزوال آثار الاستفتاء السلبية بين الطرفين وبشواهد إعمار القواعد العسكرية وتدعيمها بإنشاءات إستراتيجية لها طابع الثبات في إطلاق المهمات والواجبات كبناء مدارج المطارات الجوية أو توسيعها.

على مقربة من مؤتمر وارسو تسعى روسيا لعقد قمة بمنتجع سوتشي مع إيران وتركيا في مهمة تقول عنها إنها معنية بالشأن السوري، في محاولة نقد موجهة ضد جدول أعمال القمة البولندية الذي تصفه بالمشتت الفاقد للتركيز، لأنه سيناقش عدة أزمات في الشرق الأوسط منها الاتفاق النووي وتطوير الصواريخ الباليستية والأزمة في سوريا وفي اليمن ولبنان ومستقبل السلام الفلسطيني الإسرائيلي.

وجهة النظر الروسية تقفز على حقيقة أن تمدد الإرهاب الإيراني في المنطقة تحول إلى قضية مركزية في معظم الأزمات التي تجتاح البلدان المذكورة، بل إنها محور الكارثة في العراق الذي يتجاهل كلا المحورين الأميركي والروسي ذكره ضمن استعراض دول الأزمات، رغم أنه منصة للإرهاب الإيراني وقاعدة صراع للنفوذ بين المحاور الإقليمية والدولية.

ما إن أطلق علي خامنئي مقولته إن شعار “الموت لأميركا” يعني الموت لترامب وجون بولتون ومايك بومبيو، وإن إيران ليست لها أي مشكلات مع الشعب الأميركي، والإعلام الطائفي في العراق استنفر كل برامجه للترويج لحملة إعلامية ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عرض للخلافات الداخلية الأميركية بالتفاصيل بميول صريحة لكسب بعض الأصوات في الكونغرس أو أصوات الحزب الديمقراطي في مجلس النواب.

عنصر الدعاية تعدى توقيت انعقاد مؤتمر وارسو إلى الإعلان عن قدرة إيران على صنع السلاح النووي خلال فترة قصيرة، وهذا ما يردده قادة الحرس الثوري، لكن إيران لا تسعى لامتلاكه التزاما منها بما ورد في الاتفاق النووي الموقع معها، بل إن الأمر يختلف في التسويق لمخاطر المواجهة مع إيران وذلك بسرد تفصيلي للقواعد الأميركية مع إحصاء لأنواع الصواريخ الباليستية الإيرانية ومدياتها التي تصل كل دول المحيط وأوروبا وقادرة كما يرد في الإيضاحات على الوصول إلى الولايات المتحدة.