العراق وهو بلد ضعيف الحيلة بعد أن دمرته الولايات المتحدة ينتظر الإنقاذ عن طريق اشتباك بين قتلته. غير أن أملا من ذلك النوع يبدو بعيدا.
 

ليس من المستبعد أن يجد العالم نفسه يخوض في جدل، طرفاه يتألفان من قطاع الطرق. وهو ما يوجب عليه أن يعيد صياغة مفردات ذلك الجدل، بما يجعلها مقبولة في سياق سياسي معاصر.

طرفا ذلك الجدل المبتذل هما الولايات المتحدة وإيران.

الرئيس الإيراني حسن روحاني دعا الولايات المتحدة إلى التوبة، فيما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دعا إلى ممارسة رقابة قليلة على إيران من الأراضي العراقية.

ما الذي تعنيه التوبة بالنسبة لروحاني؟ وماذا يقصد ترامب بالرقابة القليلة؟

واقعيا فإن الولايات المتحدة لا تعرف شيئا اسمه التوبة، وهي التي لم تعتذر لشعب فيتنام عما سببته حربها له من مآس بل أضافت من خلال سجلها الإجرامي في العراق وأفغانستان صفحات سوداء جديدة إلى تاريخها.

غير أنها في المقابل تسخر من نفسها حين تكتفي بالقليل من المراقبة حين يتعلق بوحش كاسر يريد التهام مجتمعات كاملة بترابها وثقافتها وثرواتها ومستقبل أجيالها.

وإذا ما عرفنا أن تلك الرقابة القليلة تتم ممارستها من خلال بلد ارتكبت الولايات المتحدة فيه الكثير من الجرائم، وهو العراق، فإن السخرية من التاريخ تكون في ذروتها.

فالعراق وهو بلد ضعيف الحيلة بعد أن دمرته الولايات المتحدة ينتظر الإنقاذ عن طريق اشتباك بين قتلته. غير أن أملا من ذلك النوع يبدو بعيدا.

تعرف إيران أن الغرب لن يتعامل معها كما يتعامل مع العرب.

تلك عقدة صار على العرب أن يفهموا أسبابها ودوافعها، كما صار عليهم واجبا أن يجهروا بها أمام الغرب.

لقد رفضت إيران التوقيع على معاهدة تحض على عدم تمويل الإرهاب والامتناع عن ممارسة غسيل الأموال، ومع ذلك فإن أوروبا عرضت على إيران اتفاقية تنقذها جزئيا من العقوبات الأميركية.

معنى ذلك أن أوروبا تقبل بإيران دولة تموّل الإرهاب وترعى جماعاته. ومعنى ذلك أن أوروبا لا تمانع في أن تمارس إيران هيمنتها على دول مستقلة وذات سيادة.

إنه موقف من العرب أكثر مما هو موقف من إيران.

فلو أن إيران قامت بالتوسع على حساب أيّ جار من جيرانها غير العرب، لكان لأوروبا بشكل خاص والغرب بشكل عام موقف مختلف تماما.

أعتقد أن العرب صاروا اليوم أكثر مرونة في ما يتعلق باتخاذ موقف مناسب، يكون بمثابة رد صادم على المكر السياسي الغربي.

لن يضطر العالم العربي إلى قطع علاقته بالغرب بسبب نفاقه، غير أن من الواجب عليه أن يكون صريحا في المكاشفة من خلال سؤال جوهري: هل صار علينا أن نصدق أنكم تقفون مع إيران بكل مشاريع إرهابها في المنطقة، وهو ما يعني أنكم في طريقكم إلى التوبة التي عرضها روحاني؟

يومها سيكون على العالم العربي أن يلجأ إلى خيار مختلف. هو الخيار الذي ينسف مصالح الغرب في المنطقة. فالغرب حينها يكون شريكا في الجريمة الإيرانية، وهو حاله في ما يتعلّق بالمسألة العراقية. أوروبا لا ترى اليوم مسوّغات مقنعة للموقف الأميركي المضاد لمشروع التوسع الإرهابي الإيراني في المنطقة.

وهو ما يعني أنها تقف مع ذلك المشروع، وتسعى إلى العمل على استمراره من خلال الإبقاء على النظام الإيراني صامدا في وجه العقوبات الأميركية.

الإجراء العربي المقبول أن يتم فضح ذلك النفاق الذي تمارسه أوروبا. فهي من جهة لا تخفي مسؤولية النظام الإيراني عن عمليات قذرة تقوم بتنفيذها شبكات مرتبطة به على الأراضي الأوروبية، وهي من جهة أخرى تسعى إلى تعزيز دوره التخريبي في العالم العربي.

لقد قررت أوروبا، كما يبدو، أن تنضم إلى حفلة قطاع الطرق التي يرغب نظام الملالي في استثمارها لصالحه.

وكما أرى فإن موقفا عربيا واضحا من النفاق الذي يتخلل تلك الحفلة كفيل بإفشالها وإحباط مساعي آيات الله ودفعهم إلى التوبة قبل أن يتوب الآخرون.