ثابتة واحدة لم تبدلها التقلبات والعواصف والعقد التي ضربت مسار التشكيل الطويل: حزب الكتائب يغرد وحيدا، مجددا، في سرب المعارضة. وإذا كانت الصيفي قد حافظت على تموضعها الذي يعتبره البعض ثمن الاعتراض على التسوية الرئاسية الشهيرة، فإن المقربين من النائب سامي الجميل يقفزون فوق هذه الشكليات، لينطلقوا في مسار يريدونه تكريسا لما يمكن تسميتها "المعارضة الذكية البناءة" ، الهادفة أولا إلى تصحيح اعوجاجات المسار الحكومي إذا وجدت، كما تفترضه الأنظمة الديموقراطية. لكن كون الحزب رأس حربة المعارضة، لا ينفي خشية الكتائبيين من تمادي الاختلال في ميزان القوى لمصلحة حزب الله. كيف لا وهو الذي ثبت، برأيهم، أن لا رئيس قويا في لبنان، من دون تحالف قوي معه.

وفي تعليق على التشكيلة الحكومية الوليدة، اعتبر نائب رئيس حزب الكتائب الوزير السابق سليم الصايغ في حديث لـ "المركزية" "أننا لسنا متفاجئين من النتيجة لأنهم دخلوا مفاوضات التأليف وفقا لنهج معين، وتقاذفوا كرة النار على مدى تسعة شهور، لكن آن الأوان لنسألهم عن سبب تأخير تشكيل الحكومة 9 أشهر، علما أن كلفة هذه المدة تقاس بميليارات الدولارات. ذلك أن لا يمكن أن نعتبر أن مشكلاتنا انتهت بمجرد تأليف الحكومة الجديدة. ثم إن ما بلغته الأمور يثبت ما كنا نقوله عن أن الحكومة الجديدة هي حكومة حزب الله، بدليل أن السيد حسن نصرالله قال إن بينه وبين التيار الوطني الحر وتيار المردة تحالفا استراتيجيا، ما يعني أن بين يد الحزب أكثرية تجعله يقبض على التشكيلة في الملفات الاستراتيجية الكبيرة.

وأوضح الصايغ أن "خلافنا مع حزب الله يتجاوز القضايا الآنية إلى مفهوم بناء الدولة، ذلك أن الحزب لا يقبل قيام دولة إلا بالشكل الذي يريده هو، وعندما يثبّت رئيس التيار الوطني الحر الالتقاء الاستراتيجي بينه وبين حزب الله، ففي ذلك تأكيد أن لبنان ينتمي إلى محور الممانعة. لذلك فلحزب الله اليوم 18 وزيرا من أصل30.

وعن التأثيرات التي يمكن أن تتركها التوازنات الدقيقة في الحكومة على العهد الذي وسم بالقوة باكرا جدا، نبه إلى أن " معادلة الرئيس القوي في لبنان لا تقوم إلا لأنه متحالف مع حزب الله، وهذا أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من تشكيل الحكومة"، معربا عن أسفه ل"كون الكلام عن "المكونات الطائفية" هو الذي يطغى على المنطق السياسي السليم"، معتبرا أننا بذلك أصبحنا أمام فيدرالية توزيع الخسائر الطائفية والحزبية والسياسية وليس بناء الأوطان، فيما البلد في حال من الانهيار والافلاس".

واعتبر أن الفريق الوزاري الحديث الولادة ليس حكومة وحدة وطنية لأن هناك ما يقارب 50% من الشعب اللبناني لم يشارك في الانتخابات، علما أن عددا من النواب غير ممثلين في هذه الحكومة، وهم-تماما كما حزب الكتائب- رفضوا أن يكونوا ملحقين بأحد. ما يعني أننا أمام حكومة درء الأخطار بالحد الأدنى"

وفي معرض الرد على الكلام عن أن حزب الله هو الرابح الأكبر في معركة التشكيل، ذكّر الصايغ أن "قانون الانتخاب النسبي وضع بشكل يمنع قيام تعددية سياسية في صفوف الطائفة الشيعية، ويساهم في بروز تعددية سياسية لدى الآخرين، وهذا أول انتصار له في مجلس نيابي نال فيه الأكثرية".

وعن اللقاء الأخير بين رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب سامي الجميل عشية صدور مراسيم التأليف، أكد أن "اللقاء كان وديا جدا، علما أن لا مشكلة شخصية بين الرجلين، وفي اللقاء، أكدنا على ضرورة الاحترام المتبادل بين الحكم والمعارضة ، علما أننا بقينا خارج الحكومة لأنهم لم يستوعبوا الكتائب ومواقفها. وفي النتيجة، سنواصل مسارنا ومعارضتنا لن تكون مطلقة، بل ذكية. أي أننا سنقدم الحلول البديلة متى استطعنا، وسنستخدم كل الوسائل المتاحة في الأنظمة الديموقراطية".