رغم الأجواء الإيجابية التي اشاعها الرئيس نبيه برّي بعد زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري له في عين التينة، فإن ثمة أجواء أخرى ما زالت سائدة بين مختلف الأوساط السياسية المتابعة عن كثب للاتصالات والمشاورات الجارية بعيداً عن الأضواء لا تجاري رئيس المجلس في تفاؤله، وتعتبر أن أزمة تأليف الحكومة ما زالت تراوح مكانها ولم تتقدّم خطوة إلى الأمام بالرغم من دخولها الشهر التاسع.

وتستند هذه الأوساط إلى التصريحات التي صدرت مؤخراً عن مسؤولين بارزين في حزب الله تؤكد على ان لا حكومة في المستقبل المنظور، ولا حتى في المستقبل البعيد ما لم يتمثل النواب السنَّة في الحكومة العتيدة، في الوقت الذي حسم فيه التيار الوطني الحر ومصادر القصر الجمهوري بأن أي حل لعقدة النواب السنَّة الستة لا يُمكن ان يمر على حساب حصة الرئيس عون بأي حال من الأحوال، وهذان الموقفان اللذان يسيران في خطين متوازيين يعنيان بصريح العبارة ان لا حكومة قريبة ولا حتى بعيدة، بمعزل عن تعاظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وحتى المالية، واقترابها من الخطوط الحمر.

وبناء عليه، يصح وضع الزيارة التي قام بها الرئيس المكلف إلى رئيس المجلس النيابي في خانة ترطيب الأجواء التي تشنجت على غير صعيد، لا سيما بين القصر الجمهوري وعين التينة، نتيجة المواقف التي اتخذتها حركة «امل» من دعوة ليبيا للمشاركة في القمة التنموية الاقتصادية الاجتماعية في عقد الأسبوع الماضي في بيروت في دورتها الرابعة والتي أدّت إلى اعتذار كل جميع رؤساء الدول العربية تقريباً عن المشاركة في هذا المؤتمر على اساس ان ترطيب الأجواء يفتح مجدداً أبواب التواصل والحوار المقطوع بين بعبدا وعين التينة مما يُعيد الأمل في فتح نافذة جديدة في الملف الحكومي المجمّد.

وإن كان مثل هذا الاحتمال وارداً بناء على ما نقله الرئيس برّي عن الرئيس المكلف من تفاؤل بقرب الوصول إلى تسوية تسرّع في ولادة الحكومة العتيدة خلال أسبوع أو أكثر بقليل، فإن التجارب الماضية علّمت اللبنانيين ان لا يأخذوا مثل هذه التصريحات على محمل الجد وأن يرددوا في داخلهم المثل القائل «لا تقول فول حتى يصير بالمكيول»، فهل انقلب المثل وأصبح عند الرئيس المكلف الفول بالمكيول وتم الإفراج عن الحكومة، وبالتالي قضي الأمر، أم ان الرئيس برّي أراد من وراء ما صرّح به بعد زيارة الرئيس المكلف له، بعث الأمل في نفوس اللبنانيين الذين كفروا بالطبقة السياسية ولم يعودوا يصدقون ما يصدر عنهم، استناداً إلى مقولة الشهيد كمال جنبلاط التي مفادها «إذا اردت ان تعرف الحقيقة يتعين عليك ان تقرأ التصريحات التي يدلي بها أرباب السلطة بالمقلوب»، وهذه المقولة تنطبق على ما نسمعه ونقرأه هذه الأيام من المسؤولين الذين يديرون لعبة تأليف الحكومة، بحيث سمع اللبنانيون كلاماً ايجابياً عن قرب تأليف الحكومة أكثر من مرّة، فجاءت النتائج على الأرض عكس ما صرحوا به، وأشاعوه في الأوساط السياسية في أكثر من مناسبة، ومع ذلك لم يعد يملك اللبنانيون بعد دخول أزمة التأليف شهرها التاسع، سوى التمسك بحبال الأمل، وإن لم يكونوا مقتنعين، عملاً بقول الشاعر «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».