في العالم العربي قرنٌ كامل من الزمان مضى، من أعمار أجدادنا وآبائنا وأعمارنا، وجحيم ديكتاتوريّات وحروب، لم تضع عنّا أوزارها، لنتذوّق ولو القليل من طعم الحياة .
 
في العالم الغربي الحديث ينعمون بالكثير من الحياة،
 
من حيثما تخلّصوا من الديكتاتوريّات،
 
وأجبروا الحروب على أن تضع عنهم أوزارها .
***
 
‎تبدو فكرة إعادة إحياء القوميّة العربيّة للذين لا يعرفون سبيلاً للاستسلام ولا لبيع الكرامات ولا لطاعة "ولاة الأمر" على اختلاف مشاربهم، فكرة بعيدة المنال، إلّا أنّني أقول: نعم، إن ذلك صحيح. لكن ليقل لي أحدكم كيف السبيل إلى خلاص هذه الأمّة ونهضتها وإعادة وضعها على سكٌة التأهيل والتطوّر الحديث وخصوصاً أننا نواجه مشروعاً جديداً للتهويد والتتريك
 
والأيرنة؟!
 
***
 
‎لا تتكلّموا في السياسة وعنها. فالكثير من الأصدقاء لا يحبون الكلام فيها أو عنها.
 
"لا تتدخّلوا أيّها المثقّفون، فلا شأن لكم بالسياسة". جيّد. فهمنا، لكن أيّها المثقّفون أيضاً، لا يفتح أحدٌ منكم فمه بعد اليوم، ليقول مثلاً إن المثقّف مهمّش، ولا شأن له ولا حول، ولا قوّة في العمليّة السّياسيّة في البلاد.
 
ألستم أنتم من تخافون من خيالاتكم، ومن أن يقطع أرزاقكم السياسي، الذي انبطحتم على أعتابه كي يلاقي لكم الوظيفة؟
 
***
 
يترك "الزعماء" أتباعهم، "ماشيتهم"، إلى أقدارهم، في علاقاتهم بهم. فمن يرضى ويصمت ولا يطالب زعيمه في شيء، يكون كل ما يحصل معه هو من رضى الله ورضى الزعيم، فطوبى له. ومن يتمرّد ويطالب بحقوقه يكون الشيطان دافعه، فتحقّ عليه اللعنةفي نظر الزعيم طبعاً.
 
فلماذا الثورة على الظلم والاضطهاد والاستعباد إذاً؟
 
أتذكّر الشاعر العظيم محمد الماغوط حين يقول: "أريد الصعود إلى السماء فقط كي أصل إلى الله، لأضع السوط في يدهِ لعله يحرّضنا على الثورة".
 
***
 
فكرة "التعايش" التي يتغنّى بها اللبنانيّون، أليست هي نفسها صنو فكرة "التكاذب" المشترك، التي شٰخّصها وأطلق تسميتها هذه كمال جنبلاط، وكان السياسيّون الّلبنانيّون الأعداء يمارسونها مموّهةبأقنعة متعدّدة من مثل الأخوّة والتعايش والمحبة؟!
 
ثم أليسوا هم الذين أورثونا إيّاها وانفجرت في العام 1975 ولا تزال مفاعيلها تتفاقم حتّى اليوم، ثمّ عُدنا وزعّمناهم وزعّمناها علينا؟
 
يعودون ومن دون وجل ومن دون أي إصلاحات دستوريّة يكفلها القانون وأهمها إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة، ومنع رجال المؤسّسات الدّينيّة من التّدخّل في الشؤون السّياسيّة وينظّرون لها من جديد على أن لا خلاص إلا بها؟
 
***
 
المجتمعات الحديثة، قطعت أشواطاً حضاريّة كبيرة،
 
قافزةً على ثباتٍ من رؤيا التقدّم البعيدة الأمد لشعوبها،
 
وللإنسانيّة جمعاء. خلّفت وراءها كمّاً هائلاً من الأفكار البائدة.
 
لم يكن لها أن تتقدّم وترتقي بشعوبها لولا القفزة الثابتة تلك، ولولا كبّ الأفكار تلك، منذ الثورتين الفرنسيّة والصناعية.
 
في العالم العربي نحاول أن نتبيّن أي الرّؤى أنفع وأحسن لقيام النّظم السّياسيّة في بلادنا: الجمهوريّة، أم الملكيّة الدّستوريّة، أم عودة الإستعمار؟!
 
حلو، بل رائع، أن يقتنع كتّابنا "الكبار"، أعني "المعمّرين" أنهم استنفدوا تجاربهم الكتابية وعليهم الإعتراف بتجارب الآخرين بكل موضوعية، بعيداً من الإستبداد والعنجهية. الحلو أكثر، بل الأروع، أن يقتنع كتّابنا الصغار، أعني الشباب، أنه لا يزال هناك الكثير من السنوات أمامهم لمراكمة خبرات وتجارب، وعليهم الإبتعاد عن الخفّة والنزق إزاء تعاطيهم مع أصحاب التجارب والخبرات.
 
***
 
لا يسع مشاهد فيلم "z" للمخرج كوستا غافراس إلا أن يتذكر الأنظمة العسكرية القمعية، الإستبدادية في العالم العربي وفي العالم كله، ودورها في تأجيج الصراعات الفئوية داخل المجتمعات، وفي تسييد الجهل، والتخلف والفقر لتظل هي المتحكمة. فالحال التي كانت سائدة في اليونان زمن العسكريتاريا والفاشية هي نفسها التي سادت في إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، والإتحاد السوفياتي السابق الستاليني، وكذلك في رومانيا التشاوشسكوية.
 
غسان علم الدين