تُعتبر محافظة كسروان- جبيل، التي أقرّها مجلس النواب عام 2017 «أقلّ الواجب» تجاه هذه المنطقة، حيث لا مركز للمعاينة الميكانيكية، ولا فرع للجامعة اللبنانية والأهالي يبيعون أرضهم من أجل تعليم أبنائهم في الجامعات الخاصة، وحيث يُضطر كلّ مواطن من أعالي الجرد إلى ساحل القضاءين، للذهاب إلى مركز محافظة جبل لبنان في بعبدا، لإتمام معاملاته الإدارية. فهل سيُسمح بإنشاء محافظة كسروان الفتوح - جبيل، ويُردّ الجميل لـ«مواطنية» الجبيليين والكسروانيين؟
 

بين المعاناة العامة التي يتشاركها جميع اللبنانيين، لكل فئة منهم ومنطقة معاناة خاصة. وعلى رغم أنّ الضرائب والرسوم تُجبى من جميع المواطنين والمُكلّفين على كامل الأرض اللبنانية، ويُصار إلى إعادة توزيعها على كلّ المناطق، إلّا أنّ هذه القاعدة القانونية مُجحفة بحق «المناطق» المُلتزمة، ومن المعلوم أنّ مالية الدولة ترتكز على محافظتي بيروت وجبل لبنان.

وفي حين يُعتبر قضاءي كسروان وجبيل في محافظة جبل لبنان، من «الأكثر» امتثالاً لمنطق الدولة والتزاماً بالجباية، إلّا أنها ليست الأكثر استفادة من «واجبات» الدولة. والمعاملات الإدارية في ظلّ البيروقراطية والمركزية الإدارية و«هرغلة» الإدارات... تخنق المواطنين بالبطء والإجراءات العديدة، فتتطلّب أياماً وربما أسابيع أو أشهر.

«اللون الطائفي» الواحد كان «حجة» عرقلة إقرار هذه المحافظة، في حين أنها تضمّ طوائف مسيحية متنوعة إضافة إلى الطائفتين الشيعية والسنية، وفي حين أبصرت محافظات النبطية وبعلبك - الهرمل وعكار النور، ظلّ قانون محافظة كسروان وجبيل عالقاً، إلى حين أقرّه مجلس النواب في 16 آب 2017.

لكنّ هذا القانون ما زال حبراً على ورق، إذ لم تصدر المراسيم التطبيقية اللازمة لتأمين المبالغ الضرورية لإنشاء هذه المحافظة. وعلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحكومة عهده «الأولى»، التي يُنتظر تأليفها، يُعوِّل أكثر من 400 ألف جبيلي وكسرواني لإنشاء هذه المحافظة.

المحافظة الجديدة في جبل لبنان سيكون مركزها مدينة جونيه وتشمل قضاءي كسروان الفتوح وجبيل، وستحوي كل الدوائر والمؤسسات الرسمية الادارية والقضائية والتربوية والصحية والأمنية والمالية وسواها مما تتألف منه بقية المحافظات.

وبذلك، وفي ظلّ الأوضاع المتردية، وفي زمنٍ أصبح الوقت عملة قيّمة جداً، تُوفِّر هذه المحافظة على أبناء 175 قرية وبلدة، الاختناق المروري اليومي لساعات، الوقوف ضمن «طوابير» لإجراء أي معاملة، تكبُّد مصاريف مالية أو «رشاوى» لتسريع إجراء معاملاتهم، كذلك يُمكن لموظفي القطاع العام من أبناء المنطقة وسكانها أن يلتحقوا في مراكز المديريات والوزارات في هذه المحافظة بدل تكبُّد عناء الدرب الطويل الذي يسلكونه يومياً للوصول إلى مراكز عملهم في مناطق أو محافظات أخرى. وإن كل الوزارات ومؤسسات الدولة من دون استثناء ستتمثل في هذه المحافظة.

وفي حين، لم يعتنق نواب كسروان وجبيل السابقون هذه المحافظة قضيةً، كان النائب نعمة الله أبي نصر «أب» هذه المحافظة والمناضل الذي لم يتخلَّ عنها حتى حين أقرّها مجلس النواب، بل لا يزال يتابعها إلى أن تُبصر النور.

في نيسان 2003 قدّم أبي نصر مشروع قانون لإنشاء محافظة كسروان الفتوح جبيل، وتتطلّب إقرار القانون 14 عاماً، بسبب «استهتار» البعض ووضع البعض الآخر العراقيل.

فماذا بعد إقرار القانون؟

المحافظة مُجمّدة إلى حين تسييل التأليف وتسهيل ولادة حكومة جديدة. وما بعد التأليف، مطلوب تعيين محافظ تمّ الاتفاق مبدئياً على أن يكون من الطائفة السريانية والبدء بتنفيذ إجراءات الإنشاء. وفي حين قد يتمّ «التحجُّج» بعدم توافر المبالغ المالية اللازمة لدى الدولة لإنشاء المحافظة، يقول أبي نصر لـ«الجمهورية» إنّ هناك حلولاً بديلة متوافرة، فيُمكن للمحافظ الجديد أن يشغل مكتب القائمقام، الذي سيحل محله، في السراي.

ويشرح أبي نصر، أنه حين تُنشأ محافظة، تُلغى قائمقامية القضاء الذي يضم مركز المحافظة، فيما تبقى القائمقاميات التابعة. وفي محافظة كسروان - جبيل، تُلغى قائمقامية كسروان وتبقى قائمقامية جبيل التابعة للمحافظة، إذ إنّ مركز المحافظة سيكون في جونيه.

كذلك، يُمكن إنشاء صرح للمحافظة يجمع مراكز الإدارات والمؤسسات بمليون دولار أميركي أو بملايين الدولارات، أو يُمكن الاكتفاء بزيادة طابق على طوابق السراي حيث مركز القائمقامية حالياً.

وإضافةً إلى المحافظ، يُصار إلى تعيين رؤساء الدوائر. ويُنشأ في جونيه دوائر مماثلة للدوائر الموجودة في بعبدا، أو تُوسّع صلاحيات رؤساء الدوائر الموجودة حالياً في جونيه. فعلى سبيل المثال، رئيس الدائرة المالية في كسروان لا يُمكنه إعطاء براءة ذمة، فيصبح بإمكانه ذلك.

وكما أنّ أبي نصر «موعود» من رئيس الجمهورية بإنشاء محافظة كسروان - جبيل، كذلك إنّ عضو تكتل «لبنان القوي» النائب نعمة افرام «موعود» بدوره من عون، ويقول لـ«الجمهورية»، إنّ «إنشاء المحافظة موضوع قائم ومؤكّد، ولكن لا يُمكن إنشاء كيان او ملاك المحافظة في غياب الحكومة، إلّا أننا يمكن أن نتحضّر لوجستياً وأعمل على هذا الموضوع الذي سيتظهّر قريباً».

الدستور اللبناني ينصّ على إقرار اللامركزية الإدارية، وعلى غرار مواد دستورية عدة، لم يتمّ الالتزام بهذه المادة منذ عام 1990. وإذ يُطبقون فدرالية الطوائف المُتحكمة بشؤون المواطنين، يتخوفون من اللامركزية الإدارية «التي قد تؤدي إلى اللامركزية السياسية»! فاللامركزية الإدارية تسمح بـ«استقلالية» المواطن عن السياسي والفوضى والفساد الإداريين، وتُعزِّز الشفافية والمحاسبة، وهذا الأمر هو «المخيف» الحقيقي بالنسبة إلى المعنيين.

من أقلّ «الإيمان» لمحاربة الفساد وتحقيق إصلاحات، تطبيق اللامركزية الإدارية. كذلك، إنّ أقلّ ما يتوقعه أبناء كسروان وجبيل الذين انتخبوا عون نائباً عام 2005 حين حقّق «تسونامي» انتخابي وأعادوا انتخابه في دورة 2009، أن يكون ملف محافظة كسروان - جبيل على جدول الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، لتتجدّد ثقة الشعب بالعهد.