على مشارف عام 2019 مازال المشروع الإيراني للانتقام من العراقيين يتصاعد في ظواهر التجويع والإذلال والتسويف بالإعمار وانعدام المشاريع الاستراتيجية وإهمال النازحين وبـ13 ألف ملف للفساد خارج المحاسبة.
 

اعتقد الكثيرون، قياساً إلى تجارب مماثلة من التاريخ وعلى تفاوت المبررات والظروف ونوع الصراعات أن لا يتجاوز سقف الاحتلال الأميركي للعراق في أعلى مناسيبه سنته الثانية أو الثالثة لإكمال أهدافه في عمليات تجريد النظام السابق من تأثيراته باستهداف الشخصيات المطلوبة، أو تغيير وتثبيت النظام السياسي الملحق بالاحتلال من خلال القرارات الإدارية أو الإجراءات الميدانية.

لكن الانتقام والثأر كمنهاج عمل، ما زال فاعلاً، بعد أكثر من 15 سنة على الاحتلال ليطال شرائح مليونية من شعب العراق ويمتد إلى استهداف الأرزاق بعد الأعناق، ثم تدمير المدن وإشاعة الخراب في أدق التفاصيل، وكذلك ما يتصل بفكرة “التطهير الكلي” بأدوات خارجية وبتأثير طغيان مدروس ومدفوع بغايات تتعدى إزالة النظام، إلى قمع مواطني دولة مستقلة وعضو مؤسس في الأمم المتحدة.

مكمن جريمة الاحتلال الأميركي للعراق لا تقتصر على لحظة الاحتلال في التاسع من أبريل 2003 بل في الجرائم المتصلة مع سبق الإصرار والترصد والتي كانت موضع دراسة وتفاهمات في تسليم شعب العراق ومقدرات ثرواته ومستقبل كيانه كدولة إلى الإرهاب الإيراني بنظام الملالي المعروف بكراهيته للعراقيين، على الأقل لصمودهم في حرب الثمانينات، عدا ما يضمره للأمة العربية عبر تاريخها، وذلك صار بعضاً من بديهيات العمل السياسي اليومي لولاية الفقيه.

الأميركيون والإيرانيون نضجت لديهم تجربتهم المشتركة في احتلال العراق، وما رحلات اصطياد العراقيين الأبرياء من فوق أرتال الدروع الأميركية في الشوارع العامة والقرى، والموثقة بكاميراتهم الخاصة، إلا معبراً وشريعة للانتقام الإيراني الذي أسفر عن حقده في التجهيز للحرب الأهلية والإيقاع بين العراقيين في سنوات دامية وبمرحلة تحولت الآن إلى بضاعة إيرانية تالفة في مخازن العملية السياسية.

البحث عن بدائل، هو سمة التمويه بعد خراب الموصل والبصرة وباقي المدن بما فيها العاصمة التاريخية للعروبة والعراق، بغداد، فكما أن أسواق الترويج للديمقراطية الأميركية أصيبت بالكساد بمنتجات الانتخابات التشريعية في مايو الماضي، كذلك الحال مع المشروع الإيراني الذي استغل وظيفة ولاية الفقيه المزدوجة بصفتها مرجعية عقائدية لإخضاع البسطاء وإجبارهم على تبني مواقف لتحقيق أهداف سياسية وحلم إمبراطوري قومي، لكنها انتهت إلى إشهار الأوضاع الإنسانية والخدمية والحياتية المتردية للمغرر بهم، مقابل طبقة الفاسدين والعملاء التي ارتضت أن تخونهم وتخون وطنهم لحساب نظام سياسي من خارج الحدود لا يختلف في أهدافه عن أي سلطة محتلة.

أدرك العراقيون في محافظات الجنوب أن ولاية الفقيه في إيران بعملائها- على تعدد وجوههم وانتماءاتهم في السلطة- سعت إلى تخريب الوحدة الوطنية والتعايش شبه المثالي للعراقيين، عندما استفردت بكل واحد منهم معتمدة على أساليب العنف، وما تولد عن العداء الطائفي الذي يجد في المناسبات الدينية ما يشد به عصب التطرف لرفع درجات التوتر وأيضاً لتوفير بدايات أخرى لإنقاذ النظام السياسي. كما تابعنا في تخفيض حدة الاحتجاجات في البصرة ولجمها بمواعيد الطقوس والخطب والتهييج وبركوب مطالب المتظاهرين وتبني جميع الأحزاب والجهات لتلك المطالب، رغم أنها استنفرت إعلامها وميليشياتها لقتل المتظاهرين والتنكيل بهم وبالنشطاء وبالترويج لمصطلح المندسين والمجهولين وراء التظاهرات لمصادرة حق العراقيين في الدفاع عن وطنهم ضد التدخلات الإيرانية والتي عبروا عنها بإحراق القنصلية الإيرانية في البصرة.

على مشارف العام 2019 مازال المشروع الإيراني للانتقام من العراقيين يتصاعد في ظواهر التجويع والإذلال والتسويف بالإعمار وانعدام المشاريع الإستراتيجية وإهمال النازحين وبالسجون السرية وبـ13 ألف ملف للفساد معلن وتحت اليد وخارج المحاسبة، لأن دولة العراق تعمل وفق آلية الدولة المستقلة بسلطاتها الثلاث، لكن حالها حال الحكومات المحلية تحت سلطة الانتداب.

القرار النهائي بيد سلطة الاحتلال الإيراني في الوزارات والمديريات وصلاحيات مجالس المحافظات، والأخطر في تصميمها بأحزابها وميليشياتها على التطبيع المجتمعي مع التخلف في الصناعة والزراعة والصحة والتعليم لترك نسبة واسعة من العراقيين تحت خط الفقر والجهل، لمعرفتهم أن الحاجة بيت الطاعة للنظام السياسي وهباته في ترويض الشباب لدفعهم إلى التطوع في الميليشيات أو المافيات أو العصابات أو أهواء الإرهاب وبأجواء ومناخات فكرية تسود فيها الأمية التي امتدت لتشمل، في آخر الإحصاءات، نصف العراقيين في بلد كانت فيه سنوات السبعينات من القرن الماضي نموذجاً بتجاربها على مستوى العالم في مكافحة آفة الأمية وبميزانية مفتوحة باعتبار الاستثمار في التعليم خطوة وطنية لبناء المستقبل.

ميزانية العراق للسنة الجديدة خُصصت 4 بالمئة فقط منها للتعليم، في وقت يتخبط فيه القائمون على شؤون التربية بتغيير المناهج لصالح التعقيد كحل تربوي مهني يتجاهل تماماً الواقع المأساوي لكارثة التراجع في العراق والتي تستلزم إصلاح البنية السياسية والنظام العام مع استقاء التجارب العالمية في النظم التربوية التي غادرت تحفيظ المواد ورهبة الامتحانات وإرهاق الواجبات البيتية، إلى اكتشاف خصوصية التكوين الذهني للطلاب بتوفير رعاية صحية ونفسية وغذائية لتنمية الطاقات الجسدية والفكرية والفنية والعلمية مع اقتناص المواهب.

من صور الانتقام بعد ما يقترب من 16 سنة على الاحتلال الأميركي، مساهمته في السماح للمدارس الإيرانية الطائفية التوجه بالانتشار على مساحة العراق وبواقع أكثر من 120 مدرسة وفق الإحصاءات الإيرانية، رغم أن العراق ومدارسه الدينية التابعة لاجتهاداته المذهبية هي بعض من نهضة العراق وتركيبته الفقهية المتآخية عبر القرون وباهتمامها المعرفي والعلمي المتعدد.

جرائم التلقين الطائفي للتفريق بين شعب العراق انتقلت إلى المدارس الابتدائية، وهذا الاستهداف قراءة في منهج ولاية المرشد الإيراني لتهديم فكرة المعلم والمربي لتنشئة أجيال على شاكلة من هم في السلطة من الذين باعوا وطنهم وضمائرهم مع أول نداء للخيانة.

التقارير تؤكد مستوى العجز في بناء المدارس أو ترميمها أو المستخدمة رغم عدم صلاحيتها وتعداد الطلاب في الصف الواحد وقلة الكوادر التدريسية وغياب مستلزمات النهضة الحديثة، مع استشراء ظاهرة التدريس الخصوصي، وعدم الاهتمام بالأساتذة ورواتبهم، والإصرار على إعدام الفكر العلمي وحب الوطن، والسعي لتخريج مجاميع من الفاشلين والمتوسلين والمتسولين والراسبين في حياتهم.

تظاهرات الشتاء في البصرة والحراك العام المتعدد للمطالب الشعبية في القطاعات المتنوعة والمختلفة الأسباب، مع استمرار الميليشيات في تصرفاتها من الموصل إلى البصرة لفرض هيمنة المشروع الإيراني بما يقترب من التصريح بربط مصير العراقيين بمصير نظام الملالي الآيل إلى السقوط بتأثير العقوبات أو اتساع الاحتجاجات المحلية، إضافة إلى نشر غسيل الإرهاب الإيراني، وتماديه تحديداً بجوعه المزمن للانتقام من العراقيين، كل العراقيين، كلها مظاهر تؤكدُ أن الحسابات الختامية بين شعب العراق والعملاء بعد 16 سنة من الاحتلال، على مشارف جرس إغلاق بورصة ولاية الفقيه.