ببالغ الحرص والإهتمام نتلقَّف اللقاء التاريخي بين تيار المردة والقوات اللبنانية في بكركي... والمردة يصِفُهمْ الكتاب المقدّس «بكونهم شامخي الهامات، وفي الشموخ تعالٍ عن الجروح بالتسامح والصفح.

والتسامح عند علماء اللّاهوت هو الصفح عن مخالفة تعاليم الدين، وفي إصلاحات النابغة الفرنسي فولتير وفلاسفة القرن الثامن عشر يُعتبر التسامح من أهمِّ المزايا التي يتَّصف بها الإنسان لمعايشة من يختلف معهم.

وهو في الشعر ما يعـبّر عنه نـدره حـداد بالقول:

أنا أنسى جرحَ قلبي    كلَّما شاهدتُ جرحَكْ
فإذا أخطأتَ نحوي    فأنا أطلبُ صفحَكْ

نعرف في العلائق المسيحية – المسيحية أن المسيح أوصى بمحبة الأعداء، «أحبّوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم»، فكيف نحبّ الأعداء الأبعدين ونعادي الأخوان الأقربين ولا نباركهم.

ونعرف في العلائق بين المردة والقوات، أن هناك مفارقات حيال الخيارات الاستراتيجية والسياسية، وأنّ هناك حساسية مرهفة حيال الزعامة الشمالية، وأن هناك طموحاً في الإرتقاء الى الموقع الرئاسي الأعلى 

ولكننا نعرف أن المطامح كالشدائد هي التي تـمتحن الرجال، ونعرف أن الزعيم سليمان فرنجية والدكتور سمير جعجع قد امتحنتهما تجارب الزمان في أقسى فواجعها فلـم ينهزما، ونعرف «أن الضدَّين من جنس واحد ليسا ضدين في المطلق» كما يقول أرسطو، ونعرف أن كلاّ منهما بات يعرف كيف يجب أن يكون مارونياً، وكيف لا يكون مارونياً من «الجنس العاطل»

ما يـميّز هذا اللقاء أنه حصل في بكركي بنعمة الروح القدس وبركة غبطة البطريرك في ظل المسيح الذي يكون الثالث كلما اجتمع اثنان باسمه، وهو القائل «من لا يجمع معي فهو يفـرِّق» (متى: 12–30)

في «معراب» كانت الملائكة تتحدَّث عن إلـه مجهول، فراح الشيطان يوسوس بالأطايب الشهيّات في الفردوس، وفي بكركي يرتفع الصليب وهّاجاً فيحجب تسلّل الشياطين... والشمبانيا في معراب خمرة مسكرة، والنبيذ في بكركي خمرة مقدسة.

ثنائية بكركي تختلف عن ثنائية معراب باختلاف الروحانيات والماديات، على اعتبار أنّ الإنسان «كائنٌ ثنائي» بحدّ ذاته كما يقول مار بولس لأنه ينتمي الى العالم العقلي والعالم الحيواني»، وبهذا تكون الفردية العقلية فيه هي التي تحـقق له الإنتصار، في معزل عن حروب الإلغـاء حول مَنْ يكون الأول.

يقول المسيح: «إذا أراد أحدٌ منكم أن يكون الأول فليكن آخر الكل وخادماً للكل»... (مرقس: 9–25)

من هنا نتمنّـى أن تنتقل بالعدوى بركةُ بكركي الرسولية الى تفاهم معراب لينضم الى تفاهم بكركي في إطار زواج ماروني، الطلاق فيه محـرّم، والإلغاء القسري فيه محـرّم، في حملات الزحف الشرّير نحو كرسيّ بعبدا.

قالوا: عن اتفـاق مـعراب إنـه كان ردّة فعل لاستبعاد سليمان فرنجية، فهل يقولون عن اتفاق بكركي إنه ردّة فعل مقابلة لاستبعاد جبران باسيل...؟

ويقولون: إنَّ تحالف بكركي يرجّح حظوظ سليمان فرنجية الرئاسية على حظوظ سمير جعجع، مثلما كان حظّ العماد ميشال عون مرجَّحاً في اتفاق معراب على سليمان فرنجية.

وحسْبُ جعجع في هذا، أن يكون دوره في صناعة الرؤساء شبيهاً بموقف كمال جنبلاط حين سئـل ما إذا كان يريد أن يكون رئيساً للجمهورية فقال: «صدَفَ أن تمكنّا سنة 1952 ثم سنة 1958 أنْ نأتي بالرؤساء ثم نعزلهم، وهذه الوظيفة أكبر من وظيفة رئيس الجمهورية».

مع فائق التهنئة والتمنيات نتوخّى أن تبادر بكركي منذ اليوم الى إقامة سلسلة من الصلوات والقداديس على نيّة رئاسة الجمهورية، حتى لا تـظل هذه الرئاسة شـراً مارونياً لا بـدّ منه.