هل التجارب التي تعيشها تجعلك تتآلف مع الألم بهذه الطريقة؟ لم تكن أمل (23 عاماً) تعرف ماذا ينتظرها، كانت أحلامها الصغيرة تكبر معها، وتعوّض عليها هجران والدها في طفولتها. وجدت في والدتها مثالاً للحب والعطاء والإرادة، إلا ان القدر حطّم آخر ما تبقى لها... توفيت والدتها وبقيت أمل وشقيقتها وحيدتين في الحياة.

قست الأيام على أمل، ليس سهلاً أن تعيش من دون والدين، من دون حضنٍ دافئ تلجأ اليه في لحظات التعب واليأس والألم. أمل لم يكن لها أحدٌ سوى شقيقتيها... صغيرات في وجه الظلم.

أتاها الظلم من القريب، بعدما ترعرعت في بيت جدها بعد وفاة والدتها. تروي أمل قصتها قائلة: "كانت معاملتهم سيئة، لم يحبوننا يوماً. لم نكن ابداً سعيدتين هناك، حدّ أنني اتّخذتُ قراري بالزواج من أول رجل يتقدم لي. لم أكن أعرف أنني سأدفع ثمن قراري... حياتي! جاء العريس ومعه انتهت أحلامي، هذا الشخص الذي تعرفتُ اليه في فترة الخطوبة أصبح شخصاً آخر بعد الزواج. كيف يمكن شخصاً ان يتغير لهذه الدرجة؟".

قررت أمل الهروب من هذا العالم، لكن ما ينتظرها هناك كان جحيماً بحدّ ذاته. وفق ما قالت: "ما إن وطئت قدماي منزلنا الزوجي، انقلبت حياتي رأساً على عقب. أيعقل أنّ زوجي الذي أراه أمامي تحوّل رجلاً شهوانياً لا يفكر إلا بنفسه؟". لا يفكر إلا "بالحرام". كان يرعبني بشهواته وأفكاره لدرجة أني رفضتُ وصدّيته وأقفلتُ على نفسي باب الحمام. لم أقبل أن أُجاريه، فكنتُ أتلقى الضرب بشكل دائم. أصبح يعنّفني كثيراً كلما رفضتُ القيام بأمور "حرام" ويطلب مني احتساء الكحول وتلبية رغباته الجنسية". 

 

انت أمل قوية كفاية لترفض طلبات زوجها. لم يكن قادراً على مواجهتها، فشكاها عند والدته. هو الرجل الميسور وهي الشابة الصغيرة، وجهاً لوجه في زواج بُني على المصلحة والهروب. لكلٍّ أسبابه التي دفعته إلى هذا الزواج. كانت تريد بناء عائلة، والبدء من جديد، لكنّه لم يكن هذا الرجل الذي سيحققّ أحلامها. أدركت أخيراً أنّها لن تكون سوى أداة لشهواته الجنسية فقررت ان تُنهي عذاباتها بإنهاء حياتها!

في تلك اللحظة، لم ترَ سوى سواد يخيّم على حياتها. تستعيد تلك المحطة المفصلية قائلة: "قررتُ الانتحار من دون تفكير، هكذا رميتُ نفسي من الطبقة الخامسة. رأيتُ أحلامي تموت أمامي ووجه أمي ينتظرني".

"ما ضل فيّ شي"

 

فتحت أمل عينيها في المستشفى، لا تتذكّر الكثير. الكسور تحتلّ كل مسافة من جسدها. كانت عاجزة عن الحراك. كسورٌ في الحوض والساقين والرقبة والظهر، "ما ضل فيّ شي". يخونها صوتها: "ما أذيت إلا حالي"، انا التي لم تعدّ تمشي جيداً، وكان عليّ تناول الأدوية والخضوع لجراحة في ساقي "لتقويم المفصل" منذ سنتين، لكنّي عاجزة عن دفع تكاليفها. خمسة ملايين ليرة لبنانية، أعجز منذ سنتين على تأمينها، كيف لنا ان نؤمّن هذا المبلغ وانا عاطلة عن العمل، لا احد يقبل بتوظيفي، وشقيقتي تعمل في محل تزيين الشعر ولا تتقاضي سوى مبلغ زهيد لا يكفينا لنأكل".

يصعب على أمل المشي بشكل طبيعي. هذا الجسد الصغير عاجزٌ امام هذا التعب والوجع. لا تريد سوى ان تستعيد حياتها الطبيعية حتى تتمكن من العمل وإعالة نفسها وشقيقتها. تتطلب المساعدة لأنها وصلت الى حائط مسدود. لا تريد سوى فرصة ثانية، فهل من يمنحها لها؟