نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام ندوة ثقافية بعنوان "اعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015: مضمون وآمال"، في أوديتوريوم فرنسوا باسيل- جامعة القديس يوسف، شارك فيها وزير الاعلام ملحم الرياشي، سفيرة سويسرا مونيكا كيرغز، ستيفاني خوري ممثلة المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان برنيل كارديل، رئيس الجامعة اللبنانية الاميركية الدكتور جوزف جبرا، في حضور النائب محمد الخواجه ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الدكتور داوود الصايغ ممثلا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الرئيس ميشال سليمان، رئيس جامعة الحكمة الاب خليل شلفون ممثلا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الشيخ حسن مرعب ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وسام ترحيني ممثلا رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، الشيخ سامي أبو المنى ممثلا شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن، الدكتور ناصر زيدان ممثلا النائب تيمور جنبلاط، العقيد الركن ادغار شهوان ممثلا قائد الجيش العماد جوزاف عون، الوزيرة السابقة منى عفيش، نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي، الرائد ربيع الغصيني ممثلا المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، العقيد نجم الاحمدية ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، العقيد جاك موسى ممثلا المدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا، رئيس الجامعة اليسوعية الاب الدكتور سليم دكاش، رئيس الصليب الاحمر اللبناني الدكتور انطوان الزغبي، اللواء المتقاعد ابراهيم بصبوص واللواء المتقاعد وليد سلمان، وحشد من الشخصيات الدبلوماسية والاكاديمية والثقافية.

بعد النشيد الوطني، القى رئيس المركز العميد المتقاعد الدكتور علي عواد كلمة رحب فيها بالمشاركين والحضور وقال: "ان من يرصد الأزمات والنزاعات في العالم يكتشف بصورة واضحة أن السبب الأساسي لاندلاعها واستفحالها هو غياب الحوار أو تغييب الحوار او اهمال بناء ثقافة الحوار وشروطها وابعادها، لذلك كان لا بد لنا كمركز للدراسات أن نواجه هذه المسألة في بعدها الشامل الثقافي الدولي الحيادي الموضوعي والمستقل. وبالتالي نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام مؤتمرا ثقافيا دوليا بعنوان "الاعلام وثقافة الحوار الانساني" في قاعة مؤتمرات جامعة جنيف / سويسرا بمشاركة مؤسسات ثقافية دولية (24-25 أكتوبر 2015) . وفي الجلسة الختامية تم اطلاق مبادرة علمية انسانية دولية بعنوان "اعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015". انه أول اعلان علمي يدعو الى اعتماد الحوار في علاقات المجتمعات البشرية وحفظ القيم الانسانية، وأول وثيقة انسانية دولية شاملة تهدف الى ترسيخ ثقافة الحوار الانساني لأجل السلام".

اضاف: "لقد كانت لنا المبادرة الى تنظيم هذا المؤتمر الدولي في اطار علمي- ثقافي وموضوعي صرف، وفي حرم صرح علمي عريق، جامعة جنيف، عاصمة المنظمات الانسانية. تم تنظيم المؤتمر بمبادرة ثقافية مستقلة بهدف الحفاظ على الأبعاد العلمية للمؤتمر وللاعلان. لقد أكدت المرجعيات العلمية - الثقافية الدولية أنه كان لنا كلبنانيين أسبقية اطلاق أول اعلان علمي دولي يدعو الى اعتماد ثقافة الحوار وبناء السلام".

وتابع: "لمناسبة مرور سنة على اطلاق، "اعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015"، نظمنا ندوة ثقافية بعنوان "ثقافة الحوار الانساني وبناء السلام" في قصر اليونسكو في بيروت في 24 أكتوبر 2016. واليوم، وبمناسبة مرور 3 سنوات على اطلاق هذا الاعلان ننظم هذه الندوة الثقافية بعنوان "اعلان جنيف الدولي لثقافة الحوار الانساني 2015: مضمون وآمال" .

من جهته، رأى الدكتور جبرا "ان المنافع التي وصلت اليها البشرية، وهي تسود عالم اليوم، كثيرة وربما لا تحصى، لكن في الوقت نفسه نجد الصراعات والخلافات قد أدت الى اندلاع حروب ونزاعات عديدة، حيث ان الصراع على المكاسب يولد العنف، فالعنف هو ملاذ العقول الصغيرة والضعيفة، وعندما لا تتوفر ثقافة الحوار ينشب العنف".

وذكر عدة أمثلة "توصل الى سيادة منطق الحوار والابتعاد عن العنف بكل اشكاله، وهي: أولا اعتماد مبدأ الحوكمة والمشاركة الرشيدة في اتخاذ القرارات، حيث تكون الاولوية دائما لزرع ثقافة الحوار في عقول ونفوس شبابنا، فلا يمكن اتخاذ أي قرار هام قبل سماع رأي الاساتذة أي طاقم الجامعة والمؤسسة ثم رأي الطلاب والانصات اليهم جيدا ومعرفة بماذا يفكرون". ودعا الى "ثورة سلمية في البرامج التعليمية لجهة المحتوى والمنهج، ومشاركة الاساتذة بالمعرفة مع الطلاب وسماع ارائهم هي الاهم".

وطالب جبرا "بتعزيز ثقافة الحوار والمشاركة وزيادة سماع وتفهم بعضنا لبعض، فلو استمعنا الى بعضنا بعض في لبنان وأنصتنا جيدا الى ما يفكر الاخر لما وصلنا الى أي حروب أو مشاكل، فأي مجتمع يسوده العدل والحوار لن يعرف العنف".

والقت خوري كلمة المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان، التي اعتذرت لغيابها عن لبنان واكدت اصرارها على هذه الندوة "لأن الحوار هو في قلب مهمة الامم المتحدة منذ نشوئها، لانقاذ وحماية الاجيال من ويلات الحرب". وقالت: "في الاسبوع الماضي اجتمع ممثلون عن كل دول العالم من اجل النقاش والحوار، وهذا الاجتماع السنوي في الامم المتحدة يؤكد على أن الحوار هو الوسيلة الافضل للمضي نحو مستقبل يسوده السلام".

اضافت: "رغم أن هذا المنتدى الدولي هو فرصة رائعة للتقريب بين وجهات نظر رؤساء الدول حول مختلف القضايا الدولية، حيث قال الامين العام للامم المتحدة أن عالمنا يعاني من نقص الثقة بين زعمائه، محفزا دول العالم من اجل مواجهة التهديدات الشاملة، حيث أن غياب الحوار قد ادى الى زيادة النزاعات، واستجابة لهذا الواقع المقلق اعتمدت الامم المتحدة ومجلس الامن عدة قرارات سنة 2016 من اجل الحفاظ على السلام في جميع أبعاده، فالحروب لا تحل المشاكل بل تزيدها تعقيدا، ويجب اعتماد الحوار مترافقا مع التنمية والحياة الكريمة للانسان، حيث ان اعلان جنيف يدعو الى نشر ثقافة الحوار وقبول الاخر والتعليم والتربية على المواطنة والتعددية".

وشددت السفيرة كيرغيز على "دور سويسرا في تعزيز ثقافة الحوار ونشر السلام بين شعوب العالم، فهذه الثقافة راسخة في ارث سويسرا الانساني والعالمي. ان مشاهدة الاف القتلى والجرحى التي تنتج عن النزاعات حفز سويسرا من اجل ترسيخ الحوار وقبول الاخر، وصورة سويسرا المسالمة تلعب دورا مهما في تعزيز ثقافة الحوار وهي توحي بالثقة لكل شعوب العالم".

وتابعت: "منذ اندلاع الحرب السورية التي أتت بمشهد خطير مع مقتل وجرح مئات الالاف وتشرد الملايين، وهذه المشاهد تذكرنا بالحروب الكبرى، وسويسرا تنظر انه مع هذه النزاعات يجب تطوير الوساطات التي تعتبر العنصر الاول المرتبط بحكم القانون ونشر العدالة والسلام".

ثم استعرضت مكامن قوة لبنان في الوساطة الدولية، مشيرة الى انه "شهد نزاعات كبيرة اثرت كثيرا عليه، وهو نموذج للحرية والتعايش وفي قلب كل فرد حوار يوصل الى جدوى معينة في الحوار والسلام". وقالت: "لدى الشعب اللبناني قدرات فطرية تسمح لكل لبناني أن يكون وسيطا ومروجا للسلام".

وختمت معربة عن "التزام سويسرا بمساعدة لبنان وكل المنطقة من اجل علاج مشاكل الماضي والتطلع نحو المستقبل".

ثم كانت كلمة الوزير الرياشي عبر فيها عن أعتقاده "أن المشكلة تكمن فينا نحن، ولا تحتاج الى اعلانات رغم أن الاعلانات والمواثيق الدولية كثيرة، وهي محاولات بشرية لمواجهة جشع وعنف البشر.

ولفت الى " إن الله قال:" "قايين إن دماء أخيك تصرخ الي من الارض، ماذا فعلت بأخيك؟"، معتبرا انه"تبا لنا نحن البشر! فنحن البشر أساس الخلاص وأساس البلاء في الوقت نفسه".

وقال:" نحن البشر نقيم الحروب والامبراطوريات ونطمع ونجشع ونمدد المصالح على حساب الآخرين لنصل الى امبراطوريات لا تغيب عنها الشمس ولكن تغيب الامبراطوريات وتبقى الشمس، ولا نتعلم الا بعد ممارسة العنف والدم والموت، ثم نتعلم ونذهب الى سلام وتسويات لصناعة السلام. هنا فقط نتحاور، ونتحاور حين نتعب". 

أضاف:" لذلك، علينا نحن البشر أن نتعلم ونتحاور في عز نشاطنا لا حين نتعب. لأن البشر ولدوا مختلفين وهذه ميزة هذا البستان العظيم الذي خلقه الله، بستان من التنوع والاختلاف ولا يشبه احد أحدا، وحتى التوائم لديها بصمات مختلفة، وهذه ميزة الله فينا، وهذا هو فخرنا أن لا نكتفي بالدعاء الى الله والكلام الايجابي عن حضور الدين في حياتنا، في المساجد والكنائس والمصليات والخلوات واينما كنا، ونمارس مع بعضنا البعض عكس ما نصلي وعكس ما نقول".

ورأى "ان المهم كما قال جبران خليل جبران أن نطبق ما نفكر به، ولا نفكر ونفعل عكس ما نقول، فالمهم أن نفهم ونعزز مفاهيم الحوار والتواصل، وأن نجعل هذا الحوار والتواصل حاضرا ومقوننا ومنظما لحياتنا مع احترام الاختلاف، ولكن قبل احترام هذا الاختلاف علينا أن نعترف أن هذا الاختلاف موجود، علينا أن نعترف أن الآخر المختلف لا يجب الغاؤه، بل يجب محبته ومعرفته وأن نمتلك شجاعة الاختراق والتواصل، الاختراق أو "الانثقاف" في الآخر، معرفة الآخر، لأن الانسان هو عدو ما يجهل".

وتابع الرياشي: "هل تعرفون أيها السادة أننا في العام 2018 ميلادي، أي قد مضى 2018 سنة على مجيء السيد المسيح وملايين السنين على وجود الانسان على الارض، ومجيء الانبياء والدعاة، ولا شيء تغير. فلم أر وحشية وعنف أكثر مما مر في هذه الاعوام الاخيرة، لا في الافلام او الاخبار او في القصص التي قرأتها عن جرائم الانسانية. فما نسمعه وما يحصل حاليا في اليمن وسوريا والعراق، لم نكن نسمع به. فما رأيناه ونراه كأنه فيلم رعب، او مسلسل أحمق لا نستطيع أن نراه الا في كوابيسنا، لكننا شهدناه، شهدنا رؤوسا تقطع وقنابل تقذف، شهدنا ثقافة الفصل على حساب ثقافة الوصل، شهدنا الانفصال، شهدنا أبشع أنواع التعذيب التي يمكن أن يتعرض لها انسان، وكل هذا سببه نحن ولا أحد سوانا، تبا لنا نحن البشر !!!".

وقال: "لقد عملت في تجربتي في خدمة لبنان في وزارة الاعلام على اعادة هيكلة هذه الوزارة لتكون وزارة للحوار والتواصل ولا تكون فقط للاعلام، ولتكون منصة لتلاقي كل مختلفين، ليس لكي يصبحا من رأي واحد إنما لإيجاد مساحة مشتركة بينهما، مساحة جامعة تحمي هذا التنوع وهذا الاختلاف، تحمي هذا التمايز والتميز بين الانا والآخر، ولكن في الوقت نفسه، تلاقي المساحات المشتركة بيننا لصناعة غد أفضل. هذه المساحات المشتركة هي التي نبحث عنها، وحينما لا نجدها نبحث عنها بواسطة الدم والعنف (لا حوار: يعني حرب في كل لحظة وفي كل ثانية وفي كل يوم من حياتنا). نحن من مخلوقات الله على الارض وأعتقد أننا في بعض الاحيان أسوأ هذه المخلوقات. لأن الحيوانات لا تقتل الا لتأكل، بينما نحن نتلذذ بالتعذيب والقتل".

وأضاف: "من هنا أدعو الى أمرين:الاول الى تعزيز الثقافة والعلم بمفهومهما العام، تماما كما فعل "لي كوان يو" في سنغافورة، حيث مئات الاثنيات في وقت نحن 18 طائفة، مئات الاثنيات جمعهم على مفهومي الثقافة والتعليم وتطوير هذه المفاهيم ومن ثم على احترام القانون، وهذا ما أدعو اليه واشدد عليه وأن يكون حازما في لبنان وربما في كل المساحات المشرقية، لأن احترام القانون والثقافة يساهم على الاقل في ابعاد العنف. وثانيا ادعو كل المعنيين بهذا الملف الى الاستفادة مما فعلنا معا في المحطات الاعلامية الرسمية، حين أعلنا أن هذه المحطات الرسمية ليست ولن تكون للرسميين، إنما هي ملك الشعب اللبناني، فهي مساحات للتواصل مع الاخر، ممكن أن تكون بين ايديكم خاصة للدراسات ولتقديم الفكر الافضل والاهم، لتقديم شهادات حياة عن الحوار والتواصل، من صغيرها أي في بعض القرى بحل المشاكل الصغيرة كما كان يسمى عند أجدادنا "عقد الراي" وصولا الى حل المشاكل الكبيرة".

واكد أن "احترام الاختلاف والاعتراف بالآخر المختلف هما العنوانان الاساسيان لهذه المهمة. وأنا أعلن من هنا عن فتح أبواب وزارة الاعلام وأي اعلام رسمي لأي صاحب فكرة أو شهادة حياة في هذا الاطار لتكون هذه التجربة ملكا لجميع اللبنانيين ولجميع ابناء الانسانية جمعاء. وفي النهاية لا بد أن نصل الى مفهوم جديد، فأين العنف الذي يسري في هذه المنطقة وقد رأينا عددا من الدول الكبرى والعظمى التي تملك الاسلحة والمصانع العظيمة ولا تهتم لحقوق الانسان على الاطلاق. لقد تحدثت السفيرة عن 550 الف قتيل وأنا أعتقد أن القتلى بالملايين لأن هناك ما يرى ويعرف وما لا يرى ولا يعرف، ولكن هناك الاف لا بل ملايين القتلى".

وقال: "أنا أدعو الى ادارة أممية من قبل الامم المتحدة لحماية الانسان وحقوق الانسان من الانسان ذاته، أدعو الى تحرك دولي كبير لتحقيق هذه الغاية، لو تعرف بعض الدول أن ثمن بعض الدبابات أو الطائرات الحربية ممكن أن ينقذ البشرية من الجوع، ولكن هذا الامر يحتاج الى بعض التنظيم حتى يساهم بذلك. لأن الجوع والفقر والجهل هي الاسباب الحقيقية للعنف، وعندما نلغي السبب نلغي النتيجة. وعلينا أن نعمل معا من أجل الغاء هذه الاسباب، وهذه الدول الغنية التي لا تعرف مخاطر التطرف والعنف بسبب الجوع والجهل، عليها أن تعي أنه من واجبها لا بل من مقدساتها ويجب أن يكون في دساتيرها أن تبادر لإلغاء هذا الجوع وهذا الجهل".

وأشار الى ان "هذه المنطقة تمتلك أهم ثروات العالم من العراق الى سوريا ولبنان والجزيرة العربية، ولكن أسوأ الانظمة واسوأ اساليب استغلال هذه الشعوب المسكينة التي لا تستطيع أن تجعل من هذه المنطقة منطقة منفتحة على الحياة ولاجل الحياة".

وختم: "اعتقد أن الكلام لا يحل مشكلة، فالمطلوب وضع خطة عمل تجعل من الكلام مفيدا ومنتجا".