نجح «تيار المستقبل» طوال الأشهر الـ4 الماضية؛ أي منذ تكليف رئيسه سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة للمرة الثالثة، بتجنب الخوض في مواجهات سياسية ينشغل بها حاليا معظم الفرقاء، رغم حجم الضغوط التي يتعرض لها؛ سواء من خلال رفع الغالبية العظمى من القوى سقوف مطالبها وشروطها الحكومية، أو من خلال التلويح بين الآونة والأخرى بسحب التكليف منه بناء على فتاوى متعددة لم تجد صدى دستورياً لها.

وتُوازن قيادة «المستقبل» في المرحلة الراهنة بين مراعاتها وتأييدها مطالب حزبي «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» في الحكومة، وبين حرصها على تفاهمها السياسي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والذي قام بعيد التسوية الرئاسية التي ضمنت وصول عون إلى سدة الرئاسة في عام 2016. فعلى الرغم من خروج أكثر من قيادي ونائب عوني لمهاجمة الحريري واتهامه بالخضوع لضغوط خارجية تعطل عملية تشكيل الحكومة وكذلك عدم اعتماد معايير موحدة في الصيغ الحكومية التي يرفعها لرئيس الجمهورية، فإن الحريري آثر التعميم على نوابه والقياديين في تياره بعدم الانجرار إلى السجال المفتوح مع «التيار الوطني الحر»، حرصا على استمرارية التسوية الرئاسية، وإن كان هو نفسه كما رئيس «التيار» جبران باسيل لم يترددا في توجيه الرسائل المبطنة كلاهما للآخر في أكثر من مناسبة بعد انقطاع التواصل المباشر بينهما نتيجة تفاقم الخلافات حول توزيع الحصص والحقائب.

ويصطف الحريري إلى جانب حليفيه السابقين؛ سمير جعجع ووليد جنبلاط في ملف تشكيل الحكومة؛ إذ يدعم مطالبة «القوات» بالحصول على 4 وزارات وحتى على وزارة سيادية، كما يدعم «الاشتراكي» في حصوله على كامل الحصة الدرزية في الحكومة مقابل إصرار الرئيس عون والوزير باسيل على إعطاء أحد المقاعد الدرزية الـ3 لرئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان.

ويعد أحد القياديين في «المستقبل» أن «الحرص على عدم الذهاب إلى القطيعة مجددا مع (التيار الوطني الحر) والرئيس عون كما على عدم الخوض في جدل عقيم، قائم ومحفوظ، من منطلق أن التفاهم السياسي الذي تم على أساس رئاسي، لحظ بشكل أساسي التعاون بيننا وبينهم حتى وإن كان الخلاف على التشكيلة الحكومية واضحا ومستمرا». ويضيف القيادي «المستقبلي» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «في الملف الحكومي تتطابق إلى حد كبير وجهات نظر عون وباسيل، ويبدو من الصعوبة بمكان الفصل بينها، في وقت يسعى فيه الرئيس الحريري للتوفيق بين طلبات مختلف الفرقاء رغم إصرار العونيين على إعطاء وزارات معينة لقوى محددة. أضف محاولاته التوفيق بين طلبات القوى المسيحية، بحيث تشهد هذه الساحة عملية شد حبال غير مسبوقة بين (القوات) و(الوطني الحر)».

وإذا كانت علاقات «المستقبل» سواء بعون أو «الوطني الحر» أو حتى «القوات» و«الاشتراكي» و«أمل»، علاقات غير ثابتة منذ نحو عام تقريبا وبالتحديد منذ تقديم الحريري استقالته في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن ما هو ثابت خصومته السياسية الدائمة مع «حزب الله»، علما بأن الطرفين نجحا في السنوات الماضية في إرساء تهدئة غير مسبوقة بين جمهوريهما حتى خلال مرحلة الانتخابات النيابية في يونيو (حزيران) الماضي. وقد ظلت هذه التهدئة قائمة وإن تم خرقها مؤخرا ولكن بحدود دنيا بالتزامن مع عقد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جلسات المرافعات النهائية، كما بعيد الإعلان عن تسمية أحد الشوارع في الضاحية الجنوبية لبيروت باسم القيادي في «حزب الله» مصطفى بدر الدين الذي أعلن عن مقتله بدمشق في شهر مايو (أيار) 2016، وهو أحد المتّهمين الرئيسيين لدى المحكمة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ويشير عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش إلى أنه «من المنطقي والطبيعي أن يكون (المستقبل) اليوم أقرب إلى (القوات) و(الاشتراكي) على المستوى السياسي الإقليمي، ويعدّهما حلفاء له، خصوصا أن بعض روحية (14 آذار) لا تزال موجودة».، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه على المستوى الداخلي؛ «فإن حلفاء الرئيس الحريري هم كل من سيسهل العمل الحكومي بعد تشكيل الحكومة وبالتالي يسهل مهمته ويتعاون معه».