في 17 أيار من العام الماضي، أُدخلت الطفلة "اعتدال.م" التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات الى مستشفى سان لويس في جونية على أثر توقّف عمل القلب. بنتيجة الكشف عليها تبيّن وجود آثار عضّ وازرقاق على جسدها. حاول الفريق الطبّي في المستشفى إجراء الإسعافات الأوّليّة لها من دون جدوى. نقلت الطفلة الى مستشفى آخر لكنّها ما لبثت أن فارقت الحياة.

تقرير الطبيب الشرعي الدكتور نادر الحاج الذي عاين الطفلة قبل وفاتها ذكر أنّ ابنة السنوات الثلاث كانت فاقدة للوعي، ويوجد رضوض صغيرة ومتعددة في الساعدين والظهر وهي متفاوتة الزمن، ويوجد رضّة على أعلى الصدغ الأيسر وآثار عضّتين على اليد اليمنى يبدو جليّاً أنّهما عضّتان لطفلٍ صغير.

 وتبيّن وجود آثار دماء على غشاء الرأس كما قال طبيب الطوارئ بحسب ما تبيّنه صورة السكانر التي أجريت للرأس، مؤكّداً أنّه يوجد آثار اعتداء على الطفلة بالضرب والعضّ، مشيراً الى أنّ توقّف عمل القلب هو نتيجة ارتطام الرأس.

بوشرت التحقيقات بإشراف القضاء المختص، وتمّ الإستماع الى الوالد الظنين "عبد العزيز.م" (سوري) فأفاد أنّه حضر الى المستشفى بناء على إتصال من زوجته التي أعلمته أنّ ابنته "اعتدال" (من زواجه الأول) غابت عن الوعي وتمّ نقلها بصورة طارئة الى المستشفى، ولفت الى أنّ المرحومة دأبت على نتف شعرها وعضّ جسمها وقرص نفسها بيدها، وأنّه عرضها سابقاً على أحد المشايخ الذي وصف لها حجاباً لكنّه لم يلقَ نتيجة. وأضاف بأن زوجته الثانية "صفاء.ط" كانت بمثابة أمّ لطفلته وأنّه أحضرها هي وطفلته الأخرى "نور" من زواجه الأوّل من سوريا الى لبنان للإقامة معه بناء على طلب زوجته الثانية "صفاء"، نافياً إقدامه على ضرب أطفاله.

استدعيت زوجة الأب للتحقيق فأفادت أنّها تزوجت من "عبد العزيز" منذ حوالي أربع سنوات ولها منه طفلان واحد عمره سنتان والثاني 11 شهرا، وأنّهما يعيشان مع طفليهما فضلاً عن بنات زوجها "اعتدال" وشقيقتها "نور"، مشيرة الى أنّها هي من طلبت من زوجها إحضار طفلتيه من سوريا بعدما تخلّت والدتهما عنهما. وأضافت أنّها كانت تعامل "اعتدال" تماما كطفليها، لكنّ الأخيرة دأبت منذ وصولها الى المنزل على قرص جسمها وعضّ نفسها وهو ما يفسّر الإزرقاق الظاهر على جسدها، كما أنّها كانت تقضي حاجتها في ثيابها وفي كلّ مرّة كانت تحاول غسلها كانت تصرخ بشكلٍ غير طبيعي، مشيرة الى أنّ ابنها "مصطفى" البالغ سنتين من العمر شقيّ جداً وكان يعتدي بالضرب على أخته فتقوم هي بمنعه من ذلك.

زوجة الأب أفادت انّها يوم الحادث، كانت في المنزل مع الأولاد وزوجها كان في العمل، فقامت بتحميمهم ولمّا حاولت "تحميم" المرحومة راحت تصرخ وتبكي وخرجت من الحمام فأحسّت أنّها تتنفس بصعوبة وأغمي عليها، فحملتها بيدها وهرعت الى جارتها حيث تمّ نقلها الى المستشفى.

وأفاد الخبير الزراعي "محمد.ح" أنّ الظنين "عبد العزيز" يعمل عنده منذ 5 سنوات، وأنّ الأخير كان يخبره أنّ ابنته المرحومة منطوية على نفسها وتؤذي ذاتها وأنّه كان برفقته حين تلقى إتصالاً من زوجته تخبره بأنّ ابنته لا تتنفس فاتصل بأحد الجيران من أجل نقلها الى المستشفى.

أمّا جارة المتهمة "سعاد.ح" فأفادت أنّها لم تشاهد "صفاء" تقوم بضرب الطفلة إلّا أنّها كانت تسمع صراخ جارتها، مشيرة الى أنّ الطفلة "اعتدال" وشقيقتها كانت ترتعبان من "صفاء" بحسب ما يبدو لها.

وأكّد الشاهد "حسن.م" أنّه يعمل في مجال قراءة القرآن وأنّ والد الطفلة أحضرها اليه من أجل قراءة القرآن لها، كونها كانت تقوم بأذية نفسها من خلال نتف شعرها وعضّ يدها وأنّها كانت بحالة غير طبيعيّة.
وأدلت عمّة الطفلة بمعلومات مشابهة.

وتبيّن أنّ "صفاء" وزوجها "عبد العزيز" يقيمان في لبنان بصورة غير مشروعة. وخلال محاكمتها أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي محمد بدران، نفت "صفاء" قتلها الطفلة وكرّرت هي وزوجها مضمون إفادتيهما الأوّليّة.

ولأنّه لم يثبت للمحكمة من معطيات وظروف القضيّة وفي ظلّ عدم توافر الأدلة القاطعة التي من شأنها تكوين القناعة الجازمة بإقدام المتهمة "صفاء.ط" على قتل الطفلة "اعتدال" عمداً، ولأنّ مبدأ الشك يفسّر لمصلحة المتهم، وإنطلاقاً من اليقين الذي يجب توافره للمحكمة من أجل إصدار حكمها بالتجريم على نحوٍ يريح ضميرها، فقد قضت المحكمة بالإجماع  بإعلان براءة المتهمة "صفاء" من جناية المادة 549 عقوبات للشك وعدم كفاية الدليل بحقها وأدانتهما مع زوجها بجرم الإقامة في لبنان بصورة غير مشروعة وأنزلت عقوبة السجن مدة شهرين بالزوجة ومدة شهر بالوالد (بعد تخفيف العقوبة بحقه) وإطلاق سراحهما كون التوقيف الفعلي تجاوز فترة العقوبة.