تسجل البطالة في لبنان نسبة 36%، في وقت يعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب "انه تم خلق 2,9 مليوني وظيفة عمل حتى اليوم خلال عهده". رقمان أدلى بهما عضو تكتل "لبنان القوي" النائب القس ادكار طرابلسي، ويفتحان الباب على عملية تحقق صحافي فيهما. Fact _Checking من "النهار". ما حقيقتهما؟ ماذا وراءهما؟

الوقائع: في 31 آب 2018، عقد في قصر الاونيسكو لقاء بعنوان: "هل تريد وظيفة؟" بدعوة من النائب طرابلسي، "يهدف الى تقديم المساعدة العملية الى طالبي الوظائف، من الخريجين والمحتاجين الى العمل، وشارك فيه عدد من أصحاب الشركات وممثلين لهم وطلاب طالبو الوظائف".

والقى طرابلسي كلمة قال فيها: "خطوتنا لن تحل هذه الأزمة لدى الشباب اللبناني، بحيث تعاني نسبة 36 بالمئة من اليد العاملة القادرة على الإنتاج من البطالة. إلا أن المبادرة التي نقوم بها بالتعاون مع الصديقين السادة كريكي والمهندس صلاح ملاعب، واليوم أصبح لدينا شركاء جدد، مما يعطي بصيصا من الأمل في ظلمة هذا الزمن...". ولفت الى ان "الرئيس ترامب خلق نحو 2,9 مليوني وظيفة عمل. مهما كانت شخصيته غريبة، الا انه أعطى مواطني دولته وظائف. وهنا علينا اتباع سياسة تطوير جهودنا لننقل لبنان واللبنانيين الى واقع أفضل".

التدقيق:

-ردا على سؤال لـ"النهار" عن مصدر نسبة 36% للبطالة في لبنان، قال طرابلسي انه استند الى دراسة لجمعية "مبادرات وقرارات"، وقد اجرتها "بناء على طلب مرجع عسكري، لمعرفة اسباب توجه الشباب نحو الارهاب والمخدرات وآفات المجتمع"، على قول رئيس الجمعية الدكتور دال حتي لـ"النهار".

نعم، 36% هي النسبة التي توصلت اليها الدراسة حول البطالة في لبنان. كيف؟ "توجهنا الى مختلف المناطق اللبنانية، واخذنا عينات منها"، على ما يجيب. "تبين لنا ان 660 الف شخص عاطلون عن العمل في لبنان، علما ان نسبة البطالة تفاوتت بين منطقة واخرى: بيروت الادارية 19,9%، جبل لبنان 32%، الجنوب/ صيدا وجوارها بين 20% و21%، صور وجوارها 19%، عكار 44% (خصوصا بين الشباب)، البقاع الغربي بين 22% و23%، والبقاع الشمالي بين 44% و45%". بموجب هذه الارقام، "يكون المجموع 36%"، مع وجوب الاشارة الى ان هناك ايضا "نحو 800 الف سيدة ربة منزل من حاملي الشهادات لا يعملن ايضا".

-في موضوع البطالة في لبنان، تتفاوت النسب بين دراسة واخرى، في ظل غياب ارقام رسمية حديثة. ويفسر حتّي بأن "سبب الاختلاف بينها يرجع الى نسب الاعمار التي اعتمدتها كلّ منها".

وهنا عينة من هذه الارقام المتفاوتة. على سبيل المثال:

*البنك الدولي: عرض عام للوضع في لبنان- 1 نيسان 2017- "وفقا لمصادر حكومية وأخرى مستقلة، فإن نحو 1.5 مليون سوري، بما يمثل ربع سكان لبنان، قد لجأوا إلى لبنان منذ بدء الصراع في آذار 2011. وقد شكل ذلك ضغوطا كبيرة على ماليته العامة وتقديم الخدمات، والبيئة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الأزمة إلى تفاقم أوضاع الفقر بين اللبنانيين، وكذلك إلى اتساع التفاوت في مستوى الدخل. ويُقدر أنه نتيجة للأزمة السورية خصوصا، فإن نحو 200 ألف لبناني آخرين سقطوا في براثن الفقر، ليُضافوا إلى الفقراء السابقين البالغ عددهم مليونا. وتذهب التقديرات إلى أن من 250 الفا الى 300 ألف مواطن لبناني، معظمهم من الشباب عديمي المهارات، أصبحوا في عداد العاطلين عن العمل".

*الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة: "ارتفعت نسبة البطالة من 11% تقريباً قبل الحرب السورية الى 35% كمعدل عام، ووصلت الى اكثر من 60% بين الشباب اللبناني، وفقا لأرقام مستقاة من أكثر من دراسة" ("النهار"-1 كانون الثاني 2018).

*الدكتور توفيق كسبار: "الدراسة الأخيرة عن البطالة في لبنان التي أجرتها وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية كانت عام 2007. كان البنك الدولي أجرى دراسة بينت أن البطالة كانت 11% عام 2009. نسبة الشباب شكلت 34%، ونسبة النساء 18%. ومما لا شك فيه أن النسبة أصبحت اليوم أعلى بكثير، وذلك بعد تدني معدل النمو الذي لا يتجاوز 2%، في حين كان المعدل في الأعوام 2007 و2008 و2009 و2010 نحو 9%".

ويضيف: "بعد ذلك لا شيء. فقط كلام في الهواء. لا دراسات، ولا عمل منهجي وفقا للأصول. ويجب أن نسأل مَن يرمي أرقامه عن البطالة أو العمالة الأجنبية غير الشرعية أن يثبت صحة أرقامه في شكل علمي. والأكيد أن الدولة لا تملك أرقاماً عمّن يعمل ومن هو عاطل عن العمل". ("الشرق الاوسط"- تموز 2018)

*منظمة العمل الدولية: "أشارت التقديرات الرسمية عام 2016 إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ 1.5 مليون لاجئ. لكن عدد المسجلين منهم لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يبلغ 1.07 مليون لاجئ. وأثر الحجم الهائل لهذا التدفق بشدةٍ على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وفاقم التحديات التي تواجه أصلاً سوق العمل، وضاعف العدد الرسمي للعاطلين عن العمل في لبنان إلى نحو 20%، وزاد حجم الاقتصاد غير المنظم".

*منظمة العمل الدولية: "التطابق بين المهارات وفرص العمل في لبنان: الملامح الرئيسية لسوق العمل- التحديات والفرص والتوصيات"- 9 نيسان 2017: "عام 2012، قدر معدل البطالة في لبنان بنسبة 11%. توجد حاليا ثغر خطيرة في البيانات على الصعيدين الوطني والإقليمي، لكل من جانبي العرض والطلب (في سوق العمل اللبنانية). ليس لدى لبنان نظام معلومات عن سوق العمل، ولا يتم جمع بيانات عن سوق العمل في شكل منهجي. إن البيانات والأرقام عن سوق العمل قديمة، وكان آخرها مسح ميزانية الأسر( إدارة الإحصاء المركزي، 2012) والمسح العنقودي متعدد المؤشرات )إدارة الإحصاء المركزي 2009) والدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر )إدارة الإحصاء المركزي، 2207).

عام 2009، كانت نسبة %6.4 من القوى العاملة عاطلة عن العمل في لبنان. وتشير التقديرات الأخيرة من البنك الدولي إلى أن معدل البطالة يبلغ 11%، وغالباً مع فترات تصل إلى سنة واحدة وهو التعريف المقبول دولياً للبطالة على المدى الطويل. غير أنّ هذه التقديرات لا تأخذ في الاعتبار تأثير أزمة اللاجئين السورية لكونها حصلت عام 2012 ، في بداية الأزمة السورية. وبالتالي، فإن تأثير تدفق اللاجئين السوريين على التوظيف لم يكن واضحاً بعد".

*وزير العمل السابق سجعان قزي، خلال احتفال اطلاق مسابقة "مشروع نعمل لتوظيف الشباب": "اليوم، رغم من كل المشاكل التي نعيشها، لا تزال نسبة البطالة في لبنان 25% فقط، مع وجود نصف مليون لاجئ فلسطيني، ومليون ونصف نازح سوري" (10 نيسان 2016).

*واقع وانجازات سوق العمل/ وزارة العمل/وحدة السياسات والتخطيط الاستراتيجي- 2016: اهم مؤشرات سوق العمل عام 2015، المعدل العام للبطالة 13%، بارتفاع 1,1% عن معدل 2014.

*ادارة الاحصاء المركزي: "سوق العمل في لبنان"- تشرين الاول 2011. "معدل البطالة في لبنان عام 2009 بلغت 6% على الصعيد الوطني. واذا تمعنا بنسبها، نجد انها مرتفعة عند النساء (10%) أكثر من الرجال (5%)".

ترامب وملايين الوظائف

في موضوع "الـ2,9 مليوني وظيفة التي خلقها ترامب"، يستند النائب طرابلسي، على قوله، الى كلام الرئيس الاميركي بهذا الشأن. في واقع الامور، تكلّم ترامب، حتى 9 آب 2018، على "خلق نحو 4 ملايين وظيفة جديدة منذ يوم الانتخاب، وهذا أمر لا يصدق"، على قوله خلال لقاء معه حول تأهيل السجون في بدمنستر بنيو جيرسي.

غير ان الصحافيَّين المدققَين في الاخبار والتصريحات السياسية في وكالة "اسوشيتد برس" الاميركية يقولان، في عرضهما الحقائق في مقالة نشرتها الوكالة في 13 آب 2018، بان "ترامب يشوّه الحقيقة في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي والوظائف. فهو يشير إلى أرقام قياسية غير موجودة، ولا يخبر القصة الكاملة عن البطالة لدى السود".

في موضوع الوظائف الـ4 ملايين التي يتباهى بها ترامب، كتبا: "ليس ان الامر لا يصدق، بما ان وظائف أكثر خلقت في الفترة نفسها قبل الانتخابات في تشرين الثاني 2016 بالمقارنة بما بعده. صحيح انه خلال الأشهر الـ20 التي تلت انتخاب ترامب، ولّد الاقتصاد 3,9 ملايين وظيفة جديدة. ولكن في الأشهر الـ20 التي سبقت الانتخابات عام 2016، أضاف أرباب العمل 4,3 ملايين وظيفة".

كذلك، كتب موقع "بوليتيفاكت" في الاتجاه نفسه في 27 تموز 2108، عندما تباهى ترامب بخلق 3,7 ملايين وظيفة جديدة. وقال ان ترامب اخطأ عندما استخدم تعبير "لا يصدق". "حجم المكاسب الشهرية للوظائف خلال عهده يتماشى عموما مع حجم المكاسب الشهرية للوظائف في عهد أوباما". وابرز جدولاً يثبت هذا الأمر. 

النتيجة: نسبة البطالة في لبنان، والتي اعتمدها النائب طرابلسي في كلمته، تستند الى دراسة اجرتها جمعية "مبادرات وقرارات"، في وقت تتفاوت نسب وتتعدد بهذا الخصوص، في ظل غياب اي ارقام رسمية حديثة. اما بالنسبة الى الـ2,9 مليوني وظيفة التي خلقها ترامب خلال عهده، فقد اعلن انها 4 ملايين حتى 9 آب 2018، وهو امر يناقشه فيه صحافيون اميركيون باعتبار الرئيس يميل الى المبالغة، و"يشوه الحقائق في ما يتعلق بالاقتصاد والوظائف".