إيران بنظامها الإرهابي قررت كعادتها الانتقام والثأر من كل ما هو عربي ورافض لمشروع ربط البصرة والعراق تماما بالمشروع الإيراني.
 

مجلس الشورى الإيراني استخدم مفردة “يجب” في مقدمة قرار أصدره لمعاقبة من وصفهم بـ”المخربين” الذين أقدموا على إحراق القنصلية الإيرانية خلال الاحتجاجات الغاضبة لجماهير البصرة؛ أما لماذا نطلق على التصريح أو البيان الصادر عن مجلس الشورى صفة القرار، فلأن المضمون موجه بصيغة الأمر إلى جهة تنفيذية.

مؤكد أن الجهة التنفيذية المعنية ليست وزارة الخارجية الإيرانية بوظيفتها الدبلوماسية الظريفة مع وزارة خارجية العراق؛ فمهمات من هذا النوع بين الدول تتطلب العديد من الإجراءات وتوزيع الصلاحيات وزيارات ومساعٍ لوفود وتعاون أمني واستخباراتي وتحقيقات على أعلى المستويات، قد تستغرق وقتا طويلا.

طهران تتعامل مع النظام السياسي في العراق بواقعية الاحتلال، أو بواقعية التكامل في مصالح السياسة والوجود؛ لذلك فإن الأوامر لا تتحرك على الورق بل تنطلق في شرايين حرسها الثوري- فرع العراق، لتجد لها طريقا سريعا إلى البصرة، وبدفعات ميليشيوية جاهزة بأسلحتها وأيديولوجيتها وأفراحها بشعارات لافتاتها ابتهاجا بانتهاء التظاهرات والاحتجاجات والغضب.

سرت الأوامر بخبرة مكتسبة في تحويل الاحتجاجات ضد أنظمتهم إلى خدمات مجانية، أي بتحوير النتائج لصالح مشاريعهم ومحاورهم السياسية والاقتصادية والميليشيوية؛ فزعماء الحشد الطائفي صعدوا من ردود فعلهم تجاه إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة وباقي مباني الأحزاب أو غيرها من التي كانت هدفا للمحتجين الذين وضعوها في سلة واحدة، سلة كشفت عن رؤية هؤلاء الشباب لموضوعية أسبابهم وتشخيصهم الدقيق لدور الأحزاب الطائفية وميليشياتها في الاستيلاء على خيرات البصرة والعراق.

الحرائق بحد ذاتها لم تكن تخريبا قاصرا نتيجة ردة فعل أو حماسة شباب طائش عاطل عن العمل، رغم ما يشوب التظاهرات من مداخلات وتأويلات لقوى سياسية تريد قطف ثمار شجرة الدماء الوارفة بالشهداء والجرحى، إنما الحرائق رسالة لما هو أعظم من رفض الشباب لاندثار العراق وسحقه تحت عجلة الاحتلال الإيراني بأساليبه في تغيير هوية البلاد التاريخية بالوعيد والتهديد بعصا الحشد والفصائل الميليشيوية والأحزاب التي احترفت تهريب النفط وفتح الأبواب للمخدرات، وطمس معالم أكبر السرقات للمال العام وبعمل يومي وضريبي مستتر ومعلن في الموانئ والنقاط الحدودية بمواردها ومصادرها المتعددة.

شباب بعمر الزهور هانت عليهم دماؤهم لإيصال رسالة إلى العالم بأن البصرة على خطى إبادة الموصل، وأن إهمال مطالبها متعمد وعن سبق إصرار لإخماد صوت العراق العربي، وأن إيران بنظامها الإرهابي قررت كعادتها الانتقام والثأر من كل ما هو عربي ورافض لمشروع ربط البصرة والعراق تماما بالمشروع الإيراني، وأن الترويض بالتهجير السكاني لأجزاء حيوية من القبائل والأصول العربية من البصرة ومعهم بقايا أهلنا من المسيحيين الذين استقروا تحديدا في أحد أحياء البصرة والذي شيّد منذ عقود بعيدة للعاملين في شركات النفط، عدا عن الآخرين الذين استوطنوا البصرة من أديان وقوميات متنوعة لازدهار الموانئ بحركة البضائع التجارية أو لكونها محطة للسفر إلى دول العالم عن طريق الخليج العربي.

البصريون في أعماقهم لا يندهشون من موت شط العرب لأنهم بفطنتهم العروبية لا تغيب عن ذاكرتهم، حتى التاريخية القريبة منها، مدى رغبة نظام ولاية الفقيه في إعدام شط العرب، لأنه يذكرهم بكل ما هو عربي ويعيد إلى أذهانهم عروبة البصرة وعروبة العراق وجذور عروبة أهل الأحواز وأصول قبائلهم وعشائرهم وبيوتهم العربية العريقة.

شط العرب بتوابعه القانونية والجغرافية، كان سببا في توقيع العراق لاتفاقية الجزائر مع الشاه بحضور الرئيس هواري بومدين عام 1975، وكان إلغاؤها من طرف العراق ضربة استباقية لإنذار النظام الجديد في إيران من مغبة عدائه السافر وتلويحه باحتلال العراق منذ اليوم الأول لاستلام الخميني للسلطة، وأيضا كرد فعل تجاه التشهير الإيراني بالاتفاقية الذي وضع توطئة ثورية ضد الشاه لإبرامه لها مع العراق، وقبل أن يبادر الجانب الإيراني بإلغائها، قرر العراق حفظا لكرامته وسيادته إلغاء الاتفاقية واعتبار الإلغاء تبليغا عن اضطرار العراق لتوقيعها نتيجة للظروف حينها بما يتعلق بالورقة الكردية والتمرد في الشمال.

لكن إلغاء الاتفاقية من جانب العراق أثار حفيظة الملالي الذين وجدوا فيها تحديا يصب في خدمة أهدافهم ومشروعهم؛ دون أن يلتفتوا إلى قراءة وتأمل يعيدان النظر في العلاقة بين البلدين للدخول في مفاوضات جديدة حول شط العرب على ضوء القانون الدولي وحسن الجوار المفترض.

خط التالوك، وهو أعمق نقطة في شط العرب، طالما دفعتها إيران بوسائلها باتجاه الضفة العراقية لأن ذلك يوفر لها أراضي جديدة غنية بالنفط، إضافة إلى تحجيم الشط العربي وتقليص المسافة ودمجها.

لكن الهدف كان دائما اغتيال عنوان الشط وتحويله إلى مرمى أهداف ذات مغزى عنصري، وذلك ليس ببعيد على من يدرك تفاصيل التكوين العقائدي والنفسي لهذا النظام الإرهابي المتخلف؛ يكفي أن نتطلع إلى مآلات شط العرب لنتعرف على مخططاتهم.

دفعت البصرة أيضا ثمن الاستقبال العفوي الذي عبر عن شوق البصريين والعراقيين للعرب عند افتتاح ملعب “جذع النخلة” لكرة القدم في البصرة بمباراة ودية بين منتخب العراق وشقيقه منتخب المملكة العربية السعودية، إيذانا برفع العقوبات عن الملاعب العراقية. لا نحتاج إلى سرد الحفاوة وما رفعته الجماهير من لافتات حب للأشقاء السعوديين في بلدهم، وما أدت إليه من تقارب طبيعي وارتياح في الإعلام والسياسة بين الأشقاء وعلى كافة المستويات، متبوعة بهدية من جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الجمهور الرياضي في العراق ببناء واحد من أكبر الملاعب في عاصمة العروبة بغداد.

تفاعل النظام الإيراني وميليشياته وأحزابه المغمسة بالفتنة والطائفية وكراهية كل ما هو عربي، مع الشباب في البصرة وعموم العراق، على أنهم خارجون عن وصاية المرشد؛ بما تطلب جهدا مضاعفا وإجراءات متأنية، نتج عنها إهمال وعقاب جماعي أدى إلى المزيد من البطالة وشح المياه والتلوث وإطلاق النار على شباب الثورة.

القادم أمرّ في ملاحقة الناشطين والتهديد بمتابعتهم وتصفياتهم بما ظهر منها على السطح في تناغم توصيفهم بـ”المخربين” من طهران أو “العصابات” على لسان قادة الحشد، والتي تجاوزت أوصاف الاتهامات المتداولة عن المندسين بين التظاهرات؛ ذلك لأن الأهداف تغيرت وفق الأوامر الإيرانية بمعاقبة هؤلاء الغاضبين من شباب البصرة الذين أوصلوا رسائلهم عندما استجمعوا غضبتهم وأحرقوا القنصلية الإيرانية ومبان أخرى، باعتبارها أوكارا لعملاء الاحتلال الإيراني.