ولدتُ من أبوين فقيرين ، ونشأتُ في قريةٍ تحت خطِّ الفقر بأمتار.. وفي بيئةٍ جنوبيةٍ محرومة ،فدفعني الفقر والحرمان إلى الدخول في مدرسة السيد موسى الصدر والإنتساب إلى سياسة تصحيح مسار الإنسان في لبنان وطيِّ صفحة الغبن الطائفي وتحرير الوطن من دولة المزرعة والإقطاعيَّات السياسية..وبعد مجاهدة ومجالدة مع الدولة والدُويلات القائمة آنذاك ودفع أثمان كبيرة بلغت الطائفة المحرومة في سُلطتي السياسة والمال مبلغاً تجاوز حدود وإمكانيات الطَّوائف الأخرى..واستفقنا باكراً على أُزعومة الطائفة القويَّة والمُمسِكة بسياسة الدولة والقادرة على إحداث معادلات إقليمية وخاصة في لعبة الصِراع – العربي..الإسرائيلي – أو ما تبقَّى منه... تحوَّل الجنوب من بيئةٍ يقتات من الجوع إلى أرضٍ خصبة لرساميل بَنَتْ الجنوب بالإسمنت دون التَّوجه إلى تنميةٍ حقيقة تنتشل الجنوبيين من أوضاعهم الصعبة.. في الشكل تغيَّرت صورة الجنوب فبانت القصور ومظاهر التَّرف الوافد من السياسة وأحياناً من الدِّين والإقتصاد وأسهمت مشاريع مجلس الجنوب في حقل التعليم خصوصاً في مساحةٍ شاسعة من المدارس والصروح التربوية..وفي المضمون غُلِّف الجنوب بقشرةٍ قويَّة مغطِّية لمساحة كبيرة من الحرمان القديم..فهو بلا زراعة لعدم توفُّر المياه الذي يُهرَّب إلى البحر بواسطة سياسات متعمِّدة وأكثر القرى تعاني في صيفٍ من جفافٍ مميت للزراعات الصغيرة داخل أحواش البيوت الجنوبية ، كما أنَّ السياحة الموسميَّة تُسيىء إلى الشريان المائي والذي تعتاش على ضفافه من خلال تحويل نهر الليطاني إلى مكبٍّ لنفايات الإستراحات الشواطئيَّة..ولا تبدو التجارة أفضل حالة لأنَّها تعتمد على الورش الصغيرة ، والجبل الذي كان منارةً عامليَّة للعرب أمسى في تَصَحُرٍ ثقافي وماتت حيويَّته السياسية داخل إصطفافات متصلة بواقع النظام الطائفي في لبنان..وبعد مُضي أكثر من ثلاثين سنة على الرحلة الجهادية داخل الطائفة المحرومة والنهوض من سياسات الغبن والقهر وجدتُ نفسي مجدَّداً داخل الحرمان نفسُهُ ، فأنا وقريتي وبيئتي ما زال الفقر يعتاش من لحمنا ، ولم يتغيَّر أحوال القرى بما يتناسب مع طبيعة الطائفة القويَّة والخارجة من لَدُنِ الحرمان إلى الإغتناء في كلِّ شيئ...دفعني إلى الكتابة عن الطائفة المحرومة ما أسمعه يوميَّاً من الأطراف المسيحيَّة الرافعة لشعارات الحرمان تحصيلاً لحقوقٍ ضائعة إرتكازاً إلى مشروعٍ تمثيليٍّ يُلبِّي مصالحهم كمُكوِّنٍ غير مندمجٍ مع الطوائف الأخرى ومستقلٍّ عن إرادتهم العابثة بالبيت الماروني تحديداً والمسيحيين عموماً....تظنُّ الطائفة القويَّة أنَّها قويَّة وتعتبر الطائفة الضعيفة أنَّها مقهورة ومغبونة وكلٌّ من الطائفتين تسعيين إلى إستخدام وسائل للدفاع عن مصالح تُلبِّي شروط الزعامات السياسية وتدفع بالواهنين والواهمين من جماعات الطوائف إلى الإنتحار من أجل إثراء الزعامات الدِّينية من أهل الطوائف والإبتعاد عن الفقر لتغذية شجرة الأغنياء