جاءت مبادرة رئيس الجمهورية التي أطلقها من الفياضية أول من أمس، لتقطع الطريق على الذين يضغطون على الرئيس المكلف لوضع شروط غير قابلة للتحقيق، وفي مقدم هؤلاء رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، لكن هذه المبادرة التي حسمت الجدال في شأن حكومة الوحدة الوطنية التي يتمسك بها الرئيس المكلف، لمصلحة الأخير, لم تنجح في تذليل العقد المرفوعة من قبل التيار الوطني, وأبرز هذه العقد إصرار التيار ورئيسه على الحصول على الثلث المعطل في الحكومة العتيدة مقابل التخلي عن حكـومة الأكـثرية التي تشكّل - حسب رأيه - الضمانة الأساسية لإنجاح العهد وتمكينه من تحقيق مشروعه الاصلاحي الذي ألمح اليه الرئيس ميشال عون في خطابه بعيد الجيش.


وهذه العقدة التي يضعها التيار الوطني الحر يبدو أن رئيس الجمهورية ليس بعيداً عنها، أو أن التيار وضعها بمنأى عنه، بدليل تبنيه لموقف التيار الرافض لمطالب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في الحصول على المقاعد الوزارية الثلاثة العائدة للطائفة الدرزية استناداً إلى نتائج الانتخابات النيابية التي أعطت الحزب الاشتراكي سبعة نواب دروزاً من أصل ثمانية، وقد فاز الثامن بالتزكية لأن الحزب ترك له مقعداً شاغراً، وقد ظهر هذا التبني بشكل واضح بقول الرئيس عون انه يرفض بشكل قاطع احتكار طائفة ما للمقاعد الوزارية العائدة لها، وهو يقصد بذلك الحزب التقدمي الاشتراكي بشكل مباشر لا لبس فيه.


وبطبيعة الحال فإن النائب السابق وليد جنبلاط يرفض هذا المنطق، ويصر على الاحتفاظ بحصة الدروز ويؤيده في ذلك الرئيس المكلف بناء على اقتناعه بالطرح الجنبلاطي، وهذا التبني من شأنه ان يؤخر تشكيل الحكومة ويضع البلاد أمام أزمة سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، فضلاً عن رفضه القاطع لعدة أسباب داخلية وخارجية إعطاء التيار الوطني الحر وأي أحد من حلفائه الثلث المعطل أو الضامن مهما طال أمد التأليف، حتى لا يستأثر التيار وحلفاؤه بقرارات مجلس الوزراء أو حتى لا تتكرر مسألة استقالة الوزراء العشرة من حكومته بعد اجتماع عقدوه في مركز التيار الوطني الحر، ناهيك عن عقدة القوات اللبنانية التي ما زالت عالقة رغم حرص رئيس الحزب على التواصل مع رئيس الجمهورية لحلها بسبب رفض رئيس التيار الوطني الحر إعطاء القوات ما تعتبره حقاً لها من الحصة الحكومية. كل هذا أدى إلى إسقاط مبادرة رئيس الجمهورية والعودة إلى المربع الأول، أي المراوحة وعدم وضوح الرؤية وفق تحليل رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه برّي أو ان الأفق ما زال مسدوداً وعمر تصريف الأعمال قد يطول الى ما بعد عيد الميلاد، وفق ما يعتقده أكثر من مصدر يتابع حركة المشاورات والاتصالات الجارية.